أخبار العالم

لماذا تتصاعد الاعتداءات على السياح في تركيا؟

لم تكن حادثة الاعتداء التي تعرض لها سائحٌ كويتي في ولاية طرابزون التركية الأولى من نوعها، بل سبقتها أخريات تشابهت بالتفاصيل واختلفت بالمنطقة التي حصلت بها، مما يطرح تساؤلات بشأن الأسباب التي تقف وراء تكرار هذه الظاهرة، وخيارات الحكومة، في ظل التصريحات التي تصدر من جانبها بهذا الشأن.

وأحدث الفيديو، الذي وثّق حادثة الاعتداء ضجة عربية وتركية، ودفع مسؤولين من الكويت وأنقرة للتحرك، وإبداء تعليقات ومواقف استنكرت ما حصل، في وقت أعلنت “ولاية طرابزون” إلقاء القبض على المعتدي، وبدء “اتخاذ الإجراءات اللازمة بحقه”.

وتعتبر تركيا مقصدا ووجهة جاذبة للسياح من مختلف الدول، وكان كتاب وصحفيون أتراك حذروا خلال الفترة الأخيرة وفي أعقاب حادثة “الكويتي” من التأثيرات التي قد يلقي بها ما يحصل، وانضمت إليهم الأسبوع الماضي منظمة حقوقية، بعدما نظمّت وقفة تضامنية منددة بـ”العنصرية وكراهية الأجانب” في إسطنبول.

وكذلك الأمر بالنسبة للحكومة، التي جاءت آخر المواقف من جانبها على لسان وزير العدل التركي، يلماز تونش بقوله لقناة تلفزيونية الأحد: “لن نسمح بالعنصرية”، وإن “مكتب المدعي العام لدينا فتح العديد من التحقيقات في هذا الموضوع، وستتحول هذه التحقيقات إلى دعاوى قضائية”.

ويشير مراقبون عرب وأتراك إلى أن حوادث الاعتداء على سياح، غالبيتهم من العرب، ورغم أنها ترتبط بأسباب اجتماعية واقتصادية، تقف وراء تصاعدها أيضا “غياب الصرامة” من جانب الحكومة التركية، رغم أن مسؤولوها يؤكدون البدء بمكافحة الظاهرة والقائمين عليها.

وقبل الرجل الكويتي كان مواطنان يمنيان قد تعرضا للاعتداء في إسطنبول، ومواطن مغربي آخر فقد حياته على يد سائق سيارة تاكسي، ووثقت تسجيلات مصورة أخرى تداولها مستخدمون مشادات بين سياح خليجيين وعمال أتراك، وصلت إلى حد الاعتداء بالضرب في إحدى المولات الواقعة في إسطنبول.

وجاء انتشار هذه التسجيلات بكثرة، بالتزامن مع تسجيل منظمات حقوقية وناشطين سوريين عشرات حوادث الاعتداء التي تعرض لها اللاجئون السوريون، وأسفرت عن حالات قتل راح ضحيتها شبان.

“تحريض ووعيد”

ومنذ قرابة العامين لعب سياسيون معارضون في تركيا على وتر اللاجئين والأجانب في البلاد، حتى أن الكثير منهم أقحم هذه القضية على رأس الحملات الانتخابية الأخيرة، التي شهدها السباق الرئاسي، من بينهم زعيم “حزب الشعب الجمهوري”، كمال كليتشدار أوغلو.

وفي مقابل ذلك، اتخذ سياسيون آخرون منحى تصعيديا، على رأسهم زعيم “حزب النصر”، أوميت أوزدغ، إذ قاد حملات تدعو إلى طرد اللاجئين من البلاد، زاعما أنهم سبب المشاكل الاقتصادية. ولم يكتف بذلك فحسب، بل واصل نشر معلومات وأخبار ساهمت في تأجيج الشارع على نحو أكبر ضد وجود اللاجئين.

وفي حين بقي المسار المذكور سابقا ضمن إطار التحريض وبث الكراهية، سرعان ما تنامى ليصل إلى حوادث الاعتداء، التي لم تعد تستهدف اللاجئين السوريين فقط، بل توسعت دائرتها لتشمل سياحا عرب.

وعندما يتعلق الأمر بالحادثة التي تعرض فيها السائح الكويتي لهجوم من قبل مواطن تركي، يعتقد المحلل والباحث التركي، عمر أوزكيزيلجيك أنه “يتعين التأكيد على شيء والتمييز فيه”.

ويقول لموقع “الحرة”: “الأول هو أن هذا الحادث لم يكن بدوافع عنصرية بحتة، إذ ظنّ المواطن التركي الذي اعتدى على السائح الكويتي أن الأخير يهاجم الشرطة التركية فبادر وحاول حماية عناصرها، ودخل في قتال معهم”.

ولكن على الرغم من أن هذه جريمة في حد ذاتها ويجب إدانتها بالتأكيد، يضيف الباحث أن “الهجوم لم يكن بدوافع عنصرية”.

ومع ذلك، يتابع:” ألا توجد هجمات ذات دوافع عنصرية في تركيا؟ نعم، لسوء الحظ يوجد. حيث نلاحظ أن هذه الهجمات تزايدت في الآونة الأخيرة، خاصة منذ فترة الانتخابات التركية الأخيرة”.

لماذا تتصاعد الاعتداءات؟

ومن جانب أحزاب المعارضة وسياسييها نادرا ما تصدر تصريحات تستنكر أو ترفض حوادث الاعتداء والكراهية التي تستهدف السوريين والسياح العرب، على عكس المسؤولين في الحزب الحاكم (العدالة والتنمية) والأوساط المقربة منه.

ومع ذلك ورغم التنديد والوعيد الذي يصدر من جانب الحكومة التركية، وتأكيدها أنها تواصل مكافحة الأشخاص الذين يبثون خطاب الكراهية والعنصرية، يرى محللون وباحثون تحدث إليهم موقع “الحرة” أن التعاطي القائم “لا يجدِ نفعا دون ترجمة خطوات فعلية”.

ويعتقد الباحث المختص بالشأن التركي، محمود علوش أن “هناك أسباب عدة أدت إلى تنامي ظاهرة العنصرية في البلاد، منها ما هو مرتبط بأمور موضوعية واجتماعية، وأخرى تتعلق بتزايد أعداد المهاجرين والأجانب خلال العقد الأخير”.

وتوجد أسباب أخرى ترتبط بتردي الوضع الاقتصادي في تركيا، إذ “يلعب دورا في تغذية دورة العداء للأجانب في تركيا”، وفق الباحث.

وكانت تركيا تواجه خلال الفترة الأخيرة “استحقاقا انتخابيا مصيريا”، وشكّل “ملف العنصرية أحد القضايا الساخنة فيها”.

ويرى علوش في تصريحات لموقع “الحرة” أن “مبالغة المعارضة في توظيف العداء للاجئين السوريين على وجه التحديد أدى إلى تزايد أو ارتفاع وتيرة الخطاب العنصري وتنامي العنصرية اتجاه المجتمع المهاجر، واللاجئين بالعموم”.

علاوة على ذلك، تقترب تركيا من انتخابات محلية مهمة في مارس المقبل، “مما يجعل من ملف اللاجئين والعنصرية اتجاه الأجانب واللاجئين موجودا على الأجندة السياسية”.

ويوضح الباحث أن “المعارضة تتحمل في جانب أساسي مسؤولية تنامي الخطاب العنصري عبر تغذية الخطاب، لتحقيق أهداف أساسية”.

ولا شك أيضا أن “الحكومة عليها مسؤوليات في مواجهة تنامي الخطاب العنصري، إذ أنها، حتى الآن، لم تتخذ الإجراءات الكافية لردع الظاهرة، التي يجب التعاطي معها على أنها تشكل تهديدا للأمن القومي”، وفق ذات المتحدث.

ويعتقد المحلل السياسي التركي، جواد غوك أن “العنصرية والكراهية ارتفعت بسبب كثرة اللاجئين وخاصة السوريين والأفغان”، وأن “هناك تحريضا من بعض أحزاب المعارضة ضد العرب خاصة”.

لكنه يقول لموقع “الحرة” إن “الحكومة ووسائل الإعلام التركية لا تثقّف المواطنين في هذا الموضوع، كما لا تتخذ الأولى تدابير ولا تفرض غرامات على المعتدين، الذين يقفون وراء ذلك”.

ويتابع غوك: “الحكومة يجب أن تمرر قانونا حادا بالنسبة للعنصرية، ولا تكتفي فقط بالاستنكار. يجب أن تفرض غرامات وتصنف الاعتداءات العنصرية كجريمة إنسانية، وأن تكون هناك مكافحة قضائية في العدل التركي”.

وبموازاة ذلك “يجب عليها تثقيف المواطنين، وربما سيؤثر هذا الأمر بالإيجاب لحل المشكلة”، حسب ما ينظر المحلل غوك للقضية.

“ورقتان”

وفي غضون ذلك يرى الباحث التركي أوزكيزيلجيك أنه “يمكن ملاحظة السبب الرئيسي وراء هذه الأنواع من الهجمات العنصرية في شيئين”.

الأول أن الحكومة التركية اعتقدت أنه لا ينبغي لها اتخاذ إجراءات ضد العنصرية وكراهية الأجانب لأنها كانت تخشى خسارة الانتخابات بسبب قضية اللاجئين وبسبب الاقتصاد التركي، وهما الورقتان الرئيسيتان اللتان ستستخدمهما المعارضة ضدها.

أما السبب الثاني فهو الجولة الثانية من الانتخابات التركية، وفق الباحث.

ويوضح: “في الجولة الثانية، انضم كمال كليتشدار أوغلو إلى أوميت أوزداغ ووعد الأخير بوزارة الداخلية والمخابرات ووزارتين أخريين مقابل دعمه”.

وفي تلك الفترة، قام كمال كليتشدار أوغلو بالدعاية العنصرية والمعادية للأجانب والمعادية للسوريين، وحاول بذلك الفوز في الانتخابات.

لكن “هذه الدعاية لم تنجح، إذ لم يتمكن كمال كليتشدار أوغلو من جمع أي أصوات جديدة أخرى لقاعدة ناخبيه، فيما حصل على نسبة 48 بالمئة التي لم يكسبها لولا هذه الدعاية العنصرية”.

ويدل ما سبق، وفق الباحث التركي على أن “الدعاية العنصرية لها حدود في تركيا، وأنها لا تستطيع تغيير السلوك السياسي لتركيا”.

ويشهد نهج الحكومة التركية في الوقت الحالي تغيرا، ويشير أوزكيزيلجيك إلى أنه “ومنذ إعلان نتائج الانتخابات بدأت تزداد الأصوات ذات النهج العقلاني شيئا فشيئا في المجتمع التركي، جنبا إلى جنب مع المحافظين والمسلمين المخلصين والشخصيات السياسية المعروفة وحتى أبناء الأتراك القوميين”.

وطالبت هذه الأصوات باتخاذ إجراءات حازمة ضد العنصرية في تركيا وضد العنصريين.

كما بدأت وسائل الإعلام الرسمية بالتحدث عن “العنصرية”، في وقت اتجهت المساجد في عموم البلاد لإلقاء خطب شدد فيها الأئمة على أن “العنصرية لا تتوافق مع الإسلام وأنه لا يمكن قبولها في أي حال من الأحوال”.

“أخطر من الحسابات”

وفي أحدث تصريحاته بعد حادثة الاعتداء في طرابزون، قال وزير العدل التركي، تونش إن “تركيا لن تتسامح مع المحرضين على كراهية الأجانب في بلاده”، وأكد أنهم “سيتعاملون بحزم مع من يقومون بنشر الأخبار الكاذبة على شبكات التواصل”.

كما أشار إلى أنهم “يعملون حاليا مع المدعين العامين لفتح تحقيقات بشأن تلك الأفعال”.

وقبله بأسبوع أعلن الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، أن حكومته “لن تسمح بتفشي العنصرية وكراهية الأجانب، وستتخذ الإجراءات اللازمة لحل مشكلة الهجرة غير النظامية”.

واعتبر إردوغان أن “وصمة الاستعمار والعنصرية والفاشية لم تكن موجودة أبدا في أي مرحلة من مراحل التاريخ التركي”، وأن “التاريخ التركي معروف باحتضان جميع من ضاقت بهم السبل دون أي تمييز، من البلقان وحتى القوقاز والعراق وسوريا، وبالتسامح مع الآخرين ومساعدة المحتاجين”.

كما أشار إردوغان قبل عام إلى أن “التضليل عبر وسائل التواصل لم يعد مسألة أمن قومي فحسب بل تعدى ذلك، وبات مشكلة أمن عالمية”.

لكن عدم اتخاذ الحكومة التركية إجراءات صارمة ضد “المحرضين” على وسائل التواصل الاجتماعي، وعلى رأسهم سياسيين بقي مثار انتقاد وتساؤلات حتى الآن.

وتعتبر وسائل التواصل الاجتماعي المسرح الأبرز لحملات الكراهية التي تستهدف اللاجئين السوريين على الخصوص، وبشكل يومي تنشر معلومات وأخبار تحريضية ضدهم.

ويرى الباحث علوش أنه “ربما هناك حسابات مرتبطة بالانتخابات تتداخل مع مقاربة مسألة مكافحة العنصرية”.

لكن “لا يوجد خيار أمام الحكومة التركية سوى التعاطي بشدة مع الظاهرة، وإن كانت هناك أثمان انتخابية”.

ويعتقد علوش أن “تداعيات تنامي العنصرية والكراهية أخطر بكثير على تركيا والرئيس مما قد يتم الحصول عليه من مكتسبات في الانتخابات”.

“تركيا على مستوى الدولة والمجتمع هي دولة مضيافة اتجاه الأجانب والنزعة العنصرية غريبة عموما، والأحزاب السياسية العنصرية التي تغذّيها ليس لها ثقل سياسي”.

ويوضح علوش: “حزب النصر وزعيمه أوزداغ على سبيل المثال لم يستطيع الحصول في الانتخابات الأخيرة على أكثر من 2 بالمئة”، ومع ذلك يشير إلى أن “العنصرية دائما ما تلفت الانتباه بشكل أكبر كونها ظاهرة غير طبيعية”.

“وضع خطر جدا”

وفي مقابل الأصوات “العنصرية”، التي تبث حملات الكراهية ضد الأجانب في البلاد، تواصل شخصيات مقربة من الحزب الحاكم والحكومة التأكيد على أن النقطة التي وصلت إليها البلاد فيما يتعلق بهذه القضية “باتت خطرة جدا”.

وفي مقالة على صحيفة “يني شفق” تحدث ياسين أقطاي، المستشار السابق لرئيس حزب العدالة والتنمية والبرلماني السابق عن “الخطابات والأفعال العنصرية ومنشورات وسائل التواصل الاجتماعي”، وأوضح الأثر السلبي الذي ألقت به على قطاع الاستثمار والسياحة في البلاد.

ويقول أقطاي: “كيف تختلف هذه الخطابات والأفعال العنصرية، التي كلفت تركيا 5 مليارات دولار في بضعة أشهر، عن الأعمال الإرهابية لحزب العمال الكردستاني أو داعش من حيث النية والغرض؟”.

وأضاف متساءلا: “ألم يحن الوقت لجعلهم يدفعون ثمن هذا الضرر عبر القضاء؟ ألا ينبغي للمدعين العامين أن يتخذوا إجراءات بشأن هذه القضية من تلقاء أنفسهم؟ وتشكل هذه الخطابات تهديدا مباشرا للسلم والأمن الداخلي في تركيا”.

وتابع: “ألا ينبغي على وزارة الثقافة والسياحة، باعتبارها الجهة المعنية المباشرة، ووزارة الداخلية، اتخاذ إجراءات بحق مرتكبي هذه الجرائم العنصرية وجرائم الكراهية لأنها تعكر صفو المجتمع وأمنه؟”.

ويعتبر الباحث التركي أوزكيزيلجيك أن “الخطاب المناهض للعنصرية الذي بدأ بالظهور في تركيا ليس إنسانيا بحتا فحسب، بل مرتبط بصورة تركيا على مستوى العالم”.

ويقول إن “الجمهور التركي الذي يتحدث ضد العنصرية يؤكد أن العديد من المحتوى والخطاب يأتي من منظمات إرهابية مثل منظمة غولن، أو حزب العمال الكردستاني، وأنهم يحاولون استخدام هذا المسار، لإضعاف صورة البلاد والدولة التركية”.

كما تتم الإشارة إلى أن “العنصرية تعيق التطلعات الجيوسياسية والجيو اقتصادية التركية وأن الاستثمارات التركية في العالم العربي باتت على المحك”.

وإلى جانب ما سبق، تحدث الباحث عن “خطوات من جانب لوبي السياحي في تركيا، إذ اتخذ إجراءات ضد العنصرية أيضا، لأنه يرى من خلالها تهديدا للقطاع”، مطالبا الحكومة باتخاذ الإجراءات اللازمة.

ورغم أن “المجتمع التركي تأخر في الاستجابة لمواجهة الظاهرة القائمة بسبب فترة الانتخابات”، يضيف أوزكيزيلجيك أن “بدأ الآن بالفعل على أكثر من مستوى”.

“الثقافة والسلوك التركي والمثل التركية والتراث ثقافة ودية لأي أجنبي في تركيا، ولا ينبغي أن نسمح لبعض العنصريين بالسيطرة على صورة البلاد، والسيطرة على الخطاب العام فيما يتعلق بالأجانب واللاجئين والسياح”، حسب تعبير ذات المتحدث.

ضياء عودة : اسطنبول – الحرة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى