الأخبار

إنهاء مهام يونيتامس في السودان وتكهنات عديدة للمستقبل

يفسح قرار مجلس الأمن الدولي بإنهاء مهمة بعثة “يونيتامس” الباب أمام شكل أقوى للوصاية الأممية في ظل الحرب التي يشهدها السودان، والتي تفرض الحاجة لوجود بعثة على الأرض ذات مهام فنية وعسكرية.

العرب اللندنية- أبدت دوائر سودانية قلقها من تبعات إنهاء مهمة بعثة الأمم المتحدة السياسية (يونيتامس)، الأحد، بعد أن صوّت مجلس الأمن الدولي بأغلبية 14 صوتا وامتناع روسيا على ذلك، الجمعة، بناء على طلب من الحكومة السودانية.

وتخشى الدوائر من أن يكون إنهاء قرار التفويض فخا سياسيا يدخل السودان نفقا جديدا، إذا رأت الأمم المتحدة ضرورة تدخلها عسكريا لحفظ الأمن والسلم في البلاد، فلا يزال الصراع بين قوات الجيش والدعم السريع مستمرا بعد نحو ثمانية أشهر من اندلاعه، وعدم وجود بادرة أمل قوية للوساطات والمبادرات توجد حلا لوقف الحرب.

وفتحت موافقة مجلس الأمن على إنهاء مهمة “يونيتامس” الباب للحديث عن استعادة الدور العسكري للبعثة التي سبقتها وعُرفت باسم “يوناميد” في إقليم دارفور، واستمرت نحو 13 عاما وهي تمارس مهامها بالتعاون بين الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي.

ودعا قرار مجلس الأمن الصادر برقم 2715 بعثة “يونيتامس” إلى البدء الفوري بوقف عملياتها ونقل مهامها لوكالات الأمم المتحدة وبرامجها وصناديقها وإنهاء عملية النقل في فبراير المقبل، وتخويلها إنشاء تدابير مالية مع فريق الأمم المتحدة القُطري لتمكين المنظمة الأممية من الإشراف على ما تبقى من أنشطة البعثة.

لم تنه البعثة الأممية كافة مهامها الآن، حيث يستمر فريق تابع للمنظمة الدولية في السودان، ويقوم بتقديم مساعدات إنسانية وتنموية، في ظل وجود حوالي 25 مليون شخصا في حاجة إلى مساعدات، وأبدت الحكومة استعدادا للتعامل في هذا الإطار لإبداء حسن نيتها والإيحاء بأن اعتراضها على البعثة لا يعني اعتراضها على المنظمة الأممية.

ووجهت الخارجية السودانية رسالة إلى مجلس الأمن في نوفمبر الماضي، أكدت عدم حاجتها إلى البعثة وطالبت بإنهاء مهامها بزعم أنها “لا تلبي احتياجات البلاد وأولوياته”.

وأكد المحلل السياسي والحقوقي السوداني حاتم إلياس أن بعثة “يونيتامس” استشارية من قبل الأمم المتحدة لتسهيل عملية الانتقال من الوضع المؤقت إلى تشكيل حكومة مدنية ديمقراطية، بما يسهم في الحفاظ على المكاسب السياسية خلال الفترة الانتقالية، غير أن البعثة واجهت مصاعب في عملها واعتراضات من جانب فلول البشير التي سعت لعرقلة الانتقال واستطاعت النفاذ إلى الكتلة الديمقراطية (الجناح الآخر بقوى الحرية والتغيير) والتي وجّهت سهامها إلى البعثة الأممية.

وأوضح إلياس في تصريح لـ”العرب” أن قيادات وعناصر الكتلة الديمقراطية عمدوا إلى التشكيك في تحركات البعثة السياسية واتهامها بالانحياز لقوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي)، وهي اتهامات لم تكن مسنودة بدلائل، وهدفها تعطيل جهود البعثة في تيسير مهمة الانتقال، ومع اندلاع الحرب لم تعد الأجواء مواتية لاستكمال عملها الذي يستلزم توافر الحد الأدنى من الاستقرار لدعم عملية الانتقال الديمقراطي.

وأشار إلى أن مجلس الأمن والفاعلين الدوليين باتوا على قناعة بعدم الجدوى من بقائها، وأن البعثة استنفدت أغراضها، ولا بد من الانتقال إلى شكل أممي أكثر فاعلية، فطول أمد الحرب يهدد الأمن والسلم الإقليميين، وهو ما دفع إلى تعيين مبعوث لمجلس الأمن وتحويل مهام البعثة إلى وكالات أممية موجودة في السودان.

وذكر لـ”العرب” أن الوضع الحالي مؤقت، ومن المتوقع أن يقوم مجلس الأمن بتشكيل بعثة أممية ذات مهام فنية وعسكرية في السودان، بما يتماشى مع محادثات جدة التي قد تعلن التوصل إلى وقف إطلاق النار قريبا.

ويحتاج أيّ وقف لإطلاق النار ضمانات دولية لمنع انهياره، ويصعب توفير ذلك في غياب قوة عسكرية لها وزنها وسمعتها تمنع عودة الاشتباك بين الطرفين المتصارعين، وأثبتت خبرة الهدنات المؤقتة وانهيارها الحاجة الملحة إلى قوة تفصل بينهما.

وشدد إلياس على أن تحقيق سلام بين الأطراف المتنازعة في حاجة إلى غطاء أممي ومؤسساتي على الأرض، ما يشير إلى عدم استبعاد تعيين بعثة أممية جديدة تحت الفصل السابع المعنى بتدابير الأمم المتحدة لحماية السلم والأمن الدوليين، وذلك بالشراكة مع مجلس الأمن والاتحاد الأفريقي.

وحملت خطوة مجلس الأمن الأخيرة رسالة تنطوي على إشارة بانتقاله إلى وضع آلية تركز أكثر على الجوانب السياسية والعسكرية، حيث أعلن التزامه بسيادة السودان ووحدته واستقلاله وسلامة أراضيه، والقلق من تزايد تدهور الأوضاع الإنسانية.

ويقول مراقبون إن قرار مجلس الأمن لا يستبعد الاتجاه نحو وضع السودان تحت الفصل السابع، في ظل تزايد الانتهاكات في البلاد مع استمرار الصراع بين قوات الجيش والدعم السريع، وأشارت إليها جهات دولية عديدة وحذرت من تبعاتها.

ويضيف المراقبون أن تفويض بعثة الأمم المتحدة في السودان وتوزيع مهامها على الوكالات الأخرى ربما يتيح وصاية أممية أقوى، ويوفر فرصة لتضييق الخناق على قائد الجيش الذي لم يكن مرحبا ببعثة “يونيتامس” منذ تشكيلها، واعتبرها أداة تعمل لصالح القوى المدنية، وهو ما ظهر في اتهام رئيس البعثة الأممية فولكر بيرتس بالانحياز إلى قوى الحرية والتغيير، وأن الاتفاق الإطاري بين المدنيين والجيش جاء لصالح الفريق الأول.

ويؤكد خبراء قانون أن الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة يختص بتبني تدابير عسكرية، ويتيح المجال لفرض عقوبات وإصدار أوامر بإلقاء القبض على مرتكبي الانتهاكات والداعين إلى استمرار الحرب وإحالتهم إلى المحكمة الجنائية أو محاكم خاصة ومختلطة.

وأصدر مجلس الأمن قرارا في يونيو 2020 بإنشاء بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لمساعدة الانتقال في السودان (يونيتامس) استجابة لطلب قدمه رئيس الحكومة الانتقالية السابق عبدالله حمدوك بموجب الفصل السادس بهدف مساعدة السودان على الانتقال الديمقراطي وتحقيق السلام، وبعد طلب الخرطوم إنهاء مهمة البعثة قدم حمدوك خطابا ثانيا مؤخرا وهو على رأس تحالف “تقدم” ناشد فيه الأمم المتحدة باستمرار بعثتها.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى