الأخبار

صراع كعكة السطلة سيمزق السودان

دولة البحر والنهر تهدد مستقبل السودان
تشكيل حكومة في بورتسودان يؤدي إلى أخرى في الخرطوم.

حميدتي يلوح بحكومة في المناطق التي يسيطر عليها
الخرطوم- أثار تحذير قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) لقائد الجيش السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان من تشكيل حكومة جديدة في بورتسودان، من النهر إلى البحر، ردود فعل عديدة، داخل السودان وخارجه، لأنه عمليا يعني أن وحدة البلاد على المحك، إذ تقود الخطوة إلى تشكيل حكومة موازية في العاصمة الخرطوم.

واعتبر المجلس المركزي بتحالف قوى الحرية والتغيير أن تلويح طرفي الحرب بتشكيل حكومة في مواقع سيطرتهما “أمر خطير للغاية سيترتب عليه تفتيت البلاد”.

وأكد في بيان له الجمعة “رفضه التام لهذا الاتجاه الذي يبذر بذور تفتيت وحدة السودان، ويعمق الصراع، ويوسع دائرة الحرب تمهيدا لتحويلها إلى حرب أهلية شاملة”.

وشدد المجلس على عدم شرعية أيّ جهة في البلاد لتكوين أيّ حكومة منذ الإجراءات التي أعلنها البرهان في أكتوبر 2021 وشملت حل مجلس السيادة والحكومة، وهي الخطوة المعروفة بالانقلاب العسكري على حكومة عبدالله حمدوك.

وتخشى دوائر سودانية أن يؤدي انسياق البرهان وراء قيادات في حزب المؤتمر الوطني، تريد جعْل بورتسودان مقرّا للحكم، إلى إنتاج ما يعرف بـ”دولة النهر والبحر”، والتي تمتد من الخرطوم، حيث نهر النيل، إلى بورتسودان، حيث البحر الأحمر.

ودولة النهر والبحر التي حذر منها حميدتي في تسجيل صوتي الخميس مشروع انفصالي دعا إليه أحد النشطاء في أغسطس 2020 لفصل 10 ولايات من ولايات السودان الـ18 لتكون دولة جديدة تشمل وسط السودان وشماله وشرقه.

وأشار المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير إلى اتخاذ عدد من الخطوات “للتصدي لمخططات تقسيم البلاد، والعمل من أجل إيقافها، على رأسها التواصل المباشر والفوري مع القوات المسلحة والدعم السريع بغرض حثهما على تجنب أيّ خطوات حالية أو مستقبلية تُفضي إلى تمزيق البلاد واستمرار الحرب وتصعيدها وزيادة رقعتها”.

وذكر حميدتي في تسجيله الصوتي الأخير أنه على استعداد لتشكيل حكومة في مناطق سيطرة قواته مقابل تشكيل الجيش حكومة في منطقة بورتسودان، لافتا إلى أن قواته لم تعلن تشكيل حكومة، على الرغم من السيطرة على أجزاء واسعة من البلاد، لأنهم ليسوا طلاّب سلطة، داعيا القوى السياسية للوقوف أمام محاولات تفكيك البلاد.

دولة النهر والبحر التي حذر منها حميدتي مشروع لفصل 10 ولايات، وتكوين دولة تشمل الوسط والشمال والشرق

وأشارت تقارير محلية إلى أن قيادات في حزب المؤتمر الوطني (المنحل) تسعى إلى إقناع البرهان بتشكيل حكومة في بورتسودان بعد ذهابه إليها واتخاذها مقرا للحكم ومنطلقا لجولاته الخارجية، ما يتضمّن إشارة إلى طول فترة البقاء في شرق السودان وصعوبة العودة إلى العاصمة الخرطوم، وإقرارا بالأمر الواقع فيها.

ويكشف خروج هذا الاتجاه إلى العلن رغبة دفينة لدى الحركة الإسلامية السودانية في السيطرة على أيّ بقعة في البلاد وتحويلها إلى ما يشبه دويلة على غرار ما قامت به حركة حماس الفلسطينية التابعة لجماعة الإخوان المسلمين منذ حوالي 15 عاما في غزة، والتي تروّج فكرة أن سيطرتها على هذه البقعة سوف تمكنها من تحرير فلسطين.

ووافق الرئيس السوداني السابق عمر البشير على حق تقرير مصير جنوب السودان ثم انفصاله رسميا عام 2011، معتقدا أنه سيتمكن من إحكام سيطرته على الشمال وتثبيت مقومات حكمه الإسلامي، لكن النتيجة كانت المزيد من التدهور.

وقال حميدتي في تسجيله الأخير “لقد صبرنا كثيراً على القرارات المنفردة التي يتخذها البرهان، على الرغم من عدم شرعيته، ولذلك لن نسمح لكائن من كان الحديث باسم السودان وادعاء أيّ شرعية، وفي حال استمر هذا الوضع أو قام الفلول بتشكيل حكومة سنشرع فوراً في مشاورات واسعة لتشكيل سلطة حقيقية في مناطق سيطرتنا الواسعة والممتدة تكون عاصمتها الخرطوم، ولن نسمح بخلق عاصمة بديلة”.

وكشفت معلومات سودانية أن من يعرفون بفلول البشير، وهم القيادات المنتمية إلى النظام السابق وزعماء الحركة الإسلامية، يتجمعون في بورتسودان ويحشدون المرتزقة بما يشكل تهديداً لدول الجوار وأمن البحر الأحمر، ويزعزع الأمن الإقليمي.

وألقت تحذيرات حميدتي حجرا كبيرا في المياه الراكدة، حيث بدأ البرهان يتحرك من بورتسودان وإليها، ما يوحي بأنه اتخذها مقرا دائما له، الأمر الذي يعيد إلى أذهان السودانيين سيناريو ليبيا، والتي توجد بها حكومتان منذ سنوات إحداهما في الشرق والأخرى في الغرب، وبدأت قوى عدة تتعامل معهما ككيانين منفصلين.

وتبدو المشكلة في السودان أكثر صعوبة من ليبيا، بحكم التباين الكبير في التركيبة الاجتماعية، والخصوصية المناطقية التي تتمتع بها بعض الأقاليم، وانتشار الحركات المسلحة على نطاق واسع، ما يمكن أن يقود إلى وجود أكثر من حكومتين في البلاد.

ويقول مراقبون إن خطاب حميدتي الأخير أكد توجهاته القومية وعدم وجود أجندة مناطقية تحكمه خاصة بالسيطرة على إقليم دارفور، فتمسكه بالخرطوم كشف البون الشاسع في التفكير بينه وبين البرهان، وقدرته على التعامل مع المعطيات بهدف إنقاذ السودان والحفاظ على وحدته وليس الوصول إلى السلطة بأيّ ثمن.

وسجلت المفردات التي استخدمها حميدتي في تسجيله الأخير الكثير من الأهداف السياسية في مرمى البرهان الذي أكد أنه يريد التقسيم لأهداف أيديولوجية، بينما قائد الدعم السريع المتهم من خصومه بأجندة قبلية في دارفور هو الأكثر حرصا على وحدة البلاد.

ويضيف هؤلاء المراقبون أن الجنرال البرهان لا يزال أسيرا لأجندة إسلامية خفية، ولو حاول إخفاء معالمها مع الجهات الرافضة لعودة فلول البشير مرة أخرى، ما يمكن أن يعرّضه إلى ضغوط إقليمية ودولية كبيرة إذا مضى في سيناريو تشكيل حكومة بورتسودان، لأن الكثير من القوى المعنية بالسودان والحريصة على وحدته غير مستعدة لرؤية حكومة إسلامية تتحكم في جزء معتبر من البحر الأحمر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى