فتح القرار الأميركي بفرض عقوبات ضد نائب قائد قوات الدعم السريع السودانية عبد الرحيم دقلو باب التكهنات أمام تسليط مزيد من العقوبات ضد “الدعم السريع”، التي تتقاتل مع الجيش السوداني منذ إبريل/ نيسان الماضي، ما قد يغير فصول المواجهات المسلحة، لا سيما إذا وصلت العقوبات إلى قادة الجيش أيضاً.
وكانت وزارة الخزانة الأميركية قد أعلنت، نهاية الأسبوع الماضي، فرض عقوبات على دقلو، وهو الشقيق الأكبر لقائد “الدعم السريع” محمد حمدان دقلو “حميدتي”.
وبررت الوزارة الأميركية قرارها بكون قوات الدعم السريع “كيان شارك أعضاؤه في أعمال عنف وانتهاكات لحقوق الإنسان، بما في ذلك مذبحة المدنيين، والقتل العرقي، واستخدام العنف الجنسي، وذلك خلال الحرب الدائرة حاليا في البلاد، خصوصا في المعارك التي دارت في إقليم دارفور، وتحديدا مدينة الجنينة بولاية غرب دارفور”.
وهددت الولايات المتحدة بفرض مزيد من العقوبات ضد أولئك الذين يرتكبون انتهاكات لحقوق الإنسان ويزعزعون استقرار المنطقة، وذلك وفق التزام الولايات المتحدة بتعزيز مساءلة مرتكبي العنف الجنسي في النزاعات.
وتعددت الاتهامات الأميركية لقوات الدعم السريع التي بسببها عوقب دقلو، مثل استهداف النساء أو الأطفال أو أي مدنيين آخرين من خلال ارتكاب أعمال العنف، بما في ذلك القتل أو التشويه أو التعذيب أو الاغتصاب أو غيره من أشكال العنف الجنسي، أو الاختطاف، أو التهجير القسري، أو الهجمات على المدارس أو المستشفيات أو المواقع الدينية أو الأماكن التي يوجد فيها المدنيون.
ومنذ 15 إبريل/ نيسان الماضي، يخوض الجيش السوداني وقوات الدعم السريع معارك ضارية تتمركز في الخرطوم ومحيطها وعدد آخر من المدن والبلدات. وأكدت وزارة الخزانة الأميركية، في بيان، أنه سيجرى حظر جميع الممتلكات والمصالح الخاصة بعبد الرحيم دقلو الموجودة في الولايات المتحدة، أو في حوزة أو سيطرة أشخاص أميركيين.
تزامن وتنديد
وتزامن الإجراء الأميركي مع مرسومين أصدرهما رئيس مجلس السيادة السوداني وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان، يقضي الأول بحل قوات الدعم السريع، والثاني بإلغاء القانون الخاص بإنشائها.
ووجد القرار الأميركي استنكارا شديد اللهجة لدى قوات الدعم السريع التي أصدرت بيانا، ذكرت فيه أن القرار الأميركي مؤسف وصادم ومجحف وسياسي محض، واتُّخذ من دون تحقيق دقيق وشفاف حول الطرف المتسبب في اندلاع الحرب ابتداءً، وما صاحبها من انتهاكات ارتكبت من أطراف مختلفة خلال فترة الحرب الجارية في الخرطوم ومدن أخرى من السودان.
وأضاف الدعم السريع أن القرار لن يساعد في تحقيق واحد من الأهداف الجوهرية التي ينبغي التركيز عليها، وهو التوصل إلى حل سياسي شامل وإجراء عملية عدالة انتقالية شاملة تؤدي إلى إنصاف الضحايا وصناعة وبناء السلام المستدام.
واستنكرت الدعم السريع ما وصفته بـ”تجاهل انتقائي للقرار للانتهاكات الفظيعة التي يرتكبها الجيش السوداني وكتائب النظام البائد الإرهابية على نطاق واسع بالقصف الجوي والمدفعي واعتقال المدنيين المناهضين للحرب في مختلف أنحاء السودان، وتجويع وتعذيب المعتقلين، وخرق حظر الطيران في دارفور بالقصف الجوي المستمر على السكان”.
وأكدت أن القرار الأميركي يصعِّب كذلك عملية تحقيق السلام الشامل في السودان لأن الولايات المتحدة الأميركية تلعب دور الوسيط، في إشارة إلى محادثات جدة التي تعثرت عدة مرات.
قرارات سياسية
تعليقاً على ذلك، قال عضو المجلس المركزي لتحالف قوى إعلان الحرية والتغيير ماهر أبو الجوخ إن “قرار حل الدعم السريع لا جديد فيه، إذ سبق إصدار قرار بالحل ومطالبة منتسبي الجيش وبقية القوات النظامية بإنهاء انتدابهم في الدعم السريع”.
وأوضح في حديث لـ”العربي الجديد” أن “قرارات البرهان تأخذ طابعا سياسيا، لأن القوات الموجودة على الأرض التابعة للدعم السريع تقاتل منذ صدور قرار حلها ثاني أيام الحرب، ولا تزال لشهرها الخامس تواصل القتال”.
واعتبر أن “قرار البرهان وجد زخما مصطنعا لتزامن إعلانه الجديد مع العقوبات الأميركية تجاه القائد الثاني للدعم السريع، ما يعطي مؤشر على حدوث توجه دولي مناصر لأي من طرفي الحرب”، قبل أن يستدرك بالقول: “ولكن هذه الفرضية ستنهار في اللحظة التي تشمل دائرة العقوبات قيادات من الجيش، وهو أمر متوقع لأن منهجية العقوبات الأميركية تجاه طرفي الحرب ظلت منذ بداية الإجراءات المرتبطة بها تقوم على مبدأ التساوي في العقوبات بين الطرفين”.
وأضاف أبو الجوخ أن “قرارات البرهان من جهة أخرى تهدف لتقليل حدة التناقضات داخل صفوف أنصار البرهان والجيش، وتحديدا عناصر حزب المؤتمر الوطني المحلول، لتطمينهم بأن خيار الحرب والمواجهة هو المستمر”.
وتوقع “استخدام القرار لإعاقة مفاوضات جدة لبعض الوقت بإثارة الجدل حول عدم وجود مسمى دعم سريع أو كيان قانوني”.
ومضى قائلا: “لكن منبر جدة التفاوضي نفسه تأسس على مبدأ الاعتراف بين الأطراف المتحاربة، وأسس أي مفاوضات أن تعترف بالآخر سواء كان متمردا أو انقلابيا أو مختطفا لمؤسسات السلطة، تلك أوصاف سياسية لكن حدود سريانها يرتبط بطرفيها، أما غيرهما من الأطراف الأخرى فتنظر للمعطيات على الأرض وطرق الحل الذي تقوم قاعدته الأساسية على الاعتراف بوجود طرفين يستوجب حل النزاع بينهما”.
ونبه إلى أن “العقوبات الأميركية انتقلت من المؤسسات والكيانات المالية والاقتصادية المرتبطة بالطرفين إلى القادة الفعليين، وهي رسالة واضحة بأن خطر العقوبات في طريقه لاستهداف قادة الطرفين، وأن تلك العقوبات سيكون لديها تأثير سياسي مستقبلي قد يمثل تقويضا لأي طموح سياسي مستقبلي لمن تشملهم العقوبات، والتي لن ينتهي أثرها إلا بإلغائها مع عدم استبعاد الأثر القانوني، لكون هذه العقوبات ترتبط باتهامات جرائم وتجاوزات تتصل بالحرب”.
لا تمس الدولة
من جانبه، قال السفير السوداني السابق علي الصادق المقلي إنها “المرة الأولى التي تفرض فيها الولايات المتحدة الأميركية عقوبات على مسؤول في طرفي القتال، وهي عقوبات اقتصادية وتجارية ومالية يفرضها مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية، وتطاول المسؤولين ولا تمس الدولة”.
وأشار في تصريح لـ”العربي الجديد” إلى أن “الخطوة تندرج ضمن سياسة العصا والجزرة، التي ظلت تمارسها الإدارة الأميركية منذ انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر/ تشرين الأول 2021 (انقلاب البرهان على الحكومة المدنية)، كما تتخذ ضمن ما يعرف بقانون دعم التحول الديمقراطي والمحاسبة والشفافية المالية لعام 2020 الصادر بالإجماع عن الكونغرس الأميركي، والذي نص في بعض مواده على عقوبات تطاول الدولة في حالة عرقلة مسار التحول الديمقراطي في السودان من قبل النظام”.
وأوضح المقلي أن “واشنطن استخدمت سياسة النفس الطويل في إطار إيفاد المبعوثين من جهة، والجهود الإقليمية المشتركة من خلال الترويكا والرباعية ومنبر جدة من جهة أخرى، كما أعملت سياسة العصا قبل العقوبات على عبد الرحيم حمدان دقلو”.
ونبه السفير السابق إلى أن العقوبات الأميركية تجاوزت قائد الدعم السريع حميدتي إلى شقيقه عبد الرحيم، الأمر الذي كان مثارا للتساؤل لدى المراقبين، مؤكدا أنه لا يتفق مع من ذهب إلى القول إلى أن ذلك التجاوز يؤشر إما لوفاة حميدتي أو تعرضه لإصابة أقعدته عن الحركة.
واستطرد: “لا أعتقد أن هذه الرواية تقوم على أسس قوية، إذ إن أصول وأموال حميدتي في الداخل والخارج يديرها مفوضون عنه من داخل أسرته، ولا أظن أن هذا يخفى عن الإدارة أو الخزانة الأميركية، وإلا لما ترددت في فرض العقوبات على من يدير أموال حميدتي في الخارج وفي مقدورها أن تحجز عليها في أي بقعة في العالم”.
وتابع: “عليه أرجح كفة رغبة أميركا في إرسال رسالة لطرفي الحرب بأن العقوبات على عبد الرحيم دقلو هي مقدمة لعقوبات محتملة في حالة استمرار الوضع على ما هو عليه”.
وأضاف المقلي: “الإدانة المتكررة من واشنطن للدعم السريع واتهامه بانتهاك القانون الدولي الإنساني والقتل بدوافع عرقية في دارفور سوف يفتحان شهية عدد من المنظمات الحقوقية والمحكمة الجنائية الدولية، التي شرعت بالفعل في إجراء تحقيق حول انتهاكات القانون الدولي الإنساني في دارفور”، من دون أن يستبعد أن تساهم الخطوة الأميركية في إحياء منبر جدة لحل الأزمة في السودان.
ضوء أخضر للتحقيقات
من جهته، اعتبر المحلل السياسي يعقوب الدموكي أن توجيه الولايات المتحدة الاتهام لعبد الرحيم دقلو “يعني ضمنيا إعطاء ضوء أخضر لمحكمة الجنايات الدولية لتوجيه اتهام رسمي لدقلو والمثول أمامها، خاصة إذا أكملت المحكمة التحقيقات من خلال تجميع إفادات اللاجئين الموجودين في الأراضي التشادية بعد فرارهم من الحرب”.
وقال لـ”العربي الجديد” إن “القرار الأميركي يعطى الضوء الأخضر للاتحاد الأوروبي لتصنيف قوات الدعم السريع قوةً إرهابيةً، علما أن تلك الجهات، مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمحكمة الجنائية الدولية، تعمل بتنسيق كامل بينها، خاصة في القضايا التي تخص دول العالم الثالث والدول الأفريقية بخاصة”.
انتهاكات بالجملة
أما الخبير القانوني معز حضرة، فيرى أن الطرفين وأطراف أخرى ارتكبت العديد من الانتهاكات التي ترقى لأن تكون جرائم حرب، مشيراً في حديث لـ”العربي الجديد” أن “أول تلك الانتهاكات الآن هو أن الجيش والدعم أدارا الحرب في مناطق المدنيين، وذلك يخالف القانون الدولي الإنساني والقانون الجنائي السوداني واتفاقيات جنيف الأربع، التي تنص صراحة على وجوب ابتعاد الأطراف المتقاتلة عن المناطق المدنية، لكنهما لم يلتزما بذلك، فسقط الكثير من المدنيين جراء القصف بالطائرات أو المدافع الأرضية، بالتالي فإن كثير من القادة معرضين لعقوبات دولية وليس أميركية فقط”.
تقارير عربية
السودان: “الدعم السريع” تجدد الهجوم على سلاح المدرعات جنوبي الخرطوم
وأضاف حضرة: “الأمم المتحدة بحاجة لتشكيل لجنة تحقيق دولية في كل جرائم الحرب في السودان وليس في دارفور وحدها، لأن الخرطوم أكبر (العاصمة والمدن المجاورة لها) حاليا هي أكبر مسرح لجرائم الحرب، وإذا حدث ذلك، فنتوقع المزيد من العقوبات سواء على المؤسسات أو الأفراد”. ولم يستبعد كذلك توجيه اتهامات ومعاقبة “الطرف الثالث في الحرب” ممثلاً في مليشيات نظام عمر البشير البائد، مشيراً إلى أن تلك المليشيات غير منظمة وساهمت في هذه الحرب وارتكبت كثيراً من الجرائم.