الحرب ومعاناة السودانيين في النزوح من مكان لأخر !
من “نزوح إلى نزوح” فر آلاف السودانيين إلى مدينة ود مدني بولاية الجزيرة هذا الأسبوع مع بداية معارك عسكرية هي الأعنف من نوعها؛ إذ يعتزم الجيش إرغام الدعم السريع على مغادرة الأحياء السكنية في الخرطوم.
مئات الآلاف من المدنيين لم يغادرا منازلهم في الخرطوم مخافة الإجابة عن أسئلة صعبة على شاكلة من أين يمكن تدبير نفقات السكن الفلكية؟
إلى حي “الكلاكلة شرق” جنوب العاصمة الخرطوم وصلت عائلة أحمد حسن قادمة من حي أركويت شرق الخرطوم. كانت تعتقد أنها ستكون في مأمن من الهجمات العسكرية التي لم تتوقف في شرق العاصمة طوال (75) يومًا، لكن مع سيطرة قوات الدعم السريع على رئاسة الاحتياطي المركزي جنوب الخرطوم، انتشر الجنود في شوارع “الكلاكلة شرق” مع تمدد ظاهرة نهب السيارات والممتلكات
قررت هذه العائلة التوجه إلى ولاية الجزيرة على متن حافلة صغيرة (هايس)، وعبرت نقاط تفتيش يشرف عليها جنود الدعم السريع. لم يكن المرور ميسرًا بسبب عمليات التفتيش والأسئلة عن المهنة وحتى الانتماء السياسي.
في مدينة ود مدني كانت هذه العائلة على موعد مع سمسار عرض عليهم شقة سكنية بقيمة (700) ألف جنيه في الشهر –أي ما يعادل (1,300) دولار أمريكي– وهو مبلغ يسمح لهم بالسكن في أرقى عواصم أفريقيا مع نفقات المعيشة والدراسة – يقول أحمد حسن.
وبعد ترك هذا الخيار المكلف، عثروا على منزل صغير بقيمة (300) ألف جنيه –أي ما يعادل (600) دولار أميركي– لم يترددوا في قبول العرض، لكن الأسئلة عن مصيرهم إذا لم تتوقف الحرب ظلت تلازمهم.
مئات الآلاف من المدنيين لم يغادرا منازلهم بالعاصمة الخرطوم مخافة الإجابة عن أسئلة صعبة على شاكلة من أين يمكن تدبير نفقات السكن الفلكية؟ ومن أين يمكن الحصول على تكلفة المعيشة؟ مع توقف موارد الدخل من العمل في القطاع الحكومي أو الخاص. وهناك اعتقاد بأن البقاء في المنزل يحمي من عمليات النهب، لا سيما وأن العصابات تختار المنازل الخالية من السكان.
ناصر أحد الذين كانوا يعتمدون على إيجارات شقق سكنية في مبنى يمتلكه جنوب الخرطوم. فقد عائد الإيجارات لأن جميع السكان فروا من المبنى بعد وصول قوات الدعم السريع إلى الحي، واضطر هو أيضًا رفقة عائلته إلى الرحيل إلى أمدرمان في منطقة بعيدة نسبيًا عن المعارك العسكرية.
قال ناصر لـ”الترا سودان” إنه ينتظر توقف الحرب حتى تعود حياته على ما كانت عليه. وهذا الخمسيني لم يتحدث عن احتمال عدم توقف هذا النزاع قريبًا لأنه كمن هرب من الإحباط لا سيما مع عدم وجود خطة للحصول على دخل مالي لتدبير معيشة عائلته؛ “حتى الهجرة إلى خارج البلاد لم تعد خيارًا مناسبًا وليس لدي القدرة على ذلك” – يضيف هذا الرجل.
نزوح
من الخرطوم إلى مدينة ود مدني كان المدنيون يتوقفون في نقاط التفتيش التي أقامتها قوات الدعم السريع، لم تتوقف الأسئلة عن المهن والتي تجعل الجنود يدققون كلما زادت شكوكهم. بعض العابرين يتوقفون لساعات طويلة حتى يُسمح لهم بالمغادرة.
وبعد الحرب ربما ينظر العائدون إلى المنازل في الطرقات التي مروا عليها ساعات الرعب، وقد لا يكون فيها جنود مدججون بالأسلحة، وهي أمنيات قد يجدها البعض صعبة المنال بحسب ما يقول أيمن الذي وصل إلى مدينة القضارف شرقي البلاد، وفي لحظات شعر بأنه قد لا ينجو من اعتقال الدعم السريع.
لماذا، هو أول سؤال تطرحه على هذا الشاب؛ يجيب قائلًا إن السبب هو أنه ترك مستنداته الشخصية في مكتبه بحي الخرطوم 2 وهو موقع يشهد قتالًا عنيفًا منذ اليوم الأول.
جواز سفر وبطاقة صراف آلي وشهادات جامعية وشهادات تدريب جميعها، لم تكن بحوزته، مما عرضه لمصاعب “الارتكازات” بحسب ما يطلقون عليها شعبيًا هنا، وهي نقاط وحواجز التفتيش العسكرية والأمنية.