االصراع في السودان بين الاقتتال الداخلي والعوامل الخارجية
نشر المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ورقة (تقدير موقف) بشأن الحرب في السودان، عنوَنها: “الأزمة السودانية: الوضع الميداني، العامل الخارجي ومستقبل الصراع”.
وبشأن الوضع الميداني في السودان، بعد دخول الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع شهرها الخامس، تقول ورقة المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات إن المعارك تتركز حاليًا في مدن العاصمة الثلاث: الخرطوم، وأم درمان، والخرطوم بحري، مع هجمات متقطعة على مدن الأبيض وأم روابة في كردفان. وتدور في العاصمة حرب مدن يستخدم فيها الجيش الطيران لقصف مواقع الدعم السريع، بما في ذلك بعض المرافق العامة التي استولت عليها، مع عمليات تمشيط لأحياء في مدينتي أم درمان والخرطوم. أما الدعم السريع، فتستخدم المرافق العامة، خاصة المستشفيات ومنازل المواطنين، ملاذات من هجمات سلاح الطيران والمدفعية التابعة للجيش – طبقًا للورقة.
بحسب الورقة، تُعد الإمارات أبرز الأطراف الإقليمية المتدخلة في السودان، مع ارتباطها بـ”علاقات وثيقة” مع الدعم السريع التي توظف جزءًا منها في حرب اليمن
وبحسب الورقة، بات انتشار قوات الدعم السريع في مدن العاصمة الثلاث يشكّل عبئًا عليها، بسبب صعوبة تأمين خطوط الإمداد، وتوفير الوقود والذخيرة.
وفي دارفور، تقول الورقة إن الطرفان يقتسمان حاليًا السيطرة على مدن الفاشر ونيالا والجنينة وزالنجي، عدا مدينة الجنينة التي سيطرت عليها قوات الدعم السريع مع مليشيا محلية متحالفة معها.
وتلفت الورقة إلى أن هدف قوات الدعم السريع، الرئيس، في بداية القتال، كان حسم الصراع سريعًا ضد الجيش واستلام السلطة، من خلال سعيها للسيطرة على القصر الجمهوري، ومباني الإذاعة والتلفزيون، ومطار الخرطوم، ومطار مروي، ومرافق حكومية أخرى، بالإضافة إلى مقر القيادة العامة للقوات المسلحة السودانية.
وبعد مرور أربعة أشهر من القتال واتضاح صعوبة استيلاء الدعم السريع على السلطة –وفقًا لورقة المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات– أصبح هدف الدعم السريع هو الحفاظ على مكتسباتها وتحسين وضعها التفاوضي، من خلال استخدام قدرتها على الحركة السريعة في شن هجمات متزامنة على مرافق عسكرية، في محاولة لاستنزاف القوات المسلحة وتشتيت جهودها، فضلًا عن احتلال بيوت المواطنين والمستشفيات والمرافق الحكومية، مثل محطات المياه والكهرباء ومصفاة البترول. وتزامن مع هذه التكتيكات الجديدة نهبٌ وحرقٌ لممتلكات عامة وخاصة، وارتكاب لانتهاكات جسيمة ضد المدنيين، بما في ذلك الاغتصاب والتهجير القسري. وقد جعل احتلالُ بيوت المواطنين ونهبها والتحصن فيها مواجهةَ قوات الدعم السريع داخل العاصمة “أمرًا صعبًا” – بوصف الورقة.
لوحظ انخفاضٌ في فعالية الهجمات التي تشنها الدعم السريع في الفترة الأخيرة –بحسب الورقة– مقارنةً بالهجمات التي كانت تشنها في أسابيع الحرب الأولى؛ إذ تكتفي حاليًا بشنّ هجمات باستخدام المسيرات أو القصف الصاروخي ضد مواقع القوات المسلحة. وتسعى قوات الدعم السريع إلى الإبقاء على خطوط إمدادها من خارج السودان مفتوحة، خاصةً من ليبيا وأفريقيا الوسطى وأوغندا. وتلفت الورقة إلى ما نقلته وسائل إعلام أمريكية، استنادًا إلى مصادر ميدانية وتحليلات لصور أقمار اصطناعية، بشأن إرسال اللواء المتقاعد خليفة حفتر ومجموعة فاغنر الروسية المنتشرة في ليبيا وفي أفريقيا الوسطى إمدادات أسلحة إلى قوات الدعم السريع. وتشير تقارير أخرى –بحسب الورقة– إلى وجود مسار إمداد ثانٍ عبر أفريقيا الوسطى إلى دارفور، ولا سيما مع سيطرة الدعم السريع على معبر أم دافوق بين السودان وأفريقيا الوسطى، وهو ما يؤكد أهمية العامل الخارجي في الصراع الدائر حاليًا في السودان – طبقًا للورقة.
