مذكرات الراحل المقيم الرشيد الطاهر جسدت مشهد السودان المرير الآن
مدخل : الرشيد الطاهر بكر أحد العلامات السياسية الوطنية التي يشهد لها بالأمانة والكفاءة وأحد مؤسسي حركة الاخوان المسلمين الاوائل في السودان وقد تقلد العديد من المناصب في عهد مايو وعمل الرشيد أول الأمر سفيرا للسودان في ليبيا سنة 1972 ثم عين رئيسا لمجلس الشعب الثاني سنة 1974. وعينه نميري في أيلول (سبتمبر) 1976 نائبا له ورئيسا للوزراء بتفويض واسع
ننشر جزء من مذكراته الغنية في هذا الجانب :-
بسم الله الرحمن الرحيم
أقلب فى أوراقى المبعثرة، استوقفتنى مذكرات الأستاذ الرشيد الطاهر بكر فى جزء من مذكراته اسماها: (إلى إبني محمد) ومحمد أكبر أبنائه.
الرشيد قارئ ومطلع لكتب الفكرة كان يأتي بها الأخ العزيز جمعة حسن لمكتبة إسكندر حسب طلب الرشيد لتكملة مجموعته من الكتب. اعتكف بمنزله لأيام عند التنفيذ. تمت مقابلته مرات من الأخوان. كان انطباعهم انه مستمع جيد يصغى بانتباه وحضور . لو لم تخني الذاكرة تيم احمد دالي ومحمد على مالك. أشعر بمفردات كلماته مستوحاة من كتب الفكرة. رحمة الله وأجزل له العطاء بقدر تقديره للفكرة. طالبا له منكم المعية، فالمرء مع من أحب.
كانت المذكرات تنشر فى جريدة “الأيام”، ولكن تدخل بعض أصدقائه ورجوه بوقف نشرها في الصحف السيارة.
رسالة إلى إبنى محمد
(قد ترى فى هذا الزمن العضوض أمامك ومن حولك كثيراً مما تنكر، وقد ترى تطاول الأشرار، وتوارى الأخيار.. فلا تعجب!! وقد ترى انتعاش الباطل وضمور الحق.. فلا تفجع، وقد ترى ابتعاد القريب وتجهم البعيد.. فلا تحزن، وقد ترى الساحة كلها وقد ازدحمت جنباتها بمواكب الأدعياء والمنافقين والمفترين والهمازين واللمازين والمشائين بين الناس بنميم.. فلا تيأس. وأعلم أنها سُنَّة الحياة، والأحياء.. والصراع بين الحق والباطل، وبين الخير والشر قديم قدم الحياة.. وسيظل يدور سجالاً ما ظلت رحى الحياة تدور، وقد يكسب الباطل جولة هنا وهناك، وهو كسب مؤقت وانتصار محدود، فسرعان ما تتبدل الأحوال ويستقيم الميزان فيرجح كفة الحق وتكون العاقبة للمتقين. إن الحياة ماضية إلى غاياتها، فلتكن مع الحق تتمسك به وتصبر على مكارهه وعلى مضض الجراح مهما طال الطريق وكَلَّ الرفيق .. لنردد مع إبن الزبير:-
وللحق أهل يعرفون بهديهم *
اذا اجتمع عند الخطوب المجامع
ولتكن مع الله، فمن في معية الله حفظه، ومن توكل عليه كفاه، ومن خافه أمنه، ومن شكره زاده، ومن طاعه أكرمه.
أصحيح ما يقال ان أكثر الذين يترددون على أهل السلطة ليسوا أصدقاء الإنسان؟؟ يقبلون حين تقبل السلطة، ويدبرون حين تدبر؟؟ يبدو أن ذلك صحيح لحد كبير.. بكل أسف.. قد غاب عنا كثيرون كنا نحسبهم من الأخيار.. لقد انفض السامر، وتبدل الحال، وتفرقت السبل، وكأن لم يكن بين الحجون منها الصفا، ولم يسمر بمكة سامر، وسبحان مغير الأحوال.
فضل ١٢ أغسطس ٢٠٢٣.