الأعمدة

رحيل أيقونة الأغنية السودانية

بقلم/ بابكر عيسى أحمد

 

“لو وشوش صوت الريح في الباب … يسبقنا الشوق قبل العينين … ونعاين الشارع نلقاه تايه في عيون المغلوبين” … ونحن المغلوبين نبكي بدمع سخين رحيل الموسيقار الرائع الأستاذ محمد الأمين الذي غاب عنا بعيداً في بلاد الغربة مثل العديد من رفقائه المبدعين الذين غنوا للوطن أروع الألحان وكتبوا عنه أروع القصص وانشدوا بإسمه أجمل الأشعار … رحلوا ليتركوا لنا الساحه خاويه إلا من المآسي والأحزان والفشل المقيم.
“زاد الشجون” يا قارورة العطر المعتق التي كنا نختزنها ليوم الفرح الكبير ولمهرجان الثورة التي غنيت لها وترنمت بإيقاعاتها الراقصة والشجية، حتى أصبحت أيقونه في جيد الوطن وعلامة مميزة بحنجرة ذهبية متفردة لم يعرف عالم الطرب مثيلاً لها في سودان الحرية والسلام والعدالة.
إن فقدك يا محمد الأمين -أيها الغائب الحاضر- سيكون شاقاً علينا، فنحن الذين عشقناك وأحببناك وترنمنا معك في كل ألحانك الشجيه، سيسكننا اليتم وسنظل نتطلع إلى “باشكاتب جديد” يعبق سماواتنا بكل ما هو جديد ومبهر ورائع … ولن نكون وحدنا من سيبكيك بل أهلك وأحبابك في ود مدني التي احتضنت ابداعك والتي غنيت لها أجمل الألحان حتى أصبحت ليس أيقونه لود مدني فقط بل للسودان قاطبة وعشقناك نحن هناك في كردفان منذ زمن مبكر حيث غنيت لنا “عيال أب جويلي الكمبلوا وعرضوا في دار كردفان اتغربوا وسدرو”
“اشوفك بكرة في الموعد” … ويعود بنا الإيقاع الراقص إلى الزمن الجميل، زمن الفرحة والدهشة والإنتظار الحارق …”يا يوم بكرة ما تسرع تخفف لي نار وجدي” ويتفجر في وجداننا الإبداع المبهج … ونحن ما زلنا في محطة الإنتظار نترقب الميلاد وانبلاج فجر جديد يزرع فينا الإرادة والجسارة والإنتصار.
غنيت أيها الرائع الراحل أجمل أناشيد الثورة في اكتوبر “لما الليل الظالم طول … فجر النور عن عينا تحول … كنا نعيد الماضي الأول ماضي جدودنا الهزموا الباغي وهدوا قلاع الظلم الطاغي” … وطوبى لكل الشعراء والمبدعين الذين ترنم محمد الأمين بكلماتهم المورقة بالحب والعطاء والتمني … “حتى عويناتك” أصبحت أنشوده يعشقها العشاق والباحثين عن نجم مضيء في السماء.
كنتم ثلاث عمالقة عطرتم سماء الوطن بأحلى الكلمات وأجمل الألحان العملاق محمد وردي والمبدع عبدالكريم الكابلي وأنت ثالثهم في الرحيل، وبقدر ما تركتم لنا من روائع واشراقات مضيئه بقدر ما تركتم الحزن يسكن في مأقينا … ولن نبكي عليكم ولكننا سنستعيد ارثكم التليد وابداعكم الباقي … فإن رحلتم بأجسامكم فأنتم باقون معنا بألحانكم وأدائكم الرائع والمتفرد.
“بتقري في ايه كلميني يا سلام … مهتمه عامله … يعني لازم تقري هسه مقال بحاله أو قصة كامله” … هذا الإختيار الرفيع لمفردات راقصة أصبحت تجسيداً لواقع معاش ومهداه “إلى مسافره” وإلى كل جميلات الزمن الجميل حتى إلى “أسمر يا ساحر المنظر” للشاعر الراحل خليفه الصادق و”خمس سنين” للشاعر عمر محمود خالد لتضع اكليلاً من الرومانسيه حول عنقك.
مها نقول ومهما نكتب لن نوفي الراحل المقيم حقه علينا فقد كان بحراً من الإبداع وجدية في الأداء وإلتزاماً بالإيقاع … ساحراً باللعب بأوتار العود الذي يتراقص تحت أنامله وسط جوقه رائعة من الموسيقيين والعازفين المهرة.
“بتتعلم من الأيام” ومثل ما قال الحلنقي المبدع القادم من أرض القاش “مصيرك بكرة تتعلم” إلى أن يلتقيا في “جيناكم يا حبايبنا بعد غربة وشوق … نغالب فيه ويغالبنا” … وأشياء أخرى كثيرة قد لا تستحضرها الذاكرة مع تقدم العمر وشلالات الإبداع المتدفقة عبر السنين والأيام لتصبح لنا عنقوداً من الياسمين المعلق على أعناقنا.
تشير السيرة الذاتيه للمبدع الراحل أن أسمه بالكامل محمد الأمين حمد النيل الطاهر الأزيرق من مواليد مدينة ود مدني في 20 فبراير 1943 وجذبه إلى عالم الموسيقى والغناء منذ نعومه أظافره خاله الأستاذ بله يوسف الأزيرق وأجاد آله المزمار ثم آله العود التي تمكن منها وهو لم يتعدى الإثني عشر عاماً، وفي عام 1960 إلتحق محمد الأمين بموسيقى شرطة النيل الأزرق التي كان على رأسها الموسيقار محمد ادم المنصوري نسأل الله أن ينعم عليه بالصحة والعافية.
تميز محمد الأمين بقدرات صوتيه ولحنية توصف بأنها السهل الممتنع والقليل جداً من أغاني محمد الأمين لحنها له آخرون … غير أن لقائه بإبن بلدته الأستاذ الراحل فضل الله محمد كانت محطة بارزة وغنى له “اكتوبر 21″ كما تغنى ب”الملحمه” للمبدع هاشم صديق و”نشيد المتاريس” للدكتور مبارك حسن خليفه وغنى “مساجينك” لشاعر الشعب محجوب شريف … ولم يكن الراحل المقيم محمد الأمين حزبياً بل كان وطنياً ورغم ذلك تعرض للسجن في السجن الحربي وفي سجن كوبر.
رحم الله محمد الأمين بقدر ما أعطى فقد كان أيقونه للأغنيه السودانية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى