تقارير

الموت يغيب خازن أسرار الرئيس علي عبدالله صالح

حالت المنية دون أن يتمكن مدير دائرة التوجيه المعنوي ورئيس تحرير صحيفة “26 سبتمبر” الناطقة باسم الجيش اليمني سابقاً اللواء علي حسن الشاطر من كتابة افتتاحيته الأخيرة كما اعتاد منذ عقود طويلة، وفضّل صندوق الرئيس الراحل علي عبدالله صالح الأسود أن يتوارى صامتاً وهو المعروف بصوته المجلجل وتعامله المنفعل عند كل موقف يرتبط بحليفه الأوحد الذي التصق به منذ صعوده المثير على رأس السلطة الملتهبة عام 1978 بدعم خليط قبلي وديني حينها لا يزال يثير آراء الناس حتى اليوم.

جرت مياه كثيرة في “باب النهرين” قبل أن يغيب المساعد الأبرز لصاحب أطول فترة حكم في تاريخ البلاد عن الأنظار التي لطالما شغلها من دون أن يروي آخر حكايات السقوط المرير لأشرعة “ربان السفينة” وكيف تهاوت كسيرة أمام الرياح الحوثية في فجر ديسمبر (كانون الأول) القارس 2017 بعدما ظل شاهداً مباشراً من على متن ما خاضته، مؤثْراً الصمت هذه المرة بخلاف ما عرف عنه كصوت النظام الأعلى لـ”الزعيم” باعتباره رئيس تحرير كبرى صحفه العسكرية، فكان صمته الأبدي بعد أيام من خضوعه لعملية جراحية في أحد مستشفيات العاصمة الأردنية عمان، اليوم الخميس.

مؤشر الجيش

ارتبط ذكر “الفندم” الشاطر، كما كان رجاله في الجندية يحبذون مناداته، بمنصب مدير دائرة التوجيه المعنوي للجيش اليمني التي كرست إمكاناتها الضخمة ومؤسساتها الإعلامية ومطابعها الحديثة لإبراز صورة “صانع الوحدة والمنجزات” وإعلائها في الواجهات العامة والمكاتب الرسمية منذ توليه الحكم، وعرف عنه اهتمامه الشديد بكل شاردة وواردة تصدر عن دائرته التي تتخذ مساحة جغرافية واسعة من حي التحرير وسط صنعاء مقراً لها.

كما عرف الشاطر بإشرافه المباشر على بث العقيدة القتالية في نفوس الجيش اليمني قبل أن تتلاشى في غمار الانقلاب الحوثي وإخفاقها في اختبارها التاريخي أمام “قيم الجمهورية والديمقراطية”، فيما اتهمت بالتفريط في “الثوابت الوطنية” أمام فرق الموت الحوثية.

غمار الموت

وعلى رغم هذا الارتباط الدائم إلا أن الشاطر نجا من الموت في حين لقيه رؤساؤه، ولكن أشد لحظة كتبت له عمراً إضافياً، تلك التي حدثت قبيل لحظات معدودة من مغادرة مكتب الرئيس أحمد الغشمي الذي اغتيل في مكتبه بواسطة “حقيبة دبلوماسية” مفخخة نقلها مبعوث خاص من الشطر الجنوبي في الـ 24 من يونيو (حزيران) 1978 بعد أن وصل إلى صنعاء صباح يوم الاغتيال على متن طائرة خاصة وكان الرائد (حينها) الشاطر في استقباله بمطار صنعاء، وعندما وصل الرسول إلى مكتب الغشمي طلب الأخير من الشاطر الانتظار في المكتب المجاور لأنه يحبذ الانفراد بالمبعوث بناءً على اتفاقه مع الرئيس سالم ربيع علي الذي أخبره هاتفياً بأن مبعوثه سيبحث معه أمراً مهماً ولا يفضل أن يطلع عليه أحد، وعقب مغادرته سارع المبعوث بفتح الحقيبة التي تفجرت وقتلت الاثنين معاً، ونجا الشاطر بأعجوبة.

الاقدار لم تشهد له مع صديقه

علي عبدالله صالح، أداء صلاة الجمعة في مسجد دار الرئاسة الذي كان ممتلئاً بالقنابل المتفجرة في واحدة من أكبر عمليات الاغتيال التي تعرض لها الرئيس الأسبق في الثالث من يونيو 2011 ونجا منها خلال الأزمة السياسية التي شهدها اليمن في العام نفسه عقب اندلاع مواجهات عنيفة في العاصمة صنعاء بين القوات الحكومية الموالية للرئيس صالح ومسلحين قبليين يتبعون أبناء الشيخ الأحمر في منطقة “الحصبة” يساندهم اللواء علي محسن صالح الأحمر قائد الفرقة الأولى مدرعات.

وظهر اسم الشاطر بشكل واسع في وسائل الإعلام الحكومية إثر نشر تسجيل صوتي جرى تسريبه في الـ 10 من أكتوبر (تشرين الأول) 2006 على وقع الانتخابات الرئاسية حينها، وهو يتحدث خلال اتصال هاتفي إلى الزعيم القبلي المعارض والقيادي في حزب الإصلاح الإخواني وعضو مجلس النواب ورجل الأعمال حميد الأحمر، وتضمن تهديداً صريحاً باستخدام الرصاص والتصفية، نتيجة نشر صحيفة “26 سبتمبر” في العدد 1291 الصادر بتاريخ الخامس من أكتوبر 2006 قصيدة بعنوان “ناكر المعروف” وتضمنت نقداً لآل الأحمر.

رفيق درب

ولا يكاد يذكر الرئيس الأطول حكماً في تاريخ اليمن، إلا ومعه علي الشاطر المولود في مناخة غرب صنعاء، وشغل منصبه قبل صالح وبالتحديد منذ عهد الرئيس إبراهيم الحمدي، إذ تشير الكتب والمراجع التي تؤرخ لأحداث الحركة الوطنية اليمنية ارتباطه الوثيق والتاريخي بـ”الزعيم” في أدق المواقف، إلى الحد الذي لا يكاد شخص يتطرق إلى التقائه بصالح، إلا والشاطر ثالثهما أو المنسق الوسيط لهما.

ولهذا، سارع السفير السابق أحمد علي عبدالله صالح، النجل الأكبر للرئيس الراحل، لنعي وفاة رفيق درب والده العميد الشاطر وعبّر “عن الخسارة الكبيرة المتمثلة في رحيل الفقيد الذي عمل بكل وفاء وإخلاص من خلال عمله كمدير لدائرة التوجيه المعنوي ورئيس تحرير صحيفة 26 سبتمبر”.

إغلاق الرحلة

ومع سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء، توارى كحال معظم رجالات صالح، وعند محاولة محاورته آثر الرفض القطعي، وحتى والميليشيات المدعومة من إيران تطالب في ديسمبر 2022، عبر المحكمة العسكرية المركزية، بإحالته إلى النيابة للتحقيق معه بتهمة وجهتها إلى النظام السابق في شأن تدمير منظومة بطاريات الصواريخ الخاصة بالدفاع الجوي، فضّل أن يرحل من دون أن ينشر مذكراته التي كان من الممكن أن تشكل إضافة استثنائية لمكتبة التاريخ بقلم ضابط رفيع ارتبط بالأحداث اليمنية المعاصرة وكان شاهداً على تقلباتها وتحدياتها.

ليس هذا فحسب، بل رفض الشاطر حتى الأحاديث الصحافية والكشف عن سردية صعود “الرئيس الصالح” وطريقته في إدارة البلاد وصولاً إلى احتجاجات 2011 التي أطاحت نظامه، وانقلاب ميليشيات الحوثي ودور صديقه في تسليم مقدرات الجيش والدولة إليها ثم دخول البلد في أتون حرب ضروس لا يعلم لمداها منتهى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى