آراء المحللين عن تبرؤ وزراء الخارجية عن البيان الختامي للايقاد
تقرير : اشرف عبدالعزيز
أثارت تحفظات وزارة الخارجية السودانية حيال البيان الختامي لقمة (ايقاد) الجدل واسعاً، وقطب كل من قرأ ملاحظات الخارجية على مخرجات قمة (إيقاد) الطارئة حاجب الدهشة وربما سأل نفسه باستغراب وإندهاش ألم يكن رئيس المجلس السيادي الفريق أول عبدالفتاح البرهان حضوراً وكذلك وزير الخارجية علي الصادق ؟
والإجابة على هذا السؤال يفسرها حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي الذي قال في لقاء صحفي بفندق (ريدسون بلو) نهاية نوفمبر الماضي إن ” جولات البرهان الأفريقية تهدف إلى تعزيز دور الإتحاد الأفريقي والإيقاد في مساعي حل النزاع السوداني” وتؤكد تصريحات مناوي دعوة البرهان لدى زيارته جيبوتي مؤخراً رئيس جيبوتي ودورة (الإيقاد) لعقد قمة طارئة للأزمة السودانية.
مخرجات القمة :
أكدت القمة التي التأمت السبت في جيبوتي لبحث الأزمة في السودان، في بيانها الختامي، السعي إلى اتفاق وقف إطلاق نار، واتفاق طرفي الأزمة السودانية (الجيش والدعم السريع) على الاجتماع خلال 15 يوماً من أجل تهيئة الظروف اللازمة لسلسلة من إجراءات بناء الثقة بين الطرفين، وتمهيد الطريق أمام العملية السياسية.
بيان الخارجية:
بعد ساعات من صدور البيان الختامي، قالت وزارة الخارجية إن ما صدر من بيان لا يعد وثيقة قانونية لايقاد وأنه إفتقر للتوافق حيث لم يتم تضمين ملحوظات السودان المتمثلة في حذف الإشارة إلى مشاركة وزير الدولة بوزارة الخارجية الاماراتية في القمة، وأن ذلك لم يحدث.
وأفاد بيان الخارجية أن ” الرئيس – البرهان- اشترط لعقد مثل هذا اللقاء إقرار وقف دائم لإطلاق النار، وخروج قوات التمرد من العاصمة وتجميعها في مناطق خارجها.
قمة الدهشة:
المحلل السياسي محمد لطيف قال لـ(راديو دبنقا) معلقاً على ملاحظات الخارجية قال : “في الحقيقة إطلعت على بيان الخارجية وأنا في قمة الدهشة، فقد جاء متناقضاً، ويخلو من الدبلوماسية” وأضاف كلنا نعلم أن هذه القمة جاءت بطلب من السودان، بعد زيارة البرهان لنيروبي، رغم كل الحملة التي أثيرت ضد رئاسة كينيا للجنة الرباعية، والبيان المشترك الذي صدر من الرئيسين تحدث عن أنهما اتفقا على بذل جهود عبر الإيقاد للوصول إلى حلول للأزمة السودانية ، وبالتالي عندما تطلب من جهة ما لتقوم بدور الوساطة، لابد أن تأخذ في اعتبارك أن هذه الوساطة يجب أن تكون على صلة بالطرفين، ولا يمكن أن تفترض أن النقاش سيكون معك أنت كطرف من أطراف الأزمة بدون وجود للطرف الآخر”، وأردف كان من المفترض أن تنظر وزارة الخارجية أو حكومة السودان لهذه القمة على أنها تعكس نوع من الجدية من رؤساء الإيقاد في التعامل مع المشهد السوداني لذلك حرصوا على جلب كل الأطراف إلى منصة القمة، وهذا يفسر وجود وزير الدولة بخارجية الإمارات، خاصةً والسودان ظل طوال الأشهر الماضية يوجه إتهامات مباشرة وغير مباشرة لدولة الإمارات العربية المتحدة بأنها تدعم الدعم السريع، وكنت أتوقع ترحيب من الخارجية السودانية بوجود ممثل لدولة الإمارات بإعتباره – بحسب ما تدعيه الحكومة السودانية- متورط في هذه الأزمة.
