وضمت قائمة الاستهداف عدداً كبيراً من الصحافيين والسياسيين، ولكنها ركزت بشكل كبير على الإعلاميتين ليال الاختيار وديما صادق، والصحافيين نديم قطيش ورامي نعيم وطوني بولس،
والقيادي في حزب “القوات اللبنانية” شارل جبور.
واللافت أن تلك الحملة لم تقتصر فقط على حسابات الجيش الإلكتروني، إنما تبنتها وجوه معروفة من “حزب الله” بينهم صحافيون وناشطون نشروا صور بعض الإعلاميين الذين شملتهم الحملة التحريضية باللون الأحمر وتوسطتها نجمة داوود في إشارة إلى العلم الإسرائيلي.
حماية دولية
ورداً على الحملة عقد مؤتمر صحافي ضم نخباً سياسية وإعلامية وحقوقية وشاركت فيه منظمات حقوقية دولية، تحت عنوان “منعاً لكم الأفواه ورفضاً لخطاب الكراهية ضد الصحافيين”، طالب المحاضرون المنظمات الحقوقية والمجتمع الدولي باتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية الإعلاميين “لأننا مهددون بالقتل والدولة عاجزة عن حمايتنا ونحن لن نتراجع ولن نستكين ولسنا عملاء”.
ووفق المعلومات سيوجه عدد من الإعلاميين والسياسيين والناشطين رسالة إلى الأمم المتحدة عبر المنسقة الخاصة للمنظمة في لبنان يوانا فرونتسكا للمطالبة بـ”الحماية الدولية في ظل شراكة الدولة مع الجهات المهددة وإسهامها في تعزيز سياسة التفلت من العقاب”.
ويعتبر هؤلاء أن التوجه إلى القضاء اللبناني لن ينفع بعد اللجوء إليه مرات عدة دون الوصول إلى نتائج، مع العلم أن الجهات التي يتم الادعاء عليها معروفة وموثقة بالأدلة، لكن الانتماء إلى “حزب الله” يؤمن الحصانة اللازمة بوجه القضاء.
وردت الإعلامية ليال الاختيار، على الحملة التي طاولتها، قائلة إن “ما يقومون به هو تغطية على فشلهم في الداخل والخارج، نحن لم نتعامل مع أي عدو ضد بلدنا، بل على العكس نحن نقوم بعملنا على أكمل وجه خصوصاً في محطة عربية من هذا الطراز الاحترافي العالي جداً. هي حملات فارغة تافهة فاشلة، وإذا كانوا يعتقدون أننا سنسكت فهم مخطئون جداً جداً، وسنبقى نمارس ثوابتنا وقناعاتنا الوطنية بحرية، وليفعلوا ما يشاؤون”.
كانت ليال لفتت الانتباه عبر حسابها على منصة “إكس” إلى أن “من أطلق هذه الحملة المحرضة على القتل الجسدي والاغتيال المعنوي والمهني، مجرم وغبي، مجرم في نية دسه، وغبي بنتيجة سعيه”.
وأضافت، “إلا إذا كان غرضه الوحيد غسل رؤوس قطعانه الفارغة، عندها نفهم إفلاسه”. وتابعت، “أياً كان دافعه، أعده بأن نتلاقى أمام القضاء والرأي العام. لا لأن قضاء بلادي قادر على استعادة الحق، وجريمتهم في الرابع من أغسطس (آب) شاهدة”.
تهديد الجمهور
ويشير المسؤول الإعلامي في مركز الدفاع عن الحريات الإعلامية والثقافية “سكايز”، جاد شحرور، إلى أن التعرض للصحافيين في لبنان ليس جديداً وأخذ أكثر من شكل، منها اعتداءات بالضرب أثناء تأدية عملهم، واستدعاءات وتحقيقات غير قانونية، وحملات كراهية وصلت إلى حد التحريض والتهديد فقط بسبب آرائهم.
ولفت إلى أن بعض الأحزاب اللبنانية باتت تمارس الاضطهاد العلني والمفضوح ضد الصحافيين والناشطين المعارضين لسياستها، بسبب غياب المحاسبة وعدم قيام القضاء بواجبه بملاحقة الأشخاص الذين ينتهكون الحق بحرية الرأي والتعبير، مطالباً بضرورة أن تكون هناك آليات فعالة لحماية الصحافيين، التي برأيه تبدأ بمواجهة “المنظومة” الحاكمة التي تحمي المرتكبين وتسهم بتوسع ظاهرة التفلت من العقاب
وأضاف أنه بالنسبة إلى حملة التخوين تجاه الإعلاميين والصحافيين والناشطين والسياسيين المعارضين لـ”حزب الله”، هي خطرة لأمرين، الأول ترسيخ لغة التخوين بشكل أو بآخر والاستسهال بالتخوين، علماً أن الدستور اللبناني وقوانينه تجرم التخوين لاستخدام هذا المصطلح، معتبراً أن كثرة تلك الحملات الممنهجة تعكس تراجع مستوى الديمقراطية في لبنان.
أما الأمر الثاني برأيه يعكس مشهداً خطر اً، هو إضافة إلى ترهيب الصحافيين الذين يختلفون مع “حزب الله”، مزج تلك الاتهامات بـ”البيئة” الشيعية التي ينتمي إليها الحزب، وكأنه “يقول لجمهوره انتبهوا إن كنتم ستعارضونني يوماً ستواجهون بحملات مماثلة وأقسى”، موضحاً أن “الحزب عبر جيشه الإلكتروني يرهب ويهدد جمهوره قبل أن يكون تهديداً لأي جمهور آخر مختلف عنه في السياسة”.
شهادة حياة
من جانبها، تشير الوزيرة السابقة الإعلامية مي شدياق، وهي شاهدة حية على محاولة التصفية الجسدية بسبب الأفكار والآراء من خلال نجاتها من محاولة اغتيال في 25 سبتمبر (أيلول) 2005، إلى أن الهدف وراء هذه الحملة هو الترهيب، وهي بمثابة إعلان هدر دم وتهديد علني بالقتل، وهو أمر له انعكاسات خطرة على حرية الرأي والتعبير عبر الإسكات عن إبداء الرأي الحر للصحافيين ودفعهم للتراجع عن تحليل المعطيات أو أداء واجبهم الصحافي والإعلامي بمهنية وحرية.
وقالت “أنا لدي تجربة شخصية مع التخوين ومثل هذه الاتهامات البالية مستمرة لغاية اليوم، لكي يحللوا دمي، يتهمونني بأن لدي خال كان ضابطاً في جيش لبنان الجنوبي (اغتالوه لاحقاً) بوقت لا قرابة لي بالمطلق مع الشخص المذكور”.
أضافت، “بصفتي صحافية دفعت ثمن حرية التعبير، فأنا غير متأكدة مما إذا كان يمكن ضمان السلامة والحماية الجسدية، إذا قرروا قتلك لن يردعهم شيء عن إجرامهم”، لافتة إلى أنه لا ينبغي أبداً السكوت بسبب الخوف والترهيب.
وبرأيها تهدف استراتيجية “التخوين” هذه، التي يعتمدها “حزب الله” إلى خلق مشهد سياسي ثنائي إذ يصور المعارضين لسياسته كخونة، بهدف إسكات الأصوات المعارضة وترهيب المنتقدين، والحفاظ على هيمنة سردية “الممانعة”، مشيرة إلى أن أكثر من يزعجهم هم المنتمون إلى بيئتهم أي المفكرون والصحافيون من الطائفة الشيعية مثل الشهيد لقمان سليم ونديم قطيش وديما صادق وغيرهم كثر.
واعتبرت أن حملة التخوين الممنهجة قد تكون مقدمة للمشهد السياسي المحتمل بعد انتهاء الصراع، إذ يحاول “حزب الله” توحيد الخطاب ليصبح الداخل متساهلاً مع استكمال وضع يده على الدولة والنظام في لبنان.
وذهبت إلى أن هذه الاتهامات تهدف إلى تحويل الانتباه عن الأزمات الداخلية داخل “حزب الله” وفريقه الموالي لإيران، مشيرة إلى أن كل العملاء الذين ألقي القبض عليهم ينتمون إلى مجتمعه ومنهم في حزبه، لافتة إلى أن الحزب مرتبط بدولة أخرى ويبدي مصلحة إيران على مصلحة لبنان وسيادته وعلى المصلحة العربية.
أربعة أهداف
من ناحيته، تحدث رئيس جهاز الإعلام والتواصل في حزب القوات اللبنانية، الصحافي شارل جبور، الذي تعرض لحملة تحريض وتهديد واسعة النطاق من قبل الجيش الإلكتروني التابع لـ”حزب الله”، عن أن الإرهاب الفكري لا ينم عن رد فعل عفوي من قبل جمهور “الممانعة”، إنما هو عمل منظم ومقصود ومبرمج تتولاه مطابخ مخصصة لهذا الغرض بهدف تحقيق أربعة أهداف أساسية.
لعل أول تلك الأهداف هو تخويف أصحاب الرأي الآخر بغرض إسكاتهم أو خفض سقفهم السياسي، والثاني التصويب على مجموعة معينة في رسالة إلى كل من يتشارك مع هذه المجموعة بالأفكار السياسية، بالتالي توجيه رسالة إلى الشريحة الأكبر بأن تعبيرها عن رأيها السياسي سيؤدي إلى هدر دمها على غرار المجموعة التي أهدر دمها، أي السعي إلى إسكاتها أيضاً.
أما الهدف الثالث يتمثل في أن تتفرغ الممانعة لمعركتها بعيداً من أي صوت سياسي معارض لتوجهاتها تحت عنوان “لا صوت يعلو فوق صوت المعركة”، أي مصادرة مزدوجة لقرار الحرب ورأي اللبنانيين، وأخيراً الهدف الرابع والأخطر بـ”رأي جبور” وهو أن تتبرأ من أي قتل يمكن أن يتعرض له أي ناشط سيادي بحجة أنه رد فعل من قبل الأهالي، بالتالي التحريض بهدف القتل.
الخطر القومي
رئيس حركة التغيير المحامي إيلي محفوض، الذي تلقى رسائل تهديد مباشرة بدوره وصلته عبر مقربين من “حزب الله”، قال إن “من أحرق شاشة تلفزيونية ومقر جريدة واحتل بيروت عام 2008، الأمر الذي لم يرتكبه الاحتلال الإسرائيلي، هي الميليشيات التي تشغلها إيران”.
وأضاف، أن الضغط على قادة الرأي في لبنان تخطى كل الحدود وبات عبارة عن مشهد ظلامي يتكرر من خلال (تكفير) الصحافيين، معتبراً أن هذه التهديدات تزيد الجسم الإعلامي إيماناً وقناعة بأنه لا تراجع عن إبداء الرأي والتعبير والموقف، مشيراً إلى أنه في الوقت ذاته كشفت (وقاحة) (حزب الله)، على حد وصفه، إذ بعض الذين يهددون لا يختبئون وراء أسماء مستعارة أو أسماء وهمية ما يعكس الجرأة العالية وفائض القوة وعدم الخوف من الملاحقة القضائية.
ويعتبر أن الأخطر في ما حصل أخيراً على مستوى التهديد، هو صمت الدولة وعدم تحرك أجهزتها لتقصي حقيقة ما يحصل، الذي يرتقي إلى مستوى الخطر القومي، لافتاً إلى أنها ليست المرة الأولى التي يصطادون فيها قادة رأي، إذ إن هناك قافلة كبيرة من الشهداء دفعت ثمن الموقف والرأي الحر.