تراجع الحلول السليمة بعد احتدام المعارك ميدانيا في السودان
الخرطوم | تراجعت الآمال في الوصول إلى حلول سلمية توقف الحرب المندلعة في الخرطوم وبعض أجزاء السودان الغربية، لتضحي مواصلة العمليات العسكرية هي الخيار الوحيد لدى كلّ من الطرفَين المتحاربَين: الجيش و«الدعم السريع». ويأتي ذلك في ظلّ فشل المبادرات الخارجية المطروحة لتحقيق اختراق في جدار الأزمة، التي يبدو أنها ستستنزف طاقات جانبَيها، من دون أن تمكّنهما من تحقيق أيّ انتصار. ومع ذلك، فإن اعتقاد كلّ طرف بأنه قريب من عتبة هذا الانتصار، ربّما يكون قد أسهم بشكل كبير في تعنّتهما تجاه أيّ مبادرة للتفاوض وإفشالها قبل أن تبدأ.
ومنذ استيلاء قوات «الدعم السريع» على معسكر الاحتياط المركزي جنوبي الخرطوم أواخر الشهر الماضي، أخذ الصراع منحًى جديداً تَمثّل في ارتفاع حدّة القتال بين الطرفين، ودخول أسلحة جديدة على الخطّ، على رأسها الطائرات المسيّرة التي شاع استخدامها بكثافة من قِبَل الطرفَين. كذلك، بدأ الجيش عمليات تمشيط واسعة في مدينة أم درمان، شاركت فيها القوات الخاصة، بالتزامن مع تواصل القصف المدفعي الثقيل من قِبَل قواته في كلّ من الخرطوم والخرطوم بحري، ما وضع «الدعم» في موقف الدفاع بعدما كانت هي المبادرة بالهجوم منذ بدء الحرب. وفي المقابل، بدا لافتاً استخدام قوات الجنرال محمد حمدان دقلو «حميدتي» المسيّرات في استهداف بعض معسكرات الجيش ونقاط تمركزه، وهو ما طرح العديد من التساؤلات حول كيفية حصولها على هذه الطائرات، فيما لم يستبعد البعض وقوف جهات خارجية وراء ذلك.
دخلت الطائرات المسيّرة بكثافة على خطّ المعارك
وبالرغم من هذا التصعيد العسكري المتزايد بين الطرفين، والتطور النوعي في سير العمليات العسكرية، إلّا أن تحقيق أيّ منهما نصراً واضحاً على الأرض يمهّد لحسم المعركة، لا يزال يبدو بعيداً. فالجيش الذي أعلن قادته عند اندلاع القتال أن الحسم لن يستغرق سوى ساعات قليلة، يَظهر أنه لم يتوقّع أن تصمد «الدعم» كلّ هذه الفترة، بعد تدميره معسكراتها الرئيسة في أطراف العاصمة. ولذلك، لم يرمِ الجيش بكلّ قوته منذ بداية الحرب، الأمر الذي مكّن قوات «حميدتي» من التمدّد في معظم مناطق وأحياء العاصمة والسيطرة عليها. كما كان لغياب قادة الصف الأول في الجيش واحتجازهم في القيادة العامة، تأثير بالغ على سير المعارك، تمثّل في تأخير تحقيق إنجاز فيها. أمّا بالنسبة إلى «الدعم»، فبالرغم من ادّعاء قادتها، منذ أيام الحرب الأولى، سيطرتهم على أكثر من 95% من الخرطوم، إلّا أنه تَبيّن، مع اقتراب إكمال الحرب شهرها الثالث، أن هذه السيطرة في العديد من حالاتها أقرب إلى أن تكون شكلية، وخصوصاً أنّ بعض معسكرات أو مقرات الجيش التي دخلتها «الدعم» وسيطرت عليها، سرعان ما غادرتها بعد أخذ المؤن والذخائر، باستثناء مقرّ الاحتياط المركزي الذي لا تزال تتمركز فيه. ولا يُستبعد أن يكون لجهل معظم أفراد هذه القوات بجغرافيّة المنطقة التي يقاتلون فيها، دور في عدم تحقيق نصر حاسم في المعركة، فضلاً عن عدم وضوح الأهداف التي يقاتلون من أجلها.
وخلّف استمرار القتال في العاصمة الخرطوم، وبعض مدن ولايات دارفور، وضعاً إنسانياً كارثياً. ففي الخرطوم، يعيش من تَبقّى من سكّانها حتى الآن محاصَرين في منازلهم، تحت قصف المدفعية الثقيلة بلا كهرباء ولا ماء، فيما نفدت المؤن الغذائية لدى الكثيرين منهم، وتهدّمت العديد من منازلهم، وارتفع عدد الضحايا المدنيين من بينهم جرّاء القصف المتبادل بين الطرفين. كما تشهد حدود السودان مع جيرانه تدفّق اللاجئين الفارّين من جحيم الحرب، والذين يعيشون أيضاً أوضاعاً مأساوية في انتظار السماح لهم بدخول تلك البلدان.