التأثير الخارجي
تشير ورقة المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بشأن الأزمة السودانية إلى تفاوت التفاعل الخارجي مع الحرب في السودان، الإقليمي خاصة، بين محاولة وقف القتال ومنع انتشار الفوضى عبر الحدود، وصولًا إلى الدعم السياسي والدعم العسكري غير المعلن لأحد أطراف الأزمة.
وبحسب الورقة، تُعد الإمارات أبرز الأطراف الإقليمية المتدخلة في السودان، وتشير إلى ارتباطها بـ”علاقات وثيقة” مع الدعم السريع التي توظف جزءًا منها في حرب اليمن. وتضيف: “للإمارات مصالح متنوعة في السودان، بما في ذلك اهتمامها بمناجم الذهب، وبناء ميناء أبو عمامة على ساحل البحر الأحمر لتوطيد سيطرتها على موانئ المنطقة الممتدة من القرن الأفريقي إلى البحر الأحمر”.
وتشير الورقة إلى أن الحكومة السودانية اتهمت دولًا أجنبية بمساندة الدعم السريع، ومع أنها لم تذكر الإمارات صراحة، ولكن القوات المسلحة السودانية وجدت أسلحة عسكرية إماراتية في حوزة قوات الدعم السريع عندما استولت على بعض معسكراتها – طبقًا للورقة. وأشارت الورقة أيضًا إلى ما ذكره موقع “غرجون” (Gerjon) لرصد حركة الطيران بشأن رحلات طائرات من الإمارات عبر مدينة عنتبي في أوغندا إلى أفريقيا الوسطى وتشاد بلغت، في الفترة 16 أيار/مايو – 30 حزيران/يونيو 2023، نحو (28) رحلة، وصلت في ذروتها إلى أربع رحلات يوميًا. وهو ما يشير –حسب الورقة– إلى تزويد الإمارات الدعم السريع بعتاد عسكري عبر مجموعة فاغنر الروسية في أفريقيا الوسطى. ولفتت الورقة كذلك إلى ما كشفته مصادر أمريكية نقلًا عن مسؤولين أوغنديين بشأن العثور على صناديق ذخيرة وبنادق هجومية قادمة من الإمارات، كانت مدرجة في بيان الطائرة على أنها مواد غذائية وإمدادات طبية مرسلة إلى السودان.
تقول الورقة: “ثمة مصالح إماراتية اقتصادية وجيوسياسية وأخرى متعلقة بالنفوذ داخل السودان عن طريق الدعم السريع من ناحية، وتلتقي الإمارات مع ادعاءات تنظيمات سياسية محلية وقوات الدعم السريع في وجود قوى إسلامية داخل القوات المسلحة من ناحية أخرى، وكانت هذه القوى سببًا لرفْض الاتفاق الإطاري وبدْء الحرب”. ولكن الورقة تشدد على أنه ليس في وسع أيٍّ من هذه القوى إنكار ثلاثة معطيات أساسية، هي أن النظام القديم (الإسلامي) هو الذي أتى بمحمد حمدان دقلو (حميدتي)، واعتمد عليه، وعزز قواته عدةً وعددًا، والثاني أن حميدتي أراد الوصول إلى السلطة، وكان مستعدًا في سبيل ذلك لأنْ يظهر متحالفًا مع قوى مدنية، والثالث أن قواته ترتكب جرائم ضد المدنيين السودانيين بلغت من الفظاعة أنْ نفَّرت الشعب السوداني، بما في ذلك الأغلبية المتضررة من النظام السابق والمناهضة له، منه ومن قواته – وفقًا للورقة.
وتوضح الورقة اختلاف رؤيتي المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بشأن مسارات التعامل مع الأزمة في السودان، ففي حين تؤيد الإمارات الدعم السريع، تُعد السعودية أقرب في مواقفها من الموقف المصري “غير الفاعل”، ولكنه موقف منحاز عمومًا إلى الجيش – بحسب الورقة. وتشير الورقة كذلك إلى تباين رؤى الدولتين أيضًا حيال الوضع شرقي السودان، من خلال تأثير ما يدور فيه في الأمن الوطني السعودي، ومن باب المنافسة الاقتصادية، فبينما تهدف الإمارات إلى بناء ميناء “أبو عمامة” على ساحل البحر الأحمر، تعمل السعودية على أن يكون البحر الأحمر مركزًا لنشاطها الاقتصادي وفقًا لرؤية 2030.
وتعرج الورقة على “الدور المهم” الذي اضطلعت به السعودية في العملية السياسية أثناء الفترة الانتقالية، على نحو أحادي أو في إطار الرباعية إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا والإمارات، وعلى دورها بعد الحرب باستضافة الطرفين المتحاربين في منبر جدة ورعاية المحادثات بينهما مع الولاية المتحدة الأمريكية.
وعن الدور المصري في الأزمة السودانية، تقول ورقة المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات إن الدور المصري “بات هامشيًا على نحو واضح” مع أن مصر تُعد الأكثر قربًا من السودان بحكم التاريخ والجغرافيا، لافتةً إلى استبعادها من عضوية “الرباعية” ومن أيّ دور في مفاوضات جدة. وتشير الورقة إلى ما تحظى به مصر من “علاقة قوية” مع الفريق عبدالفتاح البرهان والقوات المسلحة السودانية منذ انتفاضة كانون الأول/ديسمبر 2018، مشيرةً إلى المناورات العسكرية المشتركة العديدة التي نظمها البلدان، أبرزها مناورات “نسور النيل” التي كانت تُدار من قاعدة مروي الجوية شمالي السودان.
وتذكر الورقة أن الدور المصري برز جليًا في اللقاء الذي نظّم في القاهرة بعنوان “الحوار السوداني”، في شباط/فبراير 2023، وشاركت فيه قوى سياسية مختلفة، فيما قاطعه المجلس المركزي للحرية والتغيير. وتعزّز الدور المصري –بحسب الورقة– من خلال الاجتماع الذي نظمته القاهرة على مستوى القمة لدول جوار السودان في تموز/يوليو الماضي، ورفض فيه المجتمعون التدخّل الخارجي في السودان، وأكدوا أن ما يجري فيه شأن داخلي لا ينبغي تأجيجه من الخارج. ومن ناحية أخرى، عقد فصيل المجلس المركزي للحرية والتغيير اجتماعًا في القاهرة، في 24-25 تموز/يوليو 2023؛ وعُدّ الاجتماع وصلًا لما انقطع بين المجلس والسلطات المصرية بعد مقاطعة الفصيل للحوار السوداني الذي عقد في القاهرة في شباط/فبراير 2023.
أما بخصوص الجارة تشاد، فتشير الورقة إلى إمكانية تغير الموقف التشادي من الأزمة السودانية، بعد أن أعلنت في الأيام الأولى للقتال عن إغلاق حدودها مع السودان لمنع انتقال الحرب إليها، ولمنع وصول إمدادات للدعم السريع عبر أراضيها. وتربط الورقة إمكانية تغير الموقف بزيارة الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي إلى الإمارات في 13 حزيران/يونيو 2023، وتقديم الإمارات قرضًا يبلغ مليارًا ونصف مليار دولار إلى تشاد، بالإضافة إلى معدات عسكرية، وفتح مكتب لتنسيق المساعدات الخارجية في منطقة أم جرس على الحدود السودانية – التشادية.
ووصلًا بالأدوار الإقليمية، تشير الورقة إلى تشكيل الهيئة الحكومية للتنمية (إيقاد) لجنة رباعية لمناقشة الأوضاع في السودان برئاسة الرئيس الكيني وليام روتو، لافتةً إلى مقاطعة الوفد السوداني لاجتماعات اللجنة، إذ تتهم الحكومة السودانية رئيس اللجنة روتو بإنشاء علاقات وطيدة مع قائد قوات الدعم السريع حميدتي. وقد زار روتو، عندما كان نائبًا للرئيس، السودان زيارةً سرّية في شباط/فبراير 2020، ومن ذلك زيارته إلى مواقع لإنتاج الذهب، ما يشير إلى ارتباطاته الاقتصادية بقوات الدعم السريع التي تسيطر على مواقع إنتاج الذهب في السودان – بحسب الورقة. وفي اجتماع اللجنة الرباعية، في 10 تموز/يوليو 2023، قررت أن تطلب من قمة “القوة الاحتياطية لشرق أفريقيا” الانعقاد للنظر في إمكانية نشر القوة الاحتياطية في السودان، وذلك لحماية المدنيين، وضمان وصول المساعدات الإنسانية. وفي مؤتمر صحافي عقب اجتماع الرباعية، شكّك كل من الرئيس الكيني روتو، ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، شككا في شرعية القيادة السودانية. فقد صرّح روتو بوجود حاجة إلى تشكيل قيادة سودانية جديدة، فيما قال أحمد إن هناك فراغًا في قيادة الدولة السودانية، وطالب بفرض حظرٍ جوي، وبسحب المدفعية الثقيلة. ورفضت الحكومة السودانية هذه التصريحات، ما جعل دور الهيئة الحكومية للتنمية، في حل الأزمة السودانية، “محدودًا” – بحسب الورقة.
أما عن المواقف الغربية –ولا سيما الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا– من الأزمة السودانية، تقول ورقة المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات إنها جاءت مركّزة على وقف الحرب، والعمل من خلال منبر جدة للتفاوض الذي كانت تديره الولايات المتحدة الأمريكية مع السعودية، ومن خلال الضغط على المنظمات الإقليمية –مثل الهيئة الحكومية للتنمية، والاتحاد الأفريقي– من أجل وقف الحرب، وفرض عقوبات على شركات من الطرفين.
أما روسيا، فقد أعلنت أنها مع مؤسسات الحكم الشرعي بعد زيارة نائب رئيس مجلس السيادة مالك عقار لها – وفقًا للورقة.
سيناريوهات الصراع وآفاقه
تقول ورقة المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بشأن الأزمة السودانية إن اتجاه سير المعارك يشير إلى أن القوات المسلحة باتت “في موقع أقوى”. وترى الورقة أن المواجهة بين الجيش والدعم السريع قد تتطور وفق أحد سيناريوهين، الأول هو سيناريو الحرب الطويلة ويقتضي استمرار المعارك حتى دحر قوات الدعم السريع نهائيًا في مدن العاصمة الخرطوم، ومدن دارفور الكبرى. ويدعم هذا السيناريو مجموعة من ضباط القوات المسلحة، تشاركهم في ذلك بعض القوى السياسية التي ترى في وجود الدعم السريع، مهما ضعُف، تهديدًا مباشرًا للجيش والدولة السودانية – بحسب الورقة. وتلفت إلى أن “تكلفة هذا السيناريو الاقتصادية والاجتماعية والسياسية كبيرة ويصعب تحملها في ظل الظروف الحالية”.
والسيناريو الثاني –بحسب الورقة– هو سيناريو الحل السياسي، ويتمثّل في التوصّل، من خلال الضغوط الخارجية على قيادة الجيش، إلى حل يضمن وجودًا سياسيًا وعسكريًا ما لقوات الدعم السريع، إلى جانب الجيش أو باعتبارها جزءًا منه. ولكن الورقة تقول إن تحقيق هذا السيناريو يواجه تحديات، أهمها –بحسب الورقة– رفض عدد من قادة الجيش لهذا الحل، ووجود تيار شعبي رافض لمكافأة الدعم السريع، بعد أن تورط أفرادها في جرائم قتل واغتصاب ونهب لمنازل المواطنين وممتلكاتهم.
الورقة: يعتمد خروج السودان من أزمته الراهنة موحدًا، واستعادة الدولة شرعيتها وسيادتها، على رفض وجود أي قوة منظمة أخرى توازي قوتها أو تنافسها
وفقًا للورقة، يعتمد خروج السودان من أزمته الراهنة موحدًا، واستعادة الدولة شرعيتها وسيادتها، على رفض وجود أي قوة منظمة أخرى توازي قوتها أو تنافسها (مليشيا، أو فصيل مسلح مدعوم من الخارج). وتلفت الورقة إلى تبلور إجماع بين قوى سودانية وإقليمية ودولية وازنة على هذا المبدأ، وعلى ضرورة نقل السلطة إلى مؤسسات مدنية متفق عليها ثم منتخبة ديمقراطيًا. وتضيف: “من دون ذلك، سيكون أي حل يجري التوصل إليه حلًّا مؤقتًا قابلًا للانهيار في أيّ لحظة تتغير فيها موازين القوى”