الأقتصاد

تقري جريد إندبندنت البريطانية: افريقيا سلة غذاء العالم “المنسية”

ستأثر القارة الأفريقية بإمكانات طبيعية كبيرة وقدرات زراعية هائلة من حيث التربة والموارد المائية تؤهلها لأن تكون سلة الغذاء العالمي بامتياز، فالقارة السمراء التي أنصفتها الجغرافيا بالتربة الغنية والأراضي البكر التي لم تستزرع بعد ومصادر مياهها المتجددة وأمطارها الغزيرة، لم ينصفها التاريخ، إذ واجهت وما زالت تحديات كبيرة اقتصادية واجتماعية علاوة على عدم الاستقرار السياسي.

وأمام ما يواجهه العالم اليوم من تحديات وصراعات ظاهرة وخفية حول الغذاء بات السؤال الآن، هل تقدم أفريقيا حلاً بديلاً لأزمة غذائية عالمية بدأت تلوح ملامحها في الأفق وتنذر بتجويع مئات الملايين من البشر في مختلف قارات العالم، بسبب الحرب الروسية الأوكرانية؟

ثروات طبيعية وزراعية

يقول الأكاديمي المتخصص في التنمية والتصرف بالموارد بكلية العلوم في تونس، حسن الرحيلي، إن “أفريقيا تستحوذ على 10 في المئة من المياه العذبة في العالم، وهي القارة الأولى من حيث مساحة الأراضي الزراعية، إذ يبلغ حجم الأراضي الصالحة للزراعة 60 في المئة من إجمالي الأراضي حول العالم، ولها موارد متجددة ومساحات كبيرة من الغابات والبحيرات”.

ويمثل نهر الكونغو وحده 30 في المئة من المياه في القارة الأفريقية، وتعد بحيرة “فيكتوريا” ثاني أكبر بحيرة في القارة السمراء، بينما يشق النيل القارة من تنزانيا إلى البحر الأبيض المتوسط.

ويكفي استغلال 80 مليون هكتار من هذه الأراضي في جمهورية الكونغو الديمقراطية لوحدها لإطعام ملياري شخص حول العالم بينما تعاني الشعوب الأفريقية الجوع القاتل.

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويضيف الرحيلي أن “القارة السمراء مؤهلة لأن تصل سنة 2050 إلى 2.5 مليار نسمة، وهي ثاني أكبر قارة من حيث الموارد البشرية، إذ تتميز ديموغرافياً باتساع قاعدة الفئة الناشطة من الشباب (أقل من 35 سنة) التي تمثل 65 في المئة من سكانها”.

وإضافة إلى مواردها الطبيعية الزراعية، تتميز القارة الأفريقية بثروات طبيعية كبيرة من النفط والمعادن، إذ “تملك 12 في المئة من احتياطي النفط عالمياً، وثمانية في المئة من احتياطي الغاز الطبيعي، وهي أكثر القارات ثراء بالمعادن إذ تملك 90 في المئة من أهم المعادن المستعملة في التكنولوجيات الحديثة كالكروم، والبلاتينيوم، والليتيوم”.

وفي مقابل هذه الثروات تعد شعوب القارة السمراء من أفقر شعوب العالم، إذ يفتك الفقر بـ30 في المئة من سكانها، بسبب

فشل السياسات المتبعة من قبل حكوماتها، وسيطرة الدول الاستعمارية التي تتحكم إلى اليوم في ثرواتها.

مطامع العالم

يتوقع المتخصصون في الموارد الطبيعية أن تصبح أفريقيا محط أنظار العالم، وموقعاً للصراعات بين القوى الكبرى بعد أن تستنزف القارات القديمة كل مواردها، وهو ما يترجم الحضور الروسي والصيني والأوروبي والهندي والأميركي على أراضيها.

وتستثمر الصين إلى اليوم في استزراع نحو 1.5 مليون هكتار من الأراضي الزراعية في الكاميرون وموزنبيق وأوغندا وتنزانيا، بينما تستثمر الهند مليوناً و600 ألف هكتار، واليابان 900 ألف هكتار في أفريقيا.

هناك سردية متداولة تقول إن القارة الأفريقية فقيرة، بينما حقيقة الأرقام تكذب ذلك، وتعكس مفارقة في هذه القارة التي لم ينصفها حكامها وظلت تعاني التبعية لأوروبا وأسالت لعاب القوى الجديدة، دون أن تتأسس في المنطقة لبنات دولة وطنية تؤمن بالسيادة على الثروة الوطنية وتعمل على استثمارها لفائدة شعوبها.

ضعف الاستثمار الزراعي

يستبعد المتخصص الدولي في البيئة والتنمية المستدامة عادل الهنتاتي، أن “تنهض أفريقيا لوحدها وتستثمر في إمكاناتها الطبيعية الكبيرة مبرراً ذلك بأن الأطماع الدولية وحضور قوى عدة على أراضيها ستحول دون استثمار إمكاناتها لفائدة شعوبها”.

وقال الهنتاتي في حديثه لـ”اندبندنت عربية”، إن “ما تحتاجه القارة السمراء هو الاستثمار المربح في قطاع الزراعة، فمردودية اليد العاملة الأفريقية ضعيفة جداً مقارنة بالإمكانات الهائلة المتوفرة في باطن الأرض”، لافتاً إلى أن “العالم تطور بشكل كبير في أدوات استغلال الثروات الطبيعية إلا أن القطاع الزراعي في القارة ما زال بدائياً”.

وأشار إلى أن “الزراعة في أوكرانيا وروسيا تدر كميات كبيرة من الحبوب، بينما في أفريقيا التي تملك أراضي خصبة لا توفر إلا النزر القليل من المحاصيل بسبب الاستثمار الضعيف في هذا القطاع”.

يضيف أن “الخلافات السياسية والصراعات بين المجموعات المسلحة وعدم استقرار الحكومات أدى إلى عدم الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، على غرار السودان الذي يحظى بإمكانات كبيرة من الأراضي الخصبة القادرة على إطعام سكان العالم العربي بينما يواجه حرباً أهلية ومجاعة وتهديدات بمزيد التقسيم”.

لم تمنح الدول الغربية التي كانت تستعمر دولاً أفريقية القدرة على أن تقرر مصيرها، بل عملت على استنزاف ثرواتها ونهب خيراتها، بينما تزداد شعوبها فقراً مستعينة في ذلك بنخب سياسية لم تنضج لديها قيم الوطنية والسيادة والأمن الغذائي، لذلك ظلت دولاً تابعة غير قادرة على استنهاض قدراتها واستثمار إمكاناتها، ما جعلها تسيل لعاب القوى الجديدة الطامعة في مزيد نهب مواردها، وهو ما سيجعلها ساحة صراع حول مناطق النفوذ، ما سيعمق من أزماتها المتعددة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى