الأعمدة

ستذهب الحرب وقد تترك آثارها ..ولكن الاهم ان يبقى الوطن .

 

الحروب ليست الخيار الامثل لحسم الخلافات بين البشر ولكنها احد خياراتها التي تكتب عليهم فيدفع ثمنها المهزوم دون ان يكون مكسب المنتصر الا بما هو اشبه بطعم الخسارة خاصة إذا كانت بين ابناء الدين الواحد او من يتشاركون ذات الوطن الذي بتقاسمون ثراه وثروته و سلطته ولكن ربما بتفاوت بعض الاستئثار

التاريخي الذي قد يتمتع فيه فريق او شي من المظالم التي تدفع بطرف اخر للثورة من اجل استعادة ما يراه من حقوق مسلوبة .
فالتاريخ الحديث حافل بالماسي التي خلفتها الحروب الإثنية كمثال ولعل اشهرها على مستوى القارة الإفريقية حرب التوتسي والهوتو في دولة راوندا التي تفجر فيها الشعور بعزة النفس والتفوق العرقي لدى طرف ما فطفق يصفي الطرف الآخر جسديا رغم المصاهرة و التعايش الذي كان بمثابة وميض النار تحت الرماد .
فقدت البلاد ما يقارب المليون مواطن ومواطنة واصبحت اكوام الجماجم تؤرخ لتلك الكارثة الإنسانية حتى صار لها متحف يذكر البشرية جمعاء بها .
و لكن قد سخر الله لذلك الشعب المنكوب رجلا اثر ان يجعل بلاده انموذجا ليس للنهضة من كبوة الدمار فحسب بل جعل من شعبها مثالا للتسامح والقفز فوق مرارات ذلك الاقتتال البشع وتخطي الرغبة في الانتقام والانتقام المضاد ..
فلم يكن إشعال حربهم خال من اصابع التحريض في بعده الخارجي الدولي و لم تكن ساحتها ببعيدة عن تدخلات المرتزقة من الدول المجاورة التي لها امتدادات قبلية مع اطراف النزاع .
وهاهي راوندا بعد كل ذلك الالم الممض باتت في اقل من ربع قرن قبلة للاستثمارات الضخمة
ووجهة سياحية ورقعة آمنة توددت لها بريطانيا العطمى لايواء طالبي اللجوء من المهاجرين غير الشرعيين حتى تنظر في مستقبل امرهم .
اما كيجالي العاصمة اصبحت عروس افريقيا الاجمل وانسانها يقوم بنطافتها و رعاية حدائقها الغناء و تجميل شوارعها الواسعة المنظمة الزاميا في يوم بعينه من الاسبوع .
بعد ان ذهبت الحرب بكل جراحاتها العميقة ..ولكن بقي الوطن بشعبه الذي استفاد من ذلك الدرس القاسي و قد ابتسم من خلف الوجع مقبلا على الحياة الجديدة وهو ينظر الى شمس الغد دون الالتفات إلى ظلمات الامس الدامسة .
نعم نحن نعيش هذه الايام ظروفا صعبة وتجربة قاسية ..ونقدر شعور من بنادي بالحسم العسكري و هزيمة التمرد مهما غلا ثمن المواجهة وقد اطل ذلك الثمن الباهظ بوجهه القبيح في الخسارة البشرية والمادية و تمثل في الشعور بالذل وقسوة انتهاك الاعراض وسلب المملتكات واحتلال الديار واحتقار كرامة الرجال والنساء وتهجيرهم .
مثلما نثمن ايضا مشاعر الذين ينادون بلجم جنون الحرب وضرورة توقفها فورا لان لا احد يمكنه التنبوء بعمرها الدامي ولا اين مكان وكيفية وضع اوزارها .
و معلوم ان الغضب قد يتملك عامة الناس فيتبادلون اتهامات من قبيل ان تلك الفئة هي من حرضت على اطلاق الرصاصة الاولى لانها تتبع لذلك التيار او تلك الجماعة.
بينما ترد عليها فئة اخرى بتهمة العمالة والتخوين والانقياد لتلك الدولة التي تسعى لتحقيق مصالحها بصورة او اخرى .
ولكن في خاتمة الامر ستمضي الحرب و قد تاخذ معها قادتها العسكريين من الجانبين و المتسببون فيها اما بعدالة السماء ضمن محرقتها واما في قفص عدالة الدنيا التي سيكون مدعيها الضحايا وقضاتها التاريخ والشعب .
ولكن الاهم ان يبقى الوطن معافى من جراحاتها وشعبه نفسه خاليه من الرغبة في الانتقام من اطرافه التي ناذى منها باعتباره جسدا واحدا لا عاش من يمزقه .
ويطل التسامح هو اسمى درجات العدالة على المستوى الإنساني المدني حينما يؤمن اهل الوطن الواحد بانه قادر على ان يسع الجميع بكل الالوان والسحنات و الجهات والاديان و الالسن واختلاف الاطياف السياسية بعيدا عن اصحاب الغرض من الاغراب الموتورين .
حما الله وطننا وشعبنا من شرورهم و حمانا من شرور انفسنا الإمارة بالسوء وهداها الي سواء السبيل .
وهو من وراء القصد .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى