أخبار الجريمة

عودة عصر الاتاوات والعصابات المسلحة في طريق كوستي الأبيض

سائق لوري على طريق كوستي – الأبيض اعترضت طريقه مجموعة مسلحة من خمسة أفراد بأزياء مدنية، وطالبوه بدفع مبلغ من المال، فقال لهم إن ما معه من مال أخذته مجموعات قابلته في مواقع أخرى، لكنهم بالطبع لم يصدقوه؛ أخذوا مساعده إلى خيمة قريبة من طريق الأسفلت وأوسعوه ضربًا بطريقة لم تكن مألوفة من قبل. إذ جاؤوا بحجارة كبيرة وأخذوا يضربونه على أجنابه حتى دخل في غيبوبة وفقد القدرة على المشي، وتركوه ينزف بعد أن سلبوا من العربة خمسة جوالات من الذرة. أخذه مرافقوه إلى المستشفى.

لسائق الذي تحدث إلى “الترا سودان” كان ما يزال تحت تأثير الخوف، فالحادث لم يمضِ عليه أسبوع؛ لذا طالب بعدم ذكر اسمه.

يواجه مستخدمو الطرق الداخلة إلى الأبيض بشمال كردفان والخارجة منها مثل هذه التهديدات يوميًا ولا منجاة لهم من الضرب أو الموت إلا أن يدفعوا المبالغ التي تطلب منهم، في صمت، مهما كانت كبيرة أو صغيرة. ومن يعترض يضاعف له العذاب حتى يكف عن الجدال ويدفع. فالمسلحون على عجلة من أمرهم، وهناك سيارات أخرى تنتظر التحصيل، كما أنهم يخافون أن تفاجئهم قوى من الجيش أو طلعة جوية تودي بحياتهم، لذلك يحصلون الأموال ويسرعون بالاختباء.شير مبارك وهو “كمسنجي” ترحيل على طريق الأبيض – الفولة بغرب كردفان، قال إن الشاحنات التي تتعامل مع مكتبهم في الأبيض تمر على (33) ارتكازًا على هذه الشاكلة حتى تصل إلى مدينة الدبيبات على بعد (300) كيلومتر. وتدفع الشاحنة الواحدة (400) ألف جنيه، وهي دفعيات غير محددة، يطالب بها مسلحون بأزياء مدنية وفقًا لمبارك. وأضاف مبارك أنه لا يستطيع أن يجزم بأنهم عصابات مسلحة أو قوات تتبع للدعم السريع، ولكي تكمل الشاحنة مشوارها إلى مدينة الفولة تدفع (200) ألف جنيه إضافية يحصلها الأهالي.

وقال صاحب عربة (نيسان) إنه دفع مليون جنيه إتاوات متعددة حتى وصل إلى مدينة المجلد في غرب كردفان، فيما أشار مبارك إلى أن مجموعات تتبع للحركات المسلحة تتحصل على إتاوات، وهم لا يحملون السلاح، ولكنهم يتفاهمون مع المجموعات التي تقطع الطريق. وأضاف أن إحدى الشاحنات التي تتعامل معهم، أوقفتها مجموعة على طريق كوستي – الأبيض بإطلاق أعيرة نارية على الإطارات والباب، وأخذوا من السائق (55) ألف جنيه سوداني.

وقد أدت زيادة الإتاوات وتكاثر الجهات التي تتحصل عليها إلى إغلاق بعض الطرق مثل طريق النهود – الأبيض، وهو من أهم الروافد التي تغذي طريق الصادرات القومي، لأن العمل فيه لم يعد مجديًا؛ فالشاحنة تدفع (700) ألف جنيه إتاوات، فيما تؤجر بـ(2,400) جنيهًا وتبلغ نفقات الوقود (500) ألف جنيه، هذا سوى أجرة السائق ومصاريف العاملين، إلى جانب أنها تعود في رحلة الإياب فارغة، ولكن يتعين عليها أن تدفع (300) ألف جنيه، مع أن صافي دخلها (400) ألف جنيه. ويقول مبارك إن الشركات العاملة توقفت عن استخدام هذا الطريق، لافتًا إلى أن شركتهم نفذت مشوارًا واحدًا بعد اندلاع الحرب بين الجيش والدعم السريع في نيسان/أبريل الماضي، ثم توقفت عن العمل.

كن الإنسان لا يستطيع أن يترك العمل مهما كانت الظروف، ولذلك يعمل السائقون بعيدًا عن الشركات على هذه الطرق الخطرة بالتفاهم مع المجموعات المسلحة أو بوساطة أفراد حركات الكفاح المسلح، ويتخذون أقصى درجات الحيطة والحذر، ويتحاشون الصحافة بالتحديد ما أمكن. ورفض معظمهم الحديث إلى “الترا سودان”، واكتفوا بالقول إن ما يحدث معروف لدى الجميع ولا يحتاج إلى شهادة منهم، فيما طالب الذين وافقوا على الإجابة عن أسئلتنا بعدم ذكر أسمائهم، وشددوا على هذه النقطة في اتصالات متلاحقة عبر الهاتف، مما يؤكد خطورة ما يحدث على الطرق التجارية الداخلة إلى مدينة الأبيض.

 

كانت تدخل إلى الأبيض نحو 40 شاحنة يوميًا قبل اندلاع الحرب

 

كل هذا إلى جانب أن الشحن نفسه لا يتوفر لمكاتب الترحيل بسبب خوف التجار من تعرض محاصيلهم للنهب، فيما يخشى أصحاب شاحنات النقل عليها من السرقة، ولهذا السبب قل الوارد إلى سوق الأبيض الذي يربط مناطق الإنتاج في غرب كردفان وشرق دارفور بموانئ التصدير ووسط البلاد، فالسوق يتعامل مع وكلاء المنتجين. وقال أحدهم إن الوضع تأثر للغاية بالحرب؛ فقد كانت ترد إلى السوق –حسب تقديراته– ما بين (30 – 40) شاحنة (لوري)، سعة (10) أطنان، في اليوم، وتقلصت الآن إلى (5 – 10) شاحنات (لواري)، لعدم توفر الأمن على الطرقات، ما دفع السائقين إلى الإحجام عن العمل الذي أصبح مصدر خطر ما بين دفع الإتاوات تحت تهديد السلاح والنهب المباشر. وينعكس كل ذلك على الأسعار، مثل البصل الذي ارتفع سعره إلى أضعاف، في حين أنه متدنٍ في أسواق الشمال، وكل ذلك بسبب المخاطر الأمنية على الطرقات.

ويواجه قطاع النقل صعوبات أخرى مثل الوقود، فقد وصل سعر برميل الجازولين إلى (350) جنيهًا من أصل (132) جنيهًا، كما أن السائقين أصبحوا يتفقون مع الشركات بالمشوار، في حين كان الاتفاق قبل الحرب بأجرة شهرية تبلغ (150) ألف جنيه بالإضافة إلى خمسة آلاف جنيه مصاريف للرحلة، أما الآن فالسائق يطالب بهذا المبلغ في المشوار الواحد، وفي بعض الأحيان يتقاضى (500) ألف جنيه سوداني.

وتعمل شركات النقل والترحيل في ظل عدم توفر أي تأمين على مخاطر الحرب، ولذلك لا تهتم الشركات بالتأمين. وفي هذا الصدد يقول مدير شركة السلامة للتأمين في الأبيض ياسر حامد لـ”الترا سودان” إن ثقافة التأمين على النقل غير شائعة وأن التأمين على النقل البري ومخاطره حتى في الظروف العادية مفهوم غير شائع لدى شركات النقل والترحيل. وأوضح ياسر أن شركتهم أمنت على (15) شحنة نقل بري في العام الماضي، أما اليوم فإنه ومنذ بداية العام لم تحقق سوى وثيقتي تأمين على النقل البري مع أن العام أوشك أن ينتهي.

وعن تأثير حرب الخامس عشر من نيسان/أبريل، يشير ياسر إلى أنها اندلعت في الموسم، لافتًا إلى أن أغلب البضائع التي كانت في المخازن ومعدة للتصدير قد نهبت، وحتى التي تصدر يدفع عليها أصحاب الشركات إتاوات تزيد من تكاليف الترحيل.

وبحسب مدير شركة السلامة للتأمين في الأبيض ياسر حامد، يظل خيار التأمين على النقل البري مستبعدًا لتقليل التكاليف والمنصرفات، مبينًا أن تأمين النقل البري متعدد التغطيات وتنتهي وثيقة التأمين بانتهاء الرحلة، ومن ضمن تلك التغطيات التصادم وانقلاب الشاحنة والأمطار والحريق، ولافتًا إلى أن التأمين لا يغطي الحريق الذاتي في حالة القطن وتكون التغطية في حالة الحريق غير الذاتي أو بفعل فاعل أو لأي سبب آخر، لكن التأمين –بحسب ياسر– لا يغطي الأشياء المنهوبة بقوة السلاح في الطريق إلا في حالة توفر تغطية لمخاطر الحروب، وذلك عند إعلان الدولة أنها في حالة حرب. ويشير ياسر إلى مبادرة تقدمت بها شركة شيكان مع بقية الشركات لتغطية مخاطر الحرب، لكن حتى الآن لم تخطر الشركات فروعها بتوفر تغطية لمخاطر الحرب. وأوضح ياسر أن هناك مؤتمرًا انعقد في مدينة ود مدني بولاية الجزيرة لمناقشة المخاطر الاقتصادية المترتبة على نشوب الحرب وأثرها على شركات التأمين والوضع الاقتصادي عمومًا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى