الأعمدة

استراحة بعيدا عن سيرة البحر . (من ذاكرة القلم)

عبارة سيرة البحر تعني السياسة قاتلها الله ..وهي كثيرا ما كان يرددها استهجانا او سخرية في كتاباته صديقنا البروفيسور عبد اللطيف البوني الذي افتقده كثيرا بعد ان انتقل من الجامعة التي كنا نعمل فيها سويا هو كعميد لإحدي الكليات وانا كاعلامي فله التحية حيثما كان ..فهو رجل خفيف الظل وتتميز كتاباته بفرادة المفردة السهلة الممتنعة ..التي تجعلها محببة حتى بالنسبة للذين قد يختلفون مع مضمونها .
ولعل يوم الإجازة في حياة كل انسان منا هو ظرف استثنائي قد يقضيه الفرد في إنجاز بعض المهام الاجتماعية او الاسرية او يجلس في المنزل بغرض الاستجمام وهذا ما يفرض على اصحاب الاقلام مثلنا ان يتجنبوا في ذلك اليوم تناول سيرة البحر التي اصبحت تجعل النفوس تفيض بالملل و تنفر من الكتابات التي تدور هذه الايام في حلقة مفرغة مثلما صارت الوجوه التي تطالعنا في الفضائيات ممجوجة العبارات و سمجة الطلة في دورانها الذي يصيب العقول بدوخة عدم الفهم في قراءة كتاب المشهد المشوه الصفحات و المطموس الاسطر..فتجد كل متحدث يراوح مكانه في مواقفه ..او يفاجئك البعض بدون مقدمات انه انتقل من خانة الهجوم على فريق بعينه ليصبح مدافعا الى درجة الاستماتة عن ذات الفريق الذي ناصبه العداء حتى الامس القريب !
اذكر وفي بداية تعلقنا بالعمل الصحفي في منتصف سبعينيات القرن الماضي وكنا نستقي معارفنا من اساتذة لهم الباع الطويل في مهنة المتاعب التي اكتسبوا خبراتهم فيها من معاركة التجارب و طول حبال الصبر على معطيات الصنعة فيها حيث لم تكن التقنيات بهذه الدرجة من الرقي والسهولة في التعامل.
كانت هنالك صفحات مخصصة يستريح عندها الكتاب من عناء اللهث وراء تسقط الاخبار ..وبالتالي تصبح استراحة يتكيء عندها القارئ هروبا من سيرة البحر حيث تكون الموضوعات في تلك الزوايا خفيفة وسهلة الهضم على امزجة القراء المتباينة ..فيفضفض فيها الكاتب بكل ما يعن له من الذكريات او المواقف الطريفة والخواطر .يالها من ايام كان الجو داخل تلك الدور الصحفية التي لم يتجاوز عددها اصابع اليد الواحدة و كنا نعرف بعضنا اما بالتواصل المباشر واما عبر الكتابات التي يرسلها البعض من مكاتب الصحف بالاقاليم او من اصحاب الاقلام المتعاونين بحب وشغف وصاروا لاحقا كتابا بلغوا شاءوا عظيما في بلاط صاحبة الجلالة الصحافة ..منهم من قضى نحبه ومنهم من لازال قلمه ينزف من شريان وجع سيرة البحر او يسكب عطرا يعتصره معتقا من زاوية الازمنة في ذاكرته بعيدا عن تلك السيرة.
وإجازة سعيدة على الجميع والتحية لمن هم اقتضى واجبهم العملي ان يكونواايضا في مواقع العطاء المختلفة.
صورة جمعت بيننا كصحفيبن شباب وكنا مراسلين في بورتسودان ..ويبدو فيها الى جانب شخصي كمراسل لعدة صحف ..المرحومان محي الدين خليل مدير مكتب الايام حئئذ بمنطقة الثغر وهاشم حسن علي ..الايام ..ويبدو ايضا الاخ محمد عيسى احمد مراسل جريدة الصحافة وقتها و الذي لا اعرف اين هو الآن وارجو ان يكون بخير ..تاريخ الصورة 1974

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى