المنوعات

حافظ عبد الرحمن بين جيمس لاست وجيمس بوند

بقلم : تاج السر الملك

 

لو وددنا تلخيص تاريخ موسيقى العازف المنفرد في السوداني، والذي طرح البوماً كاملا في الأسواق، للموسيقى البحتة، لقلنا دون تردد بأنه ابراهيم محمد الحسن، ونخص بذلك ألبوم (المهيرة)!

وقد أضيف من باب الإنصاف، فريق (السمندل)، ولا أذكر ألبوما بعينه.


أما قصة عنوان المقال، فهي قصة طريفة، حدثت عندما كان الفنان العظيم في زيارة لفيرجينيا، كان جالساً في مكتبي، حينما دخل عليه شاب، أدعى بأنه كاتب صحفي، وله صفحة على الانترنت، كانت كلمة صفحة على الانترنت في ذلك الزمان، كافية لتفعل فعل السحر، في المتلقي، مبهمة تثير الإعجاب والفضول. طلب الشاب أن يقوم بعمل حوار مع الفنان، وبالرغم من أن الفنان لم يتحمس كثيراً، لفكرة الحوار، إلا أنني شجعته، بدعوى أن الانترنت قوة لايستهان بها، وأنها وسيلة إعلامي،قادمة بقوة جبارة، تصلك باركان الكون في لحظة، وتصنع من الليمونة، عصير ليمون، إلى آخره من الحذلقات، فاقتنع حافظ، ويمكن القول، على مضض. تركتهم في المكتب لزمن، إنقضى فيه زمن الاسئلة والاجوبة، ومباراة الحوار، حيانا الشاب، وانصرف، ياخي كمل الليمون! قال لا، شال (الفلوبي ديسك)، في يده، نظام الود تكنولوجي.
في اليوم التالي، التقيت بالفنان في مكتب وكالة (البحر الأحمر)، مستغرقاً في قراءة الحوار، والذي تم نشره بحذافيره، على شاشة الحاسوب، وما أن أحس بوجودي، حتى أشار علي بيده (تعال هنا اقرا دي)، فقرأت (……والفنان حافظ ذكر في إجابته بأنه يعجب بالموسيقار الألماني جيمس بوند)!
وهنا لم أتمالك نفسي من الضحك، فنظرني مؤنباً، (كلو منك)، أقوليه جيمس لاست يكتب جيمس بوند؟
فقلت له، معليش نتصل بالراجل ويصحح المعلومة، وقد كان، وقد ما كتب بعد ذلك للصحف، ورقيها و اسفيريها.
ويقودني الحديث عن جيمس لاست، إلى الفقرة التي بدأت بها مقالي، فقد عرفنا في السودان، منذ بداية عهد الموسيقى الحديثة، العديد من السولويست المميزين، من عازفي الإذاعة، نخص منهم العملاق (محمدية)، والقامة (برعي محمد دفع الله)، (بشير عباس)، ود الحاوي، أكرت، بدر الدين عجاج، وغيرهم، من موسيقيي (ما يعرف بالجاز)، إلا أنه وعدا بعض المؤلفات الموسيقية، والتي تم اداؤها بآلة منفردة، مثل العود والكمان، والاكورديون، وربما الأورغ، لملئ الفقرات بين البرامج، برعي وبشير كمثالين، فإننا نكاد نجزم، بأن لا أحد من كل السولويست الذي إختصصناهم بالذكر، والذين سقطوا عن ذاكرتنا سهواً، تجرأ على إنتاج البوم موسيقى بحتة، أو ما يعرف (بالانسترومنتال)، مثلما كان يحدث في كل دول العالم حولنا، عدا (إبراهيم محمد الحسن وفرقة الأمراج)، في وقت لاحق.


وقد عرف جيلنا، المنفتح على ثورة موسيقى السبعينات وما أعقبها، البومات، (فوستو بيبيتي) عازف الساكس الإيطالي، وتداولنا اسطوانات (بول مورييه) قائد الاوركسترا العظيمة، الفرنسي، وموااطنه، جان مشيل جار، والذي كان المؤلف الموسيقى، لثيمات برنامج، (عالم البحار)، ومن منا لم يعجب بالعالم الفرنسي (جاك كوستو)، والذي غاص بنا في لجج الأزرق، فتعلمنا منه الكثير، وجورج زامفير الروماني، صاحب المزامير الهوائية، يوشي كيمورا الياباني، هيربي مان الامريكي، تشارلي باركر، مايلزديفيس وحتى (كيني جي)، جيمس لاست ألمانيا، والذي كان التلفزيون يتحفنا بمقطوعاته الجميلة، وبرامج (تيلي ماتش)، وغيرهم، عمار الشريعي وعمر خورشيد من الشقيقية مصر، (طلاي قبري) من الجارة العزيزة إثيوبيا، من افريقيا مانيو ديبانقو، صاحب المقطوعة الشهيرة، (سول ماكوسا)، ومن جنوب افريقيا (هيوي ماساكيلا)، ورائعته (Grazing The Grass) وفريق (أوسيبيا)، وفي مقدمته عازف الفلوت (أوسي)، اصحاب مقطوعة (ايكوبيا)، والتي حولناها إلى (عباسية موردة)، والقائمة تطول وتتسع، لتشمل حتى (الرحبانية) في بيروت، وقد كان من حظ السودان، أن زاره الموسيقار الامريكي العظيم (لويس أرمسترونق)، بالرغم من أن بعض السودانيين، إعتقدوا بأنه أراقوز، ربنا يسامحهم.
تخطفت مسالك الإغتراب إبراهيم ود المأذون
فبزغ نجم (حافظ)
فكأنما ليملأ وحده هذا الفراغ الإبداعي المهم
ليعطر الأثير، بمعزوفاته الخضراء، ليقدم الموسيقى السودانية، صنواً لرفيقاتها العالميات، دون صوت بشري، ليسمع صداها العالم، من منافذ سقوف الطائرات، والمقاهي والمصاعد، والامسيات الحميمة، ليمنحنا فرصة، للتأمل في تخريجات موسيقانا، والإعتراف بعبقرية مؤلفيها، فنحن قوم سماع لغوي، نهيم بالكلمات المغناة، ولا ننتبه كثيرأ، إلى الألحان العظيمة التي أنتجتها، قرائح الملحنين السودانيين.
سنذكرك دائماً يا صديقي
وساذكرك كلما توقفت في متجر (Seven Eleven)
لأحتسي على نخبك، شرابك الذي كنت تحبه
Hot Cocolate.
تاج السر الملك يوليو 23

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى