المنوعات

السودان :الخروج من المولد بدون حمص

لم تكن الذكرى السنوية للمولد النبوي في السودان مجرد مناسبة روحية للاحتفاء بميلاد الرسول محمد فحسب، بل تمثل تظاهرة اقتصادية يترقبها طيف واسع من سكان هذا البلد لتحقيق كسب مادي كبير من خلال بيع الحلويات – أحد أهم طقوس “المولد” التي لابد من إحضارها في كل منزل سوداني لما تمتاز به مذاق خاص.

كن هذه السنة غابت مشاهد الاحتفاء بالمولد النبوي بتفاصيلها المعهودة في السودان لأول مرة منذ عقود بسبب الحرب، وتحولت ساحاته الجماهيرية ومصانع الحلويات في العاصمة الخرطوم إلى ثكنات عسكرية، تاركة الحزن يخيم على محبي هذه المناسبة الروحية.

وفي مثل هذا التوقيت من كل عام، كان ميدان الخليفة عبد الله التعايشي في مدينة أمدرمان يمتلئ بخيام رجال الدين ورايات الطرق الصوفية الخضراء ترفرف في وسطه، بينما تحيطه من كل جانب معارض حلوى المولد بتشكيلاتها المختلفة ومذاقها المتفرد، وهو مشهد متكرر في الساحات الأخرى في العاصمة والأقاليم.

وتبدأ مراسم الاحتفال بالمولد النبوي في السودان بتقليد راسخ يسمى “الزفة” وتكون في يوم الأول من شهر ربيع الأول وينتهي بـ(القفلة) في ليلة الحادي عشر من الشهر نفسه وتكون الأكثر زخماً من حيث الحضور الجماهيري.

خسائر مالية
ويبدي هارون أبوبكر – أحد أصحاب مصانع الحلويات في أمدرمان حسرته على ضياع موسم المولد النبوي الشريف بسبب الحرب، حيث ظل يعتمد عليه في معاشه لمدة 20 عاماً ماضية.

 

 ويقول أبوبكر لموقع “سكاي نيوز عربية” “نزحت الى وادي حلفا شمالي السودان، وحاولت اللحاق بموسم المولد ولكني لم نتمكن من ذلك لأن تأسيس مصنع بديل مكلف للغاية، فقد تركت مصنعي بكامل معداته في أمدرمان ولا ندري ما حدث له الآن. خسارتنا كبيرة كسائر السودانيين الذين تضرروا من الحرب الحالية”.

وتوجد حوالي 150 مصنع متخصص في إنتاج حلويات المولد في مدينة أمدرمان وحدها وهي تمثل مركز إمداد للعاصمة والأقاليم السودانية خلال فترة الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، لكن لم يتسن تشغيلها بسبب المعارك العسكرية وهو ما أدى لغياب الحلوى هذه السنة، وفق هارون.

حسرة ضياع موسم المولد تمتد الى أصحاب معارض بيع الحلويات على الجمهور نظراً للخسائر التي لحقت بهم وفقدهم فرصة مهمة للكسب المالي وفريدة كونها تأتي مرة واحدة في السنة.

ويقول وداعة عابدين من مدينة سنار لموقع “سكاي نيوز عربية”: “كانت ذكرى الاحتفاء بالمولد النبوي موسما للربح المالي الكبير، كنت أـكسب أرباحا تصل الى 400 ألف جنيه نحو 800 دولار خلال أسبوعين فقط من خلال طاولة لبيع الحلويات في ميدان المولد في منطقتاً”.

ويضيف “لم تصلنا الحلويات من العاصمة الخرطوم هذه المرة كما هو معتاد في المواسم السابقة، حيث توجد بعض المصانع المحلية، لكن انتاجها قليل وليس بالجودة المطلوبة، واسعارها عالية لا يمكن أن يتحقق معها ربح كبير، كذلك لم يكن هناك اهتمام بذكرى المولد النبوي نتيجة الحرب الدائرة والظروف الصعبة التي يعيشها المواطنين”.

ولم يتبق العابدين وزملاءه في المجال غير ذكريات جميلة جمعتهم مع حلوى المولد النبوي بتشكيلاتها المختلفة التي ما يزاولون يحتفظون بمسمياتها ومذاقها، فهناك حلاوة “عروسة” و”حصان” التي يعشقها الأطفال، و”عضم ولكوم، ومحمص” التي يشتريها الأشخاص الكبار وجميعها مصنوعة من المواد المحلية والبلدية.

متنفس روحي
حسرة المولد لم تتوقف عن تجار الحلويات، بينما امتدت لتلتهم معظم السودانيين ممن كانوا يحرصون على حضور فعاليات المولد النبوي التي تشكل متنفس وترويح وروحي هامة، وفرص لإسعاد الأطفال بالحلوى والهدايات المختلفة.

ويقول أحمد إبراهيم الذي نزح من الخرطوم الى مدينة ود مدني وسط السودان “لأكثر من 10 سنوات ماضية لم تفوتني زفة المولد وخاتمته، وهي مناسبة مهمة في حياتي، لكني وجدت نفسي مجبرا لعدم حضورها هذه السنة”.

ويضيف إبراهيم في حديثه لموقع “سكاي نيوز عربية” “سيفتقد أطفال هذه المرة حلاوة حصان والعروسة والطقوس وليالي المولد الجميع التي كانت حافلة بالمدائح النبوية والمحاضرات الدينية القيمة. نشعر بأسى شديد وهي جزء من تكاليف الحرب السيئة التي ندفعها”.

وإلى جانب ذلك يشكل المولد فرصة للتلاقي الاجتماعي بين الأصدقاء والعائلات في مناطق متفرقة في العاصمة السودانية مترامية الأطراف وتحول ظروف الحياة دون اجتماعهم في الأوقات العادية، بحسب أحمد إبراهيم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى