الأعمدة

عثمان ميرغني ..وحكاية هلال بخيت !

بدءا خالص الإعتذار لكل الذين يحملون اسم بخيت ..ولكن ذلك الاسم العزيز ورد في قصة كان يحكيها لنا الاهل ونحن صبية يافعين في سياق المناسبات التي تليق بها كمثل في التباهي بالحذاقة حينما يأتي الواحد منا بعمل يشكر عليه ..ويتملكه الزهو فيفجر قنبلة أخرى لكسب المزيد من الثناء وأجتذاب النظر !
إذ تقول الحكاية أن بخيتا كان يقف مع أهل قريته مساء في أواخر شهر شعبان وهم يتحرون رؤية هلال شهر رمضان المعظم ..فصاح بخيت فجأة أنه رأى الهلال ..وفعلا صدق كلامه بعد أن تأكد الناس من الأمر الذين أشادوا بنظر بخيت و فطنته في التركيز واطنبوا في ذلك باسراف..فتملك بخيت الغرور وما لبث أن التفت مشيرا إلى جهة أخرى من السماء وهو يصيح متقافزا فرحا ..وهاهو هلال اخر قد ظهر في هذه الناحية ؛
ذلك المثل لعله يذكرنا بما يماثله تقريبا من حب الاخ الصديق والصحفي النابه الباشمهندس عثمان ميرغني مع احترامنا له و هو الذي عرف بشغفه الشديد في رسم سيناريوهات الأحداث والتوقعات التي يعتصر فيها ذهنا تحليليا يجعل مخرجاته اقرب الى افلام خيال ( الاكشن ) واحيانا الرومانسية المفرطة في السبك !
بالامس سمعنا له تسجيلا صوتيا وهو يحكي لبعض محاوريه عن أنه جلس إلى السيد محمد حمدان حميدتي هكذا قالها وتحديدا قبل أيام قليلة من اشتعال هذه الحرب وتحدث معه لمدة ثلاث ساعات ..ولكنه لم يذكر شيئا عن فحوى ما يجب أن يعتبره أي صحفي خبطة صحفية وسبق هام مكانه النشر وليس التكتم !
ثم دون أن يخوض في تفاصيل ذلك اللقاء ..وتماما كما فعل بخيت دلف قافزا إلى الحديث عن ما اسماها بالخطة (أ) للقيام بانقلاب يقوم به ليس المجلس المركزي مباشرة ولست ادري اي مركزي يقصد غير الحرية والتغيير .. وانما كما قال أفراد منه عددهم ربما ثلاثة ومعهم ضباط من الجيش وليس بالضرورة ان يكون الجيش نفسه او قياداته ليضيف المزيد من توابل الغموض ومن ثم يسرد موضحا أن يكون للدعم السريع مهمة ( الباك اب ) أو الإسناد الطرفي وليس التنفيذ المباشر وكان الانقلاب كما قال ايضا سيجد تأييدا شعبيا في حالة نجاحه وأنه شخصيا على علم تام بقائمة أعضاء المجلس السيادي و الوزراء المرشحون من قبل منفذي الانقلاب المفترض وكلهم مدنيون صرف !
كان كلام الرجل مبهما بل ويزيد توغلا في الغموض كلما باغته محاوروه لاستنطاقه بالمزيد من التفاصيل ..ولكنه كان يتزاوغ بدعوى أن المسألة باتت في مصاف الفعل الجنائي الذي يستوجب المساءلة ولكن حينما يأتي الوقت المناسب ولعله يقصد حلول موعد تحري هلال رمضان القادم كما فعل اخونا بخيت !
فمن ياترى هولاء الاعضاء الثلاثة أو الأربعة الذين يملكون سطوة تحريك انقلاب ينال التأييد الشعبي في ظل تجاذب ثوري بين الشارع والعسكر من أجل ترسيخ القيم الثورية التي تفضي إلى ديمقراطية مدنية تنهي دوران تلك الدائرة النارية الشريرة لثقافة الانقلابات إلى الابد .. بينما كل الإمكانات و التحشيد الذي وفره البرهان وحميدتي لانقلاب الخامس عشر من أكتوبر فشلت في تحريك الشارع قيد أنملة رغم أن التيار الإسلامي و الفلول والموزاب قد وظفوا كل طاقاتهم لتأييد ذلك الفعل المسنود من قيادات الجيش و خاصة العسكر الإسلاميون هم أصحاب الحظوة المقربون للجنة الأمنية الحاكمة والمتحكمة في زمام الامور !
إذن من هم اولئك الضباط السحرة أن كانوا على رأس الخدمة أو من المتقاعدين الذين يكونوا طوع بنان ثلاثة أو أربعة من أعضاء المجلس المركزي وينالوا كل ذلك التأييد الشعبي الذي ذكره ميرغني دون أن يفصح عن الجهة التي ينتمون إليها من الفصائل التي يتشكل منها المركزي !
هل هم الشيوعيون ..مستحيل لانهم غادروا المركزي قبل تشكيل حكومة حمدوك الثانية . وليس لهم مجرد موطئ قدم في الجيش !
هل يقصد البعثيين أو القوميين وهم الذين رموا طوبة المجلس بعد التوقيع المبدئى على الإتفاق الإطاري ولا اظنهم في حاجة لتسقط عن ذاكرتهم ماساة فشل انقلاب رمضان الذي أعدم الكيزان قيه ثمانية وعشرين ضابطا منهم دون محاكمة !
ومن اين لهولاء أو اولئك حتى الذراع العسكري الذي يسندهم في المحاولة وكيف لهم أن يلتقوا مع حميدتي في مجرد الفكرة مع تباعد الروى بينهما وماهي نسبة جماهيرهم التي ترضي مثل هذا الفعل الحنائي كما قال عثمان واغلبهم يتبنون صيغة التحرك الجذري الذي يدعو صراحة لإيقاد شعلة الثورة من جديد على قارعة الشارع العريض !اذا لم يتبقى غير حزب الأمة و فصيل الاتحاديين بالمجلس وربما بنى عثمان تخيلاته تلك على خلفية تصريحات الدكتورة مريم المبتسرة في جزئية أنه في حالة عدم نجاح الاتفاق الإطاري فسيكون لهم خيارات أخرى او تصريحات بابكر فيصل التي فهمت مبتورة في ذات المنحى !
إذن لم يتبق إلا جماعة الموتمر الشعبي الذين التحقوا بمركب الإطاري المترنح اخيرا ولم يكونوا أعضاء في المجلس المركزي اصلا وهم الاكثر احتمالا في أن تكون لهم خلايا نائمة داخل الجيش أراد عثمان ميرغني أن يوقظها في توقيت واحد مع جحافل الفتنة التي اشعلت حريق الحرب هذه والتي سماها صديقنا عثمان بالخطة (ب) دون أن يفصل فيها ليضيف المزيد من ذر رماد الغموض
( الفريد هتش كوكي) الإخراجي المثير وكأنه أراد أن تكون أعناق الرأي العام معلقة ناحية هلال بخيت الثاني بعد أن صدق الناس ثبوت هلاله الاول بقناعة تامة واشادوا بنظره الثاقب لغيوم سماء المرحلة الداكنة ..تماما كما ظل الناس يتابعون من سماء القاهرة تحليلات عثمان ميرغني خلال تداعيات هذه الحرب وكانوا يرونها متوازنة ومعقولة فيها ما هو أقرب إلى المنطق المقبول وانا كنت منهم ومعهم في هذا التقييم .
ولكن يبدو أن ذلك الاطراء قد أغرى الاخ عثمان إلى الإشارة ناحية هلال اخر كان بمثابة القنبلة التي جاءت في الزمان الخطأ و المكان الأكثر خطأ !
وما لم يقدم الرجل الأدلة الدامغة لإسناد روايته فقد يخسر الكثير من المتابعين له عبر الفضاء في ظل غياب صحيفته الورقية .. هذا فضلا عن ضرورة وأهمية تحريكه للجانب الجنائي بروايته تلك أن كانت صادقة عندما تستعيد البلاد دولتها العدلية الكاملة الحياد ..هذا ان كان محقا فيما ذكره ويملك ما يعضده وإلا فالهروب عن كل ذلك بالصمت أو المراوغة يصبح تسترا صريحا على فعل أقر به عثمان في صيغة أكثر غموضا ..اما فرضية الشتل الصراح مع تقديرنا للاخ عثمان فنربا تعففا بالنفس عن نعته بصفة الكذاب.
واما محاولة نسجه ذلك السيناريو الخطير لمجرد الإثارة فهي التي تخلق حقيقة المزيد من التساؤلات حول الهدف من إطلاق حديثه من عقال اللسان ولماذا في هذا التوقيت الحساس جدا ولمصلحة من تحديدا ؟؟؟؟!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى