خارطة حل السيادي بين الرفض والتحفظ !
ما فرص نجاح خريطة طريق السيادي لإنهاء حرب السودان؟
قوى سياسية تتحفظ على مضمونها وأخرى تؤيد و”الدعم السريع” ترفضها
لم تمنع المعارك والمواجهات العسكرية العنيفة المحتدمة بالعاصمة السودانية الخرطوم وأحياء وسط مدينة أم درمان القديمة الأوساط السياسية والإعلامية من الانشغال خلال الأيام الماضية بخريطة طريق مقترحة لإنهاء الحرب تمثل موقف الحكومة السودانية، كشف عنها نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي مالك عقار وتشمل ثلاث مراحل، تبدأ بالفصل بين القوات المتقاتلة من الجانبين، ثم التعجيل بإيصال العون الإنساني وضمان سلامة المواطنين، وتلي ذلك عملية سياسية ترتكز على تأسيس الدولة، فما فرص نجاح هذه الخريطة في ظل العدد الكبير المطروح من الوساطات والمبادرات؟ وكيف تفاعلت معها القوى السياسية والمدنية السودانية؟
بين الرفض والتحفظ
وأكد عقار في تعميم صحافي بعد لقائه وفد مبادرة “سودانيات ضد الحرب” الناشطة في مناهضة الحرب نهاية الأسبوع الماضي ضرورة الالتفاف حول القوات المسلحة كمؤسسة وطنية، “وأن موقف الحياد لن يخدم أجندة السودان ووقف الحرب”، مبيناً أن العملية السياسية المقبلة ترتكز علي تأسيس الدولة وليس اقتسام السلطة، وحذر التعميم من خطورة تعدد المنابر وإضراره بجهود السلام عبر إسهامه بإطالة أمد الحرب، مؤكداً سعي الحكومة إلى توحيد المبادرات المطروحة، ومعتبراً هذه المبادرة بمثابة جهد ضد الحرب يعبر عن رغبة وعزم معظم نساء السودان في إيقاف هذه الحرب، مؤكداً اتفاقه التام مع أهداف المبادرة ودعمه لها في سبيل تحقيق أهدافها.
وأعلنت قوات “الدعم السريع” في المقابل على لسان مستشارها علي الطاهر الشريف رفضها الخريطة المقترحة، وقال الشريف “على رغم ترحيبهم المعلن بأية مبادرة توقف الحرب وتحقن دماء السودانيين، لكنهم يرفضون خريطة الطريق الحكومية التي أعلنها عقار”، وهاجم الشريف، في حديث تناقلته وسائل إعلام محلية، نائب رئيس مجلس السيادة، واعتبره جزءاً من الأزمة الراهنة، ومشككاً في الوقت ذاته بشرعية مالك عقار في منصبه الحالي.
خطوة ولكن!
من جانبها اعتبرت “حركة تجمع قوى تحرير السودان” الموقعة على اتفاق “سلام جوبا” برئاسة الطاهر حجر عضو مجلس السيادة أن خريطة الطريق التي طرحها عقار خطوة في الاتجاه الصحيح وتتوافق مع رؤية الحركة الثابتة بأن مبدأ الحوار هو الحل الأمثل والوحيد لحل مشكلات البلاد، وأوضح فتحي عثمان المتحدث باسم الحركة أن وقف إطلاق النار الدائم يعتبر من أولويات المرحلة الراهنة، وأيضاً إيصال المساعدات الإنسانية للمتضررين في الخرطوم والولايات الأخرى المتأثرة بالحرب، تلي ذلك ترتيبات عسكرية لإخراج قوات “الدعم السريع” من منازل المواطنين والتوجه إلى معسكراتها السابقة أو أخرى جديدة يتفق حولها الأطراف تمهيداً لإجراءات دمجها في القوات المسلحة، بعد ذلك يمكن أن تنطلق مرحلة الحوار السياسي الشامل بضم كل قوى الثورة والشخصيات الوطنية والأحزاب السياسية، عدا المؤتمر الوطني المنحل.
ما موقف العسكريين؟
وتابع عثمان “نختلف مع نائب رئيس مجلس السيادة بخصوص دعوته إلى مشاركة جميع القوى السياسية، من دون استثناء المؤتمر الوطني المنحل وأعوانه، في العملية السياسية كمرحلة أخيرة في الخريطة الحكومية المقترحة، وكذلك في الجزئية التي تمنح الجيش أدواراً سياسية في المرحلة المقبلة، ونرى ضرورة خروج كل الأجهزة العسكرية والأمنية من المشهد السياسي نهائياً والتفرغ لواجباتها الوطنية والدستورية المعلومة، مع التأكيد على الدمج وتأسيس جيش وطني واحد”، ورهن عثمان فرص نجاح خريطة الطريق المقترحة بمدى تمثيلها رؤية المؤسسة العسكرية وقيادتها، لأن ذلك ما يوفر لها فرص النجاح ويتيح لها التقدم خطوتين إلى الأمام، أما إذا كانت مجرد اجتهادات ورؤى من نائب رئيس مجلس السيادة فإن ذلك من شأنه أن يقود إلى فشلها، لأن هناك قيادات مؤثرة في القيادة العامة ما زالت لا تؤمن بالحل التفاوضي وترى أن الحسم العسكري هو الحل الوحيد والأمثل، ما يعرقل الوصول إلى أي حل تفاوضي.
من جانبه اعتبر مبارك الفاضل المهدي رئيس “حزب الأمة” أن الخريطة المقترحة إنما تعبر عن رأي مالك عقار الشخصي، لأن الموقف العسكري الرسمي هو اشتراط خروج المتمردين من مساكن وأحياء المواطنين والمستشفيات والمرافق العامة لوقف العداءات، كما أنه وبحكم قانون “الدعم السريع” فهو خاضع لقانون القوات المسلحة، وبالتالي فإن الحل الوحيد المتاح هو التسليم في مقابل العفو.
لسنا طرفاً
على صعيد متصل رأى تحالف “قوى إعلان الحرية والتغيير”، أنه غير معني بخريطة الطريق الحكومية المقترحة أو تفسيرها كونه ليس طرفاً فيها ولم تصل إليه ولم يطلع عليها، وبالتالي فهي لا تهمه كثيراً في الوقت الراهن، وأشار طارق عبدالرحمن القيادي بـ”الحرية والتغيير” إلى أن تركيز قوى “الحرية والتغيير” وكل القوى السياسية والمدنية في هذه المرحلة ينصب على ضرورة إنجاح مفاوضات منبر جدة ووقف القتال لإنهاء الحرب بالدرجة الأولى، وانتهاء باستئناف العملية السياسية وفق الاتفاق الإطاري الذي تم التوقيع عليه العام الماضي، الذي نرى أنه عالج الأزمة السياسية بشكل تفصيلي وحدد شكل العلاقة بين المنظومة السياسية والأجهزة العسكرية والأمنية بطريقة واضحة ودقيقة، فضلاً عن طبيعة علاقة الأخيرة بالسلطة المدنية التي يفترض أن تقود الأجهزة التنفيذية خلال الفترة الانتقالية.
وتابع عبدالرحمن “لذلك نحن حريصون على أن تكون نهاية هذا الصراع عبر إنجاح منبر جدة في وقف إطلاق النار، ثم استئناف العملية السياسية وتشكيل سلطة تنفيذية بقيادة مدنية سياسية مهنية، وقصر دور الأجهزة العسكرية والأمنية في دورها الطبيعي وفق الدستور والقانون”.
الأرضية المشتركة
في السياق رأى المحلل السياسي عبيد حمدين أن خريطة الطريق المعلنة ليست بعيدة في محتواها من مخرجات قمة القاهرة لدول الجوار، وبيان وزراء خارجية دول الجوار بالعاصمة التشادية نجامينا آخر هذا الأسبوع، كآلية وزارية لمتابعة مخرجات قمة القادة التي سبقتها، وقال إن هناك تحديات كبيرة أمام الخريطة، قد تضعف من فرص نجاحها بخاصة في ظل غياب أرضية توافقية سياسية مشتركة حولها، ولا سيما مدى القبول الذي ستحظى به من جانب الأطراف الأخرى بما فيها “الدعم السريع” والقوى السياسية، على رغم أن جميعها تتحدث من حيث المبدأ عن ضرورة إيجاد طريق يقود إلى إنهاء الحرب، ولفت إلى أن ثمة ضبابية حول طبيعة وأطراف العملية السياسية التي أشارت اليها خريطة الطريق، فضلاً عن أنه ينقصها كثير من التفاصيل والتوضيحات والاستفهامات حول مفهوم وطبيعة وآليات الفصل بين القوات التي أشارت إليها كمرحلة أولى تسبق العملية السياسية، وأشار حمدين إلى أن الخطوط العريضة للخريطة لا تنفصل كثيراً عما تسرب من اختراقات تمت في مفاوضات منبر جدة، أشار إليها الجيش في بيانه في الـ27 من يوليو (تموز)، على صفحته على “فيسبوك” تتعلق بإحراز تقدم باتجاه الوصول إلى تفاهمات نحو وقف العدائيات، قبل أن يعلن تعثر المفاوضات وينسحب وفده بسبب ما وصفه بتعنت “الدعم السريع” بشأن الوفاء بالتزاماته السابقة بالخروج من المنازل والأعيان المدنية.
خطة وزراء الجوار
وكانت “الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال” (الجبهة الثورية) التي يترأسها مالك عقار، رحبت بالبيان الختامي لقمة القاهرة لدول جوار السودان، وحضت قادة الدول على مواصلة دعم وقف الحرب لصالح السودان والمنطقة برمتها، وقالت في بيان “يمكننا البناء على مقترحات القمة لتسهيل فتح مفاوضات تتمتع بصدقية وتقودنا لتطوير المواقف والاتفاق على وقف إطلاق نار دائم وترتيبات جديدة للأزمة الإنسانية والسياسية والأمنية بما من شأنه تحقيق السلام للسودان والمحيط الإقليمي”.
وأكد اجتماع وزراء خارجية دول جوار السودان في بيانه الختامي وضع خطة عمل ترفع إلى القادة تتضمن ثلاثة محاور، هي “تحقيق وقف إطلاق نار نهائي، وتنظيم حوار شامل بين الأطراف السودانية وإدارة القضايا الإنسانية”، وشدد الاجتماع الذي انعقد بالعاصمة التشادية أول من أمس الإثنين على أهمية الاتصالات المباشرة والمستمرة مع أطراف النزاع من أجل تحديد محددات وقف دائم لإطلاق النار، لافتاً إلى أن لجنة وزراء الخارجية وضعت خطة عمل ستحال إلى رؤساء الدول والحكومات، وأكد الاجتماع أيضاً أهمية التكامل والتنسيق الفعال بين مبادرات الاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية “إيغاد” والدول المجاورة للسودان، كما رحب بخطة الاستجابة الإنسانية التي أعدتها الأمم المتحدة مطالبين المانحين بالتعجيل بدعم الخطة، ومع ضرورة إنشاء مستودعات إنسانية في دول الجوار لضمان سرعة نقل إمدادات الإغاثة والرعاية الطبية.
دعوات وتواصل
ودعا الوزراء أيضاً أطراف النزاع في السودان إلى تسهيل تقديم المساعدة إلى السكان وفقاً للقانون الدولي الإنساني، ووضع حد لتدمير أرواح الأبرياء والبنى التحتية والسماح بتشغيل المؤسسات الصحية وغيرها من الخدمات الأساسية ولا سيما المياه والطعام والكهرباء والبنوك وغيرها.
شارك في الاجتماع الأول بعد قمة قادة دول الجوار في الـ13 من يوليو بالقاهرة وزراء وممثلون لدول مصر وأفريقيا الوسطى وتشاد وجنوب السودان وليبيا وإثيوبيا، إلى جانب ممثلين عن الاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية، واتفق وزراء خارجية دول الجوار على عقد اجتماع آخر لهم على هامش أعمال الدورة العادية المقبلة للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في سبتمبر (أيلول) المقبل.
ومنذ اندلاع الحرب بين الجيش وقوات “الدعم السريع” منتصف أبريل (نيسان) الماضي، فشلت كل الجهود الدبلوماسية والمبادرات والوساطات الإقليمية والدولية وجهود واتصالات القوى السياسية المحلية، وطرحت وساطات ومبادرات عدة لإنهاء القتال في السودان، أبرزها منبر جدة بتسهيل ووساطة السعودية والولايات المتحدة، ومبادرتي الاتحاد الأفريقي ومنظمة “إيغاد” التي رفضها الجيش “كونها تجاهلت الحكومة ولم تتم مشاورتها”، بينما تحفظ على رئاسة الرئيس الكيني للجنة الرباعية لمبادرة “إيغاد” من جنوب السودان، ثم مؤتمر قادة دول جوار السودان الذي استضافته العاصمة المصرية القاهرة في الـ13 من يوليو الماضي.