الطرف الآخر للأزمة:
أبدى محمد لطيف إندهاشه للمرة الثانية وقال : “لا أتصور أن تتحفظ الخارجية السودانية على خطوة إيقاد بدعوة ممثلين للدعم السريع للتشاور معهم، بينما هم أساساً يمثلون الطرف الآخر في الأزمة” و(تابع) بمجرد ذهابك إلى نيروبي وطلبك بتدخل إيقاد، يجب أن تعرف أن هذه الوساطة ستدخل وسيطاً بين طرفين، أنت والطرف الآخر، بالتالي لابد أن تضع في اعتبارك أن الطرف الآخر سيكون موجوداً، وأن الوساطة يجب أن تتشاور معه وتصل معه إلى تفاهمات حول القضية، لذلك يتضح أن الموقف مربك بشكل كامل، ويوضح أن للخارجية السودانية سطوراً يجب أن تقرأ بصورة مختلفة.
تهرب من الوساطة:
وحول ما إذا كانت ملاحظات الخارجية على بيان الإيقاد تهرباً من وساطتها قال لطيف : “لا يمكن أن تطلب وساطة، وتفرض شروط على الوسيط” وتساءل وماهي الشروط؟ وأجاب أن تمنعه من الإتصال بالطرف الآخر الذي تطلب التوسط بينك وبينه. هذا ليس له أي تفسير سوى أنها محاولة لشراء وقت.
و(واصل) من متابعتنا للسياسة العالمية شاهدنا جهات عديدة تحاول شراء الوقت، ولكن الأزمة الحقيقية هنا، ما الذي تستفيده من شراء هذا الوقت؟ فالواقع اليوم، أنك كرئيس أمر واقع على السودان كل يوم أنت تخسر على المستوى العسكري وعلى المستوى الاقتصادي وعلى المستوى السياسي على المستوى الأمني وعلى المستوى البشري، فما الذي ستفعله بهذا الوقت الذي تحاول أن تشتريه بهذه الخطوة؟!
سيطرة الوطني على الخارجية:
جزم المحلل السياسي محمد لطيف بسيطرة حزب المؤتمر الوطني على كل مفاصل الدولة وأكد ذلك خلال حديثه لـ(دبنقا) بقوله: ” أنا لا أعتقد، بل أجزم، بل كل مفاصل الدولة الآن تقع تحت سيطرة منسوبي المؤتمر الوطني، أو من لهم علاقة به بشكل أو بآخر”. وأردف حينما تعمل على تعطيل مساعي الحل السلمي، وفي نفس الوقت تدعم مجهودات الحرب، هذان وجهان لعملة واحدة. وزاد نفس الجهة التي تحرض على استمرار الحرب وتمارس التحشيد والتجنيد، وتبث خطاب الكراهية والتصعيد الإعلامي والتصعيد السياسي، هي ذات الجهة التي تعطل أي جهود للوصول إلى حل سلمي..من الواضح أن أمام المؤتمر الوطني أو الحركة الإسلامية – سمها ما شئت- أمامها خيار واحد فقط، وهو أن تستمر هذه الحرب حتى تجد موطئ قدم في المشهد السياسي القادم.
ورأي لطيف أن رفض السودان لبيان (الإيقاد) ليس هو نهاية الأمر، فالإيقاد كمؤسسة موجودة، والتزامات قيادتها تجاه السودان وتجاه الشعب السوداني وتجاه السلم والأمن الإقليميين تظل قائمة، و(تابع) محاضر الجلسة المغلقة موجودة، والتزامات السودان موجودة. وقال : ” للمعلومية (الإيقاد) اتجهت لتعيين مبعوثها الخاص لملف السودان، وتم ترشيح ثلاثة أشخاص من ثلاثة دول هي جيبوتي وإثيوبيا وجنوب السودان، والأوفر حظاً هو أحد المستشارين القانونيين للرئيس سلفاكير ميارديت، إذاً يقرأ من ذلك أن الإيقاد ماضية في تنفيذ مخرجات القمة الطارئة التي انعقدت بجيبوتي، وربما تدخل في مفاوضات ثنائية لإقناع السودان بتغيير موقفه والعودة إلى مسار الحل السلمي.. وهذا لا يعني أن لا يكون الموقف مفتوح على كل الإحتمالات.
خروج عن الأعراف الدبلوماسية:
من جهته إعتبر السفير الصادق المقلي ما حدث بأنه خروج على كل الأعراف الدبلوماسية المتعارف عليها في المحافل الدولية، وقال في مقابلة مع (راديو دبنقا):” يجب أن نذكر أن هذه القمة لم تكن قمة عادية وعُقِدت بناءً على طلب من الرئيس البرهان خلال زيارته الأخيرة لجيبوتي”.
وأضاف المقلي عادةً، في مثل هذه القمم، يُسمَح للرؤساء بالمغادرة قبل صدور البيان الختامي بسبب ظروف قاهرة أو أي ظرف مستعصٍ، ولكن غالباً ما يظل الوزير أو السفير الموجود في الدولة المضيفة للاطلاع على البيان في صيغته النهائية وتقديم أي ملاحظة أو التشاور ، إذا كانت الدولة الداعية للقمة تود أن تُقدِّم أي ملاحظات وبعد ذلك، يتم إرسالها للسكرتارية التنفيذية للقمة قبل إجازتها بالصيغة النهائية، ويمكن عرض البيان على رئيس الدولة المستضيفة.
و(تابع) السفير حديثه لـ(دبنقا) قائلاً : “يُعَدُّ الخطأ الذي أُرتُكِبَ هنا هو أن الوزير والسفير لم يكونا حاضرين في جيبوتي لصياغة البيان في صيغته النهائية وتقديم أي تحفظات بالتشاور مع العاصمة”. واردف هذه سقطة للدبلوماسية السودانية من المفترض أن يُعَبِّر الوزير عن تحفظاته في الوقت المناسب، بدلاً من الانتظار حتى يصل للسودان ليُعبِّر عنها.
وزاد في أسوأ الحالات، يمكن تقديم الاعتراض عبر القنوات الدبلوماسية، مثل إرسال مذكرة لرئيس الدولة المضيفة للقمة بدلاً من أن يتم عرضه في وسائل الإعلام بهذه الصورة التي تسهم تعقيد الأمور بدلاً من معالجتها.
وقال المقلي : “أنا ممتن جداً للوزير كمال إسماعيل، إذ أنه إسلامي وكان وزير الدولة في وزارة الخارجية ومع ذلك قدم تعليقًا موضوعياً حول هذا الموضوع، أُظهِرَ لنا تجربته في القمة الإفريقية التي ناقشت انسحاب الاتحاد الأفريقي من المحكمة الجنائية الدولية” . وأضاف في تعليقه، تحدث عن كيفية تعاونه مع السفير في صياغة البيان والتشاور مع بقية الأعضاء. هذا ما لم يحدث في قمة جيبوتي، فعلى وزارة الخارجية والوفد السوداني أن يتبعوا نفس الإجراءات المحترفة. و(تابع) هناك دائماً فرصة للتعبير عن الاعتراضات في الوقت المناسب، ويمكن أن يتم ذلك عن طريق إرسال مذكرة لرئيس الدولة المضيفة للقمة.
و(واصل) نفس الخطأ وقعت فيه وزارة الخارجية حين اعترضت على اللجنة الرباعية للإيقاد ، وأبدت اعتراضها الرئاسة الكينية بعد وصولها للسودان.. وحصل ما حصل من حرج، وحسناً فعل الرئيس البرهان بمحاولته لتجاوز الموضوع ، ولكن تكرر الخطأ بأن طلبت الخارجية السودانية إلغاء الرباعية، فأصبحت كالمستجير من الرمضاء بالنار، بدل أن تكون رباعية أصبحت خمسينية فاللجنة التي خرجت بها هذه القمة ضمت كل المجتمع الدولي بما فيها روسيا التي ولأول مرة تشترك في لجنة بشكل فعلي.
وقال المقلي : ” طلب وزارة الخارجية لتقليص التدخل الأجنبي كان خاطئاً وزاد من حجم التدخل بدلاً من الحد منه ، وهذا يعتبر ضعفاً كبيراً في الدبلوماسية”. وأضاف وزارة الخارجية لديها الحق في كل التحفظات التي طرحتها في بيانها، لكن تم ذلك بسيناريو خطأ ويجب على وزارة الخارجية أن تظهر التحفظات التي لديها بشكل ملائم ومهني، ومن الأفضل تطبيق الإعتراضات عبر القنوات الدبلوماسية المناسبة، مثل إرسال مذكرة للجهة المعنية بدلاً من الإعلان العلني عنها.