الأعمدة

حكومة كلام فارغ !

في اول استفتاء شعبي إقامته حكومة مايو لتثبيت اللواء حينها جعفر نميري رئيسا للجمهورية وكان ذلك في اكتوبر من العام 1971 عقب دحره لانقلاب الرائد هاشم العطا .
فقد اتخذت اللجنة المعنية بالاستفتاء نادي قريتنا مناقزا الحلاوين لتسجيل الناخبين ..وقد تصادف ذلك مع قيام احد المقاولين بإنشاء المدرسة الوسطى بالقرية فطلب منه ضابط الانتخابات ان يحضر عمال البناء ليتم تسجيلهم ضمن ناخبي القرية ..وكان من بينهم عدد من ابناء الإقليم الجنوبي وهم معروفون باتخاذ الاسماء الطريفة لانفسهم إلى جانب اسمائهم القبلية الإصلية .
وبما انه في ذلك الوقت لم يكن مطلوبا الاوراق الثبوتية لتسجيل الناخبين كشرط والتي لم تكن تتوفر اصلا في ذلك الزمان كالرقم الوطني مثلا..فقد سال الضابط المختص الإخوة الجنوبيين عن اسمائهم لتكملة إجراءات التسجيل ..فقال الاول ان اسمه خرطوم بالليل بينما قال الثاني ان اسمه تور كبير ..إلى ان جاء الثالث وقال للضابط ان اسمه..هو :
( حكومة كلام فارغ )
وهنا توقف الضابط عن الكتابة رافعا القلم في وجهه وقال له ..بذمتك هل تريدني ان اكتب في دفاتر انتخابات نميري ان اسمك هو هكذا واروح بسببك في الف داهية واضاف ..اسمع ياخينا اخرج وفكر لك في اسم مناسب ثم عد الينا ان كنت ترغب في التصويت والا فربنا يسهل عليك !

وللتاريخ في ذلك الوقت الحكومة حقيقة لم تكن كلام فارغ ..رغم انها سلطة شمولية و رئيسها ديكتاتور جاء عبر انقلاب عسكري ورغم خلافنا مع هذا النوع من انظمة الحكم ..ولكن الشهادة لله فقد كان الشعور بهيبة الحكم سائدا في كل مظاهر الحياة ..في شرطي المرور المهندم وهو يؤدي واجبه بكل صرامة ..وفي حارس البنك وهو يقف بشموخ تنحني له الجباه وفي سطوة مهنة التعليم منذ المرحلة الابتدائية وحتى الجامعية وفي اناقة الموظف العمومي الجالس خلف مكتبه مزهوا بكفاءته والكل قانع براتبه الذي يفيض عن حاجته الشهرية ..إذ كان الجنيه السوداني يقارب الاربعة دولارات امريكية قبل ان ينتشر سوس الخراب الاقتصادي ويدخل ثقافة تجارة دولار . ريال ..درهم.. والتي لم تقم لاقتصادنا بعدها قائمة الا في فترة انتاج البترول القصيرة التي بدد ريعها الوفير اخوان البنية في فساد التمكين ومن ثم عدنا بعد انفصال الجنوب الى نقطة الصفر !
لا ادري بالضبط اين هو الآن صاحبنا الجنوبي المدعو
( حكومة كلام فارغ ) ولكن ان كان حيا وعاد اليوم وفي هذه الظروف ليسجل اسمه امام ذلك الضابط ان كان هو الآخر على قيد الحياة ..فإن الضابط لن يرفض تسجيله بذلك الاسم بل سيشد على يده لان حقيقة الاوضاع الفوضوية في الحرب اللعينة الراهنة تتجلى بوضوح في بلاغة اسمه المزعوم جزافا !

تذكرت تلك الواقعة القديمة وانا اشاهد منذ يومين شريطا مصورا لذلك الشاب المثير للريبة المدعو ابراهيم بقال سراج والذي يسمى نفسه بالصحفي الفلولي الكوز السابق المنتمي حاليا للقتال مع قوات الدعم السريع علانية وهو يتحدث من امام دار المؤتمر الوطني المحلول تارة يركض منتشيا قاطعا المنطقة الفاصلة بين المبني وشارع الستين وتارة اخرى يصعد فوق الية تابعة لقوات الدعم السريع و يؤشر إلى مكان يتصاعد منه الدخان ناحية القيادة العامة وهو يؤكد انه السرداب الذي يحاصر فيه قادة القوات المسلحة بواسطة الدعم السريع ويعلن ذلك غير خائف وليس حاسبا لحساب اي سلطة وكانه يخطب باريحية في ميدان الطرف الاغر في قلب لندن !
والناس من حوله يعبرون بالسيارات بصورة عادية ولم نشهد طائرة تحلق في ذلك المكان وكانه محرم عليها وهو المواجه لمدخل مطار الخرطوم ذاته..وبإمكان اي ( نبلة) وليس طائرة بيرقدار ان تنتاش هذا المعتوه الذي كان يتحدى الجيش و كانه يذكرنا باسم ذلك الاخ الجنوبي قائلا بالفم الملئ ثقة بان هذه الحكومة و ربما يقصد جيشها ايضا لانهما في رايه.. كلام اكثر من فارغ !

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى