الأخبار

تفاقم الأوضاع الحياتية وسكان الخرطوم على حافة المجاعة

سكان الخرطوم بالكاد يأكلون وجبة واحدة في اليوم: نكافح بالموجود
هناك ندرة في غاز الطهي ولجأ كثيرون إلى الحطب والفحم لتدبير الغذاء للأطفال وكبار السن ولا تزال غالبية المتاجر مغلقة وحركة البيع متوقفة

تتعدد أوجه المعاناة الإنسانية التي خلفتها حرب الخرطوم لتتخذ أبعاداً فاقمت الحالة الصعبة لسكان العاصمة في ظل الحصار المفروض عليهم منذ أربعة أشهر، وبات المواطن هو المتحمل الوحيد لكل هذا الألم الذي استنزف أمواله ومدخراته التي لم يبق منها شيء.

أزمات عدة

وتشهد الخرطوم منذ فترة طويلة شحاً كبيراً في السلع الغذائية خصوصاً الدقيق والأرز والسكر والعدس وغيرها، وأدى توقف الإنتاج علاوة على الحرائق والتدمير التي تعرضت لها المصانع والمطاحن إلى جانب عمليات النهب والسلب إلى تزايد الفجوة وانحدار الوضع الغذائي نحو الكارثة.

المواطن عبد الحميد التوم، أحد الموجودين داخل العاصمة في منطقة الشجرة، قال إنهم يواجهون ظروفاً إنسانية في غاية الصعوبة ويتناولون وجبة واحدة في اليوم هي في الغالب من الفول، “ويصعب الحصول عليها كل يوم بسبب إغلاق المحال التجارية ونفاد المواد الغذائية من الأسواق إلى جانب قطوعات الكهرباء والمياه”، مضيفاً أن “الوضع المعيشي ينحدر إلى الأسوأ، وتتزايد بشكل مطرد ندرة السلع الاستهلاكية في ظل انعدام السيولة النقدية لغالبية السكان”.

ويضيف التوم “منذ محاصرة المسلحين المنطقة ونحن نواجه مصيرنا لوحدنا من دون توفير الحماية الكافية وفتح ممرات آمنة لإنقاذ حياة المدنيين، وقد منع التجار من الدخول وتعرضوا لمضايقات بصورة متكررة، علاوة على الشلل التام لحركة التبادل التجاري وقطع الإمداد بين سوق اللفة والشجرة”.

ولفت المتحدث إلى أن “أسعار المواد الغذائية ارتفعت إلى أكثر من 300 في المئة، والمبالغ التي بحوزتنا لا تكفي لأسبوع واحد، كما أن قطوعات الكهرباء قد تستمر 14 ساعة في اليوم كذلك المياه”.

تفاقم الأوضاع

في أم درمان لا تختلف المعاناة كثيراً، بل تزيد جراء تجدد تصعيد المعارك العنيفة التي شهدتها ثاني أكبر مدينة في البلاد، عقب عمليات عسكرية شنها الجيش السوداني على “قوات الدعم السريع”. واضطر سكان أحياء أم درمان القديمة للنزوح إلى أطراف المدينة في ضاحية الثورات والجرافة ومدينة النيل. وفي مشهد تعاضدي، فتح كثيرون منازلهم للآتين من مناطق الاشتباكات المسلحة وقدموا كل المستلزمات اللازمة لاستقرارهم، بينما تفاقمت أوضاع المواطنين الذين اختاروا البقاء في أحياء ودنوباوي وأبوروف وبيت المال والدومة والكبجاب وغيرها، وتسبب القتال في مأساة إنسانية بعد أن ساءت الأوضاع المعيشية والصحية.

أحد المواطنين في منطقة أبو كدوك ويدعى فاروق النور، قال “نعيش رعباً لا يمكن تصوره، لا سيما بعد تصاعد المعارك الحربية في مدينة أم درمان القديمة، ولا نستطيع التحرك بحرية داخل الأحياء السكنية، ويعاني المرضى الأمرين للوصول إلى المستشفيات خشية التعرض لإطلاق النار، هذا بخلاف الأزمة المعيشية، إذ ما زلنا نكافح بالموجود وبتنا نعيش على أقل من الحد الأدنى في ظل نفاد المواد الغذائية، نعتمد في وجباتنا على سلطة الطماطم والكسرة المصنوعة من دقيق الذرة”.

وأضاف النور أن “هناك ندرة في غاز الطهي، ولجأ كثيرون إلى الحطب والفحم لتدبير الوجبات للأطفال وكبار السن، ولا تزال غالبية المتاجر مغلقة وحركة البيع متوقفة، ما أسهم في ندرة سلع عدة تحتاجها الأسر”.

وتساءل عن وعود المعونات وجسور الإغاثة التي وصلت إلى ميناء بورتسودان ولم يصلهم منها شيء حتى الآن، ومتى يتم توزيعها؟”، لافتاً إلى أن “ملف المساعدات الإنسانية فيه غموض وليس هناك مبررات منطقية لعدم الإجابة عن أسئلة المواطن بشأن تكدس الإغاثة والأدوية في ولاية البحر الأحمر وعدم توزيعها وقت الحاجة”.

كارثة صحية

في غضون ذلك، تتزايد المخاوف من انهيار الأوضاع الصحية في السودان بشكل كامل مع اقتراب المواجهات المسلحة بين الجيش وقوات “الدعم السريع” من شهرها الرابع، وتلقى القطاع الصحي ضربات موجعة بسبب الحرب، خرجت على إثر ذلك 70 في المئة من مستشفيات العاصمة الخرطوم من الخدمة بحسب نقابة الأطباء، وإزاء هذا الوضع الكارثي، حذرت منظمة “أطباء بلا حدود” من توقف دعمها المستشفيات ولوحت بمغادرة البلاد الأسبوع المقبل بسبب أزمة التأشيرات.

وقالت كلير نيكوليه المسؤولة عن عمليات الإغاثة في المنظمة “إن تأشيرات عديد من مقدمي الخدمة الصحية في الخرطوم أوشكت على الانتهاء، مما يعني أنه ينبغي عليهم مغادرة البلاد”، وتابعت “لدينا فريق جاهز للسفر ليحل محل هؤلاء، لكنه لم يفعل بسبب عدم توفر التأشيرات”.

اعتبر المواطن أبوبكر الزاكي، أن “عرقلة أعمال المنظمات الإنسانية وتوقف أنشطتها يهددان حياة الآلاف، فكلفة الأدوية مرتفعة، وغالبية الناس بالكاد يجدون ما يأكلون، فهم محاصرون داخل منازلهم من دون أن يكون لديهم عمل أو مصدر دخل”، لافتاً إلى أن “كثيراً من الأسر لا تستطيع تأمين الرعاية الصحية خصوصاً أصحاب الأمراض المزمنة، الذين يحتاجون لعلاج مستمر منهم مرضى غسيل الكلى”.

ونبه الزاكي إلى أن “أزمة الدواء تفاقمت بصورة غير مسبوقة، ومعظم الصيدليات تعاني من ندرة في أدوية السكري والضغط، وحتى الأنسولين المتوفر لا يمكن تخزينه بسبب انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة، وبات من الصعب التنبؤ بمصير المرضى في ظل المعاناة الحالية”.

في المقابل، اعتبر المتخصص في أمراض الأوبئة خالد آدم، أن إمكان خروج منظمة “أطباء بلا حدود” من السودان لأسباب بيروقراطية، “انتهاكاً إنسانياً وفشلاً دبلوماسياً”، وأعرب عن قلقه من التبعات، لافتاً إلى أن “الأزمة الصحية في طريقها إلى التفاقم خصوصاً مع تزايد معدلات الأمطار والفيضانات في أقاليم عدة، وما تجلبه معها من أوبئة مثل الملاريا والكوليرا وغيرهما”.

وناشد الطبيب السوداني طرفي الصراع وضع السلاح جانباً واللجوء إلى الحلول السلمية وتجنيب البلاد خطر الانقسام والدمار.

تحت دوي الرصاص والقصف المدفعي والجوي يكافح كثيرون لتوفير متطلبات الحياة اليومية، وهم يواجهون نقصاً حاداً في السلع الاستهلاكية والخدمات الأساسية من كهرباء وماء، وبدء نفاد المواد الغذائية، فضلاً عن تدهور الأوضاع الصحية نظراً لعدم توفر الخدمات في غالبية المستشفيات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى