تماسيح الكدرو يسبحون في بحور الشرف والشهامة! (الحلقة 1) : بقلم: أمير شاهين
درج الانسان منذ القدم وفى جميع الأماكن و الثقافات في اطلاق بعض الصفات التي تشتهر بها بعض الحيوانات على أناس معينين يعتقد بانهم يتشابهون في هذه الصفات مع الحيوانات سواء ان كانت صفة تستوجب المدح او الذم , فمثلا الشخص الذى يوصف بالأسد فهو يتصف بصفات الشجاعة و الهيبة وصفة النمر وفى العامية السودانية ” اب عاج” يطلق على الشخص القوى الشديد المنعة ولعل الرئيس الأسبق جعفر نميرى افضل مثال لهذا اللقب , وفى بعض المرات تصبح صفة ذم اذ تطلق على الشخص الذى يتحرش بالآخرين ويقال بانه متنمر , والثعلب في العامية السودانية البعشوم يكاد ان يكون هنالك اجماع في كل العالم بانه ماكر ومخادع كصفة ذم ولكنه أيضا يطلق كصفة مدح على بعض الاذكياء الذين يجدون لكل مشكلة حل ولعل لاعب الهلال و الفريق القومي السوداني جمال خميس الثعلب افضل مثال لهذا اللقب , والقائمة تطول مثل الذئب ( المرفعين) مثل الشيخ ” مرفعين الفقرا” الشهير في العباسية
التمساح في الموروث الثقافي السوداني
في الثقافة السودانية والموروث المتناقل عند السودانيين فان إطلاق صفة التمساح لبعض الأشخاص فهي في الغالب تستخدم كثيرا في المدح وقليلا في الذم. وفي اللغة العامية السودانية توجد العديد من أسماء التمساح ذلك الحيوان المخيف الشكل والذي يعتبر من أكبر الزواحف واقدمها وجودا على الأرض اذ يعتقد العلماء بان التمساح كان موجودا منذ عصر الديناصور ، ومن اسمائه في السودان اللدر و اب كريق و اب نيف و العشارى ويبدو واضحا ان تعدد الأسماء لمخلوق معين يعنى أهميته و في بعض الأحيان هيبته. وفى السودان فان التمساح يرمز الى القوة والمنعة والهيبة فهو بدون منازع ملك البحر (عند السودانيين البحر هو النهر مثل بحر ابيض للنيل الأبيض و وبحر ازرق للنيل الأزرق) فمثلا في الاغنية الشعبية المشهورة ” خال فاطمة” التي اشتهرت بعد ان تغنى بها العملاق الراحل الكابلى وهى من اشعار الشاعرة كلتوم بنت جابر وفيها مدح للفارس نقد الله ود عمر الركابي والتي تصفه فيها و تقول: ” اب كريق في اللجج سدر حبس الفجج ”
واب كريق كما اسلفنا هو التمسح الضخم جدا و التسمية كما يقولون جاءت نتيجة لاصداره صوت مثل كرييييق كرييييق , واب كريق في اللجج وهى جمع لجة وهى المياه العميقة , سدر بمعنى قام بصدره يعنى بالدارجى قام سدارى وحبس الفجج وهى جمع فجة بكسر الفاء و تعنى المكان , أي ان الشاعرة تصف الفارس بانه كالتمساح الضخم الموجود في الأماكن العميقة التي لا يجيد السباحة فيها الا الأقوياء من ذوى البأس وهو من شدة هيبته وبطشه لا احد يجرؤ على الاقتراب من المكان الذى يتواجد فيه هذا التمساح , بمعنى ان التمساح يحرم الاخرين من الاقتراب من المنطقة التي يتواجد فيها يعنى منطقة عسكرية ممنوع الاقتراب او التصوير وكان التمساح يقول محذرا الاخرين ” الراجل فيكم يجى هنا ” وفى اغنية الحماسة المشهورة ” شدولو وركب فوق مهرك الجماح” والتي كان يشدو بها الفنان المبدع الراحل سيد خليفة وهى من اشعار عمر حسين و تمت كتابتها في مدح عمدة منطقة المفازة العمدة حسن عبد الله طه ولكنها اشتهرت فيما بعد في مدح الرئيس الأسبق جعفر نميرى عليه الرحمة حيث يصف الشاعر العمدة بقوله : ” تمساح الدميرة الما بكتلو سلاح ” وتمساح االدميرة ( الفيضان) ويقصد ان التمساح من قوته وشدة باسه يسبح في النهر وقت الفيضان حيث التيارات المائية القوية التي لا يستطيع السباحة فيها الا قوى و جبار والسباحة في الأماكن العميقة برشاقة و سرعة هي من صفات التمساح ولهذا السبب فان فريق السباحة الاولمبى المصرى صاحب الإنجازات و الميداليات يطلقون عليه لقب ” تماسيح النيل” , وفى هذا فالمثل السودانى الشهير ” بلد ما فيها تمساح يقدل فيها الورل ” وهو تعظيم للتمساح و تحقير للورل وهذا المثل يضرب عندما يستاسد بعض الضعفاء على الاخرين بسبب عدم وجود الأقوياء !! ومع غالبية استخدام صفة التمساح في المدح والتبجيل، فهنالك صفة أخرى غير حميدة بل وترقى الى مستوى السب والهجاء وتطلق مؤخرا على الشخص الذى يجمع المال من حرام أو حلال ولديه شراهة كبيرة في أكل أموال الناس والمال العام ولا يتورع في سبيل ذلك عن فعل اية شيء . وقد ظهر هذا النوع من ” التماسيح البشرية” و بكميات كبيرة في فترة حكم الإنقاذ التي امتدت الى ثلاثين عاما
تماسيح الكدرو
. اما التماسيح الذين هم موضوع هذه الحلقات فهم تماسيح الكدرو أصحاب الكرم و الشهامة و المروءة و يصدق فيهم قول امام المتصوفين الشاعر الاندلسى ابومدين الغوث التلمسانى :
لله قوم إذا حلوا بمنزلة
حل السرور وسار الجود إن ساروا
تحيا بهم كل أرض ينزلون بها
كأنهم في بقاع الأرض أمطار
وعند الحديث عن تماسيح الكدرو , فلابد من الحديث أيضا عن, الكدرو , تلك المنطقة الهادئة الجمال والتى تقع ا شمال الخرطوم بحرى و تحدها من الجنوب الازيرقاب ومن الشمال ابوحليمة ، ومن الغرب نهر النيل ومن الشرق شارع المعونة والذى سنعرف لاحقا بان اسمه هو شارع الطيار الكدرو الذى استشهد في العام 1963م ، والكدرو تعتبر واحدة من اقدم المناطق السكنية في السودان فقد كانت عاصمة لمملكة نوبية قديمة اسمها ( كاد رو ) , وتعنى الثوب الابيض باللغة النوبية القديمة ويعتقد بان التسمية كانت بسبب ان المنطقة كانت بها مغازل نسيج وهذا يدل على تقدم و رقى الحضارة فيها والثابت أيضا بان الكدرو و كانت احدة من مقاطعات مملكة علوة النوبية المسيحية والتي كانت عاصمتها مدينة سوبا شرق واستمرت هذه المملكة قرابة الالف عام 580 – م 1504 الى ان ازيلت بواسطة تحالف الفونج و العبدلاب وتاسيسهم لمملكة سنار او السلطنة الزرقاء وللان توجد بعض الموجودات و المقابر الاثرية للعنج في الكدرو الذين كانوا حكام لهذه المملكة منذ قرابة الالف عام .
الشيخ احمد الكدرو جد التماسيح
الشيخ احمد لكدرو وهو جد التماسيح ( اول من حمل لقب التمساح) تتفق المصادر بانه كان يعيش فى اواخر عصر التركية السابقة والتى استمرت لمدة 65 عام 1820-1885م اذ انه عاصر الزبير باشا ود رحمة وخاض معه الكثير من الحروب وقد اشتهر بالشجاعة و الاقدام والقوة حتى انهم اطلقوا عليه لقب ” التمساح”, وبعدها قد قاتل أيضا مع الامام المهدى في معاركه ضد الاتراك , وتشير بعض المصادر الى انه وبسبب خلاف في الرأي بينه وبين الخليفة عبدالله التعايشى الذى تولى الحكم بعد وفاة المهدى فقد تم نفيه الى الرجاف فقد كان الخليفة التعايشى لا يقبل ان يخالف احد في الراى كما ان الشيخ احمد تمساح الكدرو كان قوى الشخصية معتدا بنفسه ولا يرضى بان يكون مجرد تابع مطيع عديم الأهمية
وفى الحلقة القاددمة سوف نتحدث عن بعض التماسيح مثل الطيار الكدرو و اللواء الشهيد حسين الكدرو و صديقنا النبيل العقيد معاش الشيخ الكدرو
ونواصل
الصورة المرفقة للناظر محمد السيد تمساح الكدرو