الأخبار

حرب الخرطوم بين الاستنزاف والحسم !

حرب الخرطوم تدخل مرحلة جديدة… استنزاف أم حسم؟
المعارك الأخيرة في مناطق أم درمان كان لها دلالات كبيرة ومراقبون يرجحون كفة الجيش

دخلت حرب الخرطوم هذه الأيام مرحلة جديدة من القتال العنيف بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في مدن العاصمة الثلاث الخرطوم وأم درمان وبحري، مما يشير إلى الإصرار على الحسم العسكري بعيداً من الحلول السلمية التي تقوم بها أطراف دولية وإقليمية عدة.

حرب تدور منذ منتصف أبريل (نيسان) الماضي وأدت إلى مقتل أكثر من ألف مواطن مدني وتشريد ونزوح أكثر من أربعة ملايين داخل البلاد وخارجها، لكن ما التطورات على الأرض والاستراتيجية التي يتبعها الطرفان في القتال؟ وهل تغيرت مواقع السيطرة؟ وما إمكانية حسم هذه الحرب عسكرياً؟

مرحلة سحق

يقول المتخصص في الشؤون العسكرية اللواء بدر الدين حسن عبدالحكم إن “هناك تغييراً في استراتيجية الجيش السوداني خلال المرحلة الحالية بخلاف بداية الحرب التي اعتمد فيها على (الصمود والتصدي)، حينها شعر بفارق العدد والتسليح لدى قوات الدعم السريع التي بلغ عددها في العاصمة عندما انطلقت الحرب 120 ألفاً بينهم أربعة آلاف تدربوا على العمل الخاص بواسطة قوات (فاغنر) الروسية كقناصة، وما بين ستة وثمانية آلاف متحرك مجهز بكامل العتاد”.

وأضاف “قوات الدعم السريع اعتمدت في بداية الحرب على كثافة النيران من داخل المتحركات، وهو عمل عصابات، في المقابل كان عدد قوات الجيش بكامل وحداته مع بداية الحرب في حدود 18 ألفاً بالعاصمة”.

وتابع عبدالحكم “اختار الجيش السوداني في هذه الفترة عدداً من المواقع العسكرية كالمدرعات والقيادة العامة وسلاح الإشارة ووادي سيدنا وسلاح المهندسين كوحدات يجب الدفاع عنها، وبالفعل وضع كل وسائل الدفاع حولها، بتوزيع الأسلحة الثقيلة (الدبابات) على كل هذه الوحدات، إضافة إلى بعض الجسور والكباري التي تربط مدن العاصمة الثلاث”.

وواصل “اعتمدت استراتيجية الجيش على الصمود لأطول فترة ممكنة داخل الوحدات العسكرية، في المقابل اتجهت قوات الدعم السريع إلى الهجوم بإطلاق نيران كبيرة ومكثفة في وقت واحد من رباعيات وثلاثيات وصواريخ تجاه القيادة العامة، لكنها فشلت في السيطرة عليها لأنها وجدت صموداً كبيراً وهائلاً من جانب قوات الجيش المتمركزة فيها”.

وزاد “بعد شهرين من اندلاع الحرب بدأ الجيش المرحلة الثانية من استراتيجيته بتطوير عملياته بمشاركة القوات الخاصة وهيئة العمليات والاستخبارات، وذلك بعد أن دمر الطيران الحربي والمدفعية أرتالاً من المركبات العسكرية لقوات الدعم السريع”.

ومضى في حديثه “كما شارك في هذه العمليات حشد كبير جداً من القوات التي جاءت من الولايات المختلفة، بعد أن جرى تدريبها على فنون القتال بأشكاله المتعددة بواسطة كفاءات سودانية خالصة، من خلال ضربات قوية ومركزة ليلاً ونهاراً أحدثت خسائر كبيرة في صفوف الدعم السريع، فضلاً عن تحطيم مراكز القيادة والتحكم والتنصت الخاصة بها، وقتل عدد من قياداتها الميدانية ومجموعة من قناصيها المنتشرين في منطقة وسط العاصمة”

ولفت إلى أن ما يحدث الآن من اشتباكات عنيفة في محاور عدة من مدن العاصمة الثلاث يمثل المرحلة الأخيرة من القتال من خلال الهجوم النوعي الذي يقوده الجيش على مواقع تمركز قوات الدعم السريع التي فقدت الإمداد من الخارج والداخل، إضافة إلى ضرب معظم ارتكازاتها في الخرطوم.

وبين عبدالحكم أن العمليات البرية خلال الفترة المقبلة ستتواصل بصورة نوعية لأنها مرحلة سحق ونهاية لهذه المعارك بعد أن قلت الضربات الجوية، متوقعاً أن يتحقق النصر لصالح الجيش قبل نهاية أغسطس (آب) الجاري وعودة المواطنين إلى منازلهم بعد تأمين الأحياء السكنية، فحالياً أصبحت مدينة أم درمان محررة بنسبة 80 في المئة.

تصحيح وضع

في سياق متصل، قال عضو تجمع قدامى المحاربين السودانيين اللواء معتصم العجب “معلوم أن حرب المدن تعد من أسوأ أنواع حرب العصابات، لأنها تتطلب تدريباً عالياً لقوات خاصة على استخدام أنواع مختلفة من الأسلحة وطرق قيادة متنوعة ووسائل اتصال متقدمة وتكتيكات مختلفة في عمليات القتال من ناحية متى يكون الاشتباك والتراجع وطرق التخفي والانسحاب والدفاع والهجوم”.

وتابع “المعارك العنيفة التي دارت هذه الأيام بين الجيش وقوات الدعم السريع بخاصة في مناطق أم درمان كانت لها دلائل ومؤشرات كبيرة لأسباب النجاح والفشل لكلا الجانبين، فقد حدثت خسائر كبيرة نتيجة الوقوع في كمائن وظهر ذلك في دعوات الاستغاثة للجرحى في المستشفيات وعمليات الدفن الجماعي للقتلى في الطرقات المختلفة”.

وبين العجب أن “ازدياد هذه المعارك مربوط بمفاوضات جدة التي ترعاها كل من السعودية والولايات المتحدة للوصول إلى حل سلمي لهذه الحرب، فالجيش السوداني يريد تحسين وتصحيح وضعه على الأرض، بينما اكتفى الدعم السريع بالمناطق التي يتمركز فيها، وواضح أن حرب المدن تأخذ وقتاً طويلاً جداً، ومثال على ذلك ما يجري في الحرب الروسية – الأوكرانية، وتكون الخسائر كبيرة في القوة البشرية والبنى التحتية والمساكن الخاصة، لكن من الصعوبة أن تحسم عسكرياً”.

وذكر أنه لا بد من التفاوض السلمي لإنهاء هذا الصراع، لأنها حرب كر وفر لن يكون فيها منتصر، بيد أن المفاوضين في انتظار أن يصل طرفا القتال إلى مرحلة الإنهاك والضعف حتى يسهل التفاوض بينهما.

وزاد عضو تجمع قدامى المحاربين السودانيين “في تقديري أن الجيش لم يكن جاهزاً لهذه المعركة على عكس قوات الدعم السريع التي حصلت على تدريبات نوعية بواسطة مدربين روس على حرب العصابات واستخدام الأسلحة بأنواعها المختلفة، علاوة على المضادات، وسيطرتها على خطوط الإمداد من ذخائر وتسليح ووقود وتعيينات غذائية ومعيشية للأفراد باعتبارها تحكم قبضتها على الجسور والكباري الرئيسة التي تتيح لها الحركة بين المدن الثلاث”.

استنزاف وإنهاك

من جانبه رأى المتخصص في العلوم السياسية عبده مختار أنه “مع الأسف ما زال طرفا النزاع (الجيش والدعم السريع) في عمليات استنزاف وإنهاك متبادلة، مما يجعل نهاية المعركة ربما تأخذ أياماً أخرى، فهذه الحرب باتت تعتمد على الكر والفر وإن كان الجيش بدأ في التحرك هجومياً بكثافة خلال اليومين الماضيين”.

وقال مختار “أصبحت الغلبة على الأرض تميل لصالح الجيش السوداني في ضوء المعارك المستمرة، لكن الوقت ليس في صالح المدنيين حتى الآن”.

وأردف مختار “المشكلة الكبيرة حالياً هي في الجانب الإنساني، إذ بدأت بعض السلع الغذائية تنفد من المحال التجارية الصغيرة داخل الأحياء والمتوفر منها ارتفعت أسعاره بصورة مبالغة، كما أن هطول الأمطار زاد سوء الوضع الصحي مع تحلل الجثث وخروج معظم المستشفيات من الخدمة، علاوة على الأزمة المستفحلة في الكوادر الطبية”.

ومضى المتخصص في العلوم السياسية قائلاً “ينصب أمل السودانيين في منبر جدة التفاوضي بين طرفي القتال للخروج بنتائج عاجلة وحاسمة تنهي معاناتهم الكبيرة، سواء من هم داخل مدن العاصمة الثلاث أو أولئك الذين نزحوا إلى المدن والقرى القريبة ودول الجوار المختلفة”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى