المنوعات

في رثاء الموسيقار حافظ عبدالرحمن “ياخي أنا طالبك صلاة صبح “

كتب المخرج: محمد مخاوي

كنت قادما توي لنيالا ولأن الداخليه لم تفتح أبوابها بعد أقمت في منزل ابن عمتنا أحمد شرف الدين في حي الوادي كان صيف نيالا بدأ يرسل بعض نسماته وتأهبت للنوم حين إنبعثت تلك الموسيقى..كانت شيئا يخصني .لا اعرف كيف ولكن فيها شيء لي حسبتها مقدمه لأغنيه نجوم الليل أشهدي لكنها أغلقت ذلك الإحتمال حين صارت حوارا بين مجموعه موسيقيه وصفاره خشبيه .جلست في سريري ثم خرجت بذات الجلابيه التي كنت فيها الي نيالا الأميريه الوسطي بنين وهناك رأيت حافظ عبدالرحمن مختار الموسيقى..كنت اعرف حافظ من زاوية أخري فقد كان حارسا لهلال الأبيض ثم منتخبها ولكنه إنتقل لنيالا لم أك أعرف ذلك الجانب الذي زاد من سحر حافظ عندي فقد حارسا مقتدرا ويمتلك رشاقة رشحته لحراسة نادي الهلال العاصمي لكنه إختار نيالا.وقتها كانت عصريات نيالا ومساءاتها محجوزة لحافظ يقدم سحره في الساحه الشعبيه عصرا ويخلع بدلة الرياضه ويمتع بموسيقاه المدينة ليلاً..سرعان ما عرفته فقد كانت لي محاولات في الغناء وحافظ كان يعزف علي عدد كبير من الآلات وظل يدهشني دائما وحين طلبني العزيز صلاح شكوتي للتمثيل في مسرحيه والله اتغيرت يازمن وجدت كاتبا مسرحيا وشاعرا في ذلك النص كان حافظ منتبها لما أحدثته سنين الجفاف في اخلاق الناس..كتب حافظ أغنيات المسرحية ولحنها وألف موسيقاها وربما تكون تلك بدايات حافظ الموسيقيه فقد كان قبل ذلك يقلد بالفلوت صوت الفنان داخل الأغاني وحين إلتحقت بالمعهد العالي للموسيقي والمسرح كان قد عاد ليستكمل دراسته فيه وقتها كان يسكن في شقة في المهندسين وفي نهاية يوم قال لي سالتني عن الجديد..أركب معي فركبت وذهبنا الي بيته في المهندسين كانت زوجته آمنه رحمة الله عليها إمرأة من الطراز الأول.إحتفت بي وظللنا نتسامر ثم نمنا وفي وقت الصبح تسلل إلي سمعي صوت تال ما ان استوعبته شعر جلدي استفاق كالمسامير..تتبعته إلي الصاله فاذا حافظ يصلي..كنت فرغت من صلاتي فكبرت وصليت معه لحسن حظي كانت تلك الركعه الأولي..لا أذكر اني سمعت صوتا يتلو القرآن مثل حافظ كان يسكب في النفس شيئا غريبا..مسا سماويا ومنذها وأنا أصطاد الصلاة خلف حافظ وحين يطول الوقت أذهب إليه في قسم الموسيقى وأصيح فيه ياخي أنا طالبك صلاة صبح فيضحك ويقول لي نلتقي في إتحاد الفنانين أذهب إليه ونخرج الي بيته..أسمع جديده وأصلي معه..صار ذاك اللقاء عادة حتي بعد التخرج وزواجي..ربما أكون محظوظا في رفقته فقد شهدت ميلاد معظم اعماله وشهدت مجده حين أقام حفلا موسيقيا هو الأول في قاعة الصداقه حفلا إمتلأت القاعة فيه وإنتهت التذاكر قبل صلاة المغرب وقتها جاءني مجموعة من الشباب يطلبون التذاكر وحين قالت لهم عفاف النجومي أن التذاكر إنتهت جلسوا على الأرض يستحلفوننا أن ندعهم يدخلون تعذرنا بالعدد الكامل.سلمونا بطاقاتهم وإنهم يتعهدون بالجلوس على الأرض وقتها تبعهم آخرون وكاد العدد يكمل المائه جلوسا أمام المسرح. بدأ الحفل وكان حافظ متوترا لكنه حين صعد عزف هو وفرقته كما لم يفعل..كانت القاعه صامته إلا من انفاس سرعان ماتنفجر بنهاية المقطوعه وتتحول لصراخ وجد..وقتها خرج الجميع بقناعةإنه جاء وقت أن تقدم حفلا موسيقيا صرفا كان حافظ رائدا في ذلك وإن انسي لا أنسي شهادة صديقي كمال يوسف حين طلبت شهادته مره عن حافظ قال لي ياخي ده سودن الفلوت.نفس سوداني جاء من حجب الغيب ثم سافر حول العالم وأظن أن الدنيا خارج السودان بدات تحتفي بموسيقي له طعم خاص وحافظ رجل لاتفارقه الابتسامة ولا الملح ولا الطرائف وفي تواضع غريب .. خاصة حينما نلتقي قبل ان تعمر دار اتحاد الفنانين فيجلس هو وأميقو وخليل اسماعيل كانوا من الوناسين العظام ..في ايامه الأخيرة وبعد أن لعب المرض بذاكرته ذهبت إليه وسلمت وجلست قلت له هل عرفتني حدق في وجهي ونكس راسه ثم قال إسمك مابتذكرو لكنك قريب من قلبي ..لم أنتظر الشاي الذي ذهبت تحضره زوجته خرجت أبكي .بكيت .يا صديقي يا أجمل الأصوات التي صليت خلفها أسأل الله أن يرقي بك إلي جنانك العليا ويجعل البركه في محمد وزرياب وسعاد وأن يعوض السودان فيك..أوقفوا الحرب أريد حزنا خاصا لصديقي ومثله تمشي في جنازته الدنيا السودانيه من الرهيد لي طوكر.رحمة الله تغشي روحك الجميلة ياحافظ

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى