العرب اللندنية : هل يدفع البرهان ثمن التصعيد السياسي مع تشاد
الخرطوم – فتحت تجاذبات بين السودان وتشاد بابا يمكن أن يُضاعف التعقيدات الخارجية التي يواجهها قائد الجيش السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان، والتي تضاف إلى تعقيدات داخلية متراكمة بسبب الصراع مع قوات الدعم السريع، حيث يؤثر شكل العلاقات بين البلدين على حالتيْ الهدوء والتوتر في المناطق الحدودية.
اتخذت الخرطوم الأحد إجراء دبلوماسيا في مواجهة نجامينا التي طلبت السبت مغادرة المستشار الأول في السفارة السودانية مختار بلال عبدالسلام العباس، والملحق العسكري عبدالرحيم العوض التوم، والقنصل في نجامينا الحاج عبدالله الحاج أحمد، ونائب القنصل العام المقيم في أبشي محمد الحاج بخيت فرح.
وذكرت وكالة الأنباء السودانية الرسمية الأحد أن السودان أمر ثلاثة دبلوماسيين من تشاد بمغادرة البلاد خلال 72 ساعة، واصفا إياهم بأنهم “أشخاص غير مرغوب فيهم”.
فسّر متابعون اتهام العطا وإعادة تكراره على لسان الصادق وصمت البرهان على أنه حيلة من قبلهم لتحميل تشاد مسؤولية تفوق قوات الدعم السريع في إقليم دارفور، ونزع الانتصارات التي تحققت عن قيادتها، وتبرير تقاعس الجيش عن المواجهة والانكسارات التي واجهتها وحداته، ووصلت إلى حد استسلامها بلا قتال.
ويكشف خروج التوتر بين الخرطوم ونجامينا إلى العلن عن عدم قدرة الأخيرة على تحمّل الاتهامات التي يمكن أن تفضي إلى إحراجها إقليميا إذا صمتت عليها طويلا.
ما أن الخلاف باتت معه مسألة الاحتواء عصية وقد يستخدم كل طرف أدواته لإزعاج الآخر عبر الحدود المشتركة والحرب بالوكالة التي سادت سنوات طويلة بين البلدين.
وتمركزت في المناطق الحدودية الرخوة قوات للمعارضة المسلحة في البلدين، شنت منها عمليات عسكرية على قوات حكومية، وبعد اندلاع الحرب بين الجيش السوداني والدعم السريع وتحول دارفور إلى ساحة حرب مهمة حدث تغير في المعادلة.
وأكد المحلل السياسي السوداني محمد تورشين لـ”العرب” أن “التوتر بين البلدين كان متوقعا وهناك مؤشرات عديدة ظهرت ملامحها خلال الفترة الماضية مهدت الطريق للوصول إلى هذه النقطة، والمثير في الأمر أن الدولة التي تتهم دولة أخرى بالتدخل في شؤونها هي التي تبادر بطلب الاعتذار ثم تتخذ إجراء دبلوماسيا خشنا”.ولا حظ متابعون للتوتر أن السودان لم يطلب اعتذارا من تشاد وأصر على تثبيت الاتهامات بلا خط للرجعة، ما يعني أنه لم يستهدف ثني نجامينا عن وقف الدعم العسكري والرجوع إلى تفاهمات سابقة بشأن عدم التدخل في شؤون الآخر، إذا صحت بالطبع الاتهامات الموجهة إليها، وبدا هدف المسؤولين حشر تشاد في الزاوي
وتدعم هذه النتيجة رغبة قائد الجيش السوداني في التصعيد مع تشاد، كما حدث من قبل مع كل من كينيا وإثيوبيا، لكن مع نجامينا يمكن أن يستغرق التوتر وقتا أطول، فتشاد ليس لها دور مباشر في مصالحة ولم تطلق مبادرات وليست على صلة بالهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد) التي أعلنت عن خارطة طريق لوقف الحرب تحظى بدعم العديد من القوى الإقليمية والدولية.
وذكر محمد تورشين لـ”العرب” أن “النص الفرنسي لقرار تشاد يبدو أقرب إلى الإعلان عن غلق السفارة السودانية في نجامينا”، مضيفا “لا أستبعد أن تصل العلاقات إلى مستوى القطيعة الكاملة في الفترة المقبلة”.
وحققت قوات الدعم السريع انتصارات عسكرية مكنتها من السيطرة على أجزاء كبيرة من إقليم دارفور، ولم تعد غالبية الحركات المسلحة التي حصلت على دعم من تشاد في أوقات سابقة على درجة من التماسك تساعدها على التأثير في مجريات الحرب بين الطرفين، فضلا عن ميل بعضها إلى خيار عدم الانحياز إلى أحدهما (الجيش وقوات الدعم السريع)، وانضمام آخرين سياسيا إلى الدعم السريع.
وينهي التصعيد الدبلوماسي بين السودان وتشاد هدوءا ساد بينهما منذ اندلاع الحرب في الخرطوم منتصف أبريل الماضي، بعد أن تحملت نجامينا عبئا كبيرا في عملية استيعاب مئات الآلاف من اللاجئين إلى الأراضي التشادية الذين فروا من الحرب وتداعياتها.
وأوضح محمد تورشين لـ”العرب” أن “تأثير التجاذبات الدبلوماسية لن يكون أسوأ مما هو حاصل بين البلدين، فهناك مساعدات تتحصل عليها قوات الدعم السريع عبر الحدود المشتركة المفتوحة أسفرت عن توترات داخل تشاد نفسها، فثمّة فريق يرى ضرورة حيوية في مساندة قوات الدعم السريع لأسباب متباينة، وفريق آخر يرفض خوفا من ارتدادات ذلك مستقبلا على الداخل التشادي وتحركات المعارضة المسلحة ويرى أن الحياد أفضل طريق تسلكه نجامينا”.
وأدى التناقض بين هاتين الرؤيتين إلى صعود وهبوط في درجة ما تتحصل عليه قوات الدعم السريع من تشاد، وقلل من فكرة حصولها على دعم رسمي ومباشر من الحكومة، فالسيولة التي تعج بها الحدود توفر فرصة لتأويلات متعارضة.
واتهام السودانِ تشادَ بالتدخل يُوجِد مبررات لمساندة قوات الدعم السريع لوجستيّا دون الحاجة إلى اتهام أي طرف ثالث، خاصة أن وجود عناصر الجيش السوداني في دارفور الملاصق لحدود تشاد لم يعد ملموسا بعد انتصارات أحرزتها قوات الدعم السريع على وحدات رئيسية تابعة للجيش في ولايات الإقليم المختلفة.
وجاء تصعيد تشاد تجاه السودان عقب إبعاد الخرطوم 15 دبلوماسيا إماراتيا وبعد إعلان الإمارات عدم رغبتها في وجود ثلاثة دبلوماسيين سودانيين على أراضيها.
استدعت وزارة الخارجية في تشاد، قبل القيام بعملية طرد الدبلوماسيين الأربعة، السفير السوداني عثمان محمد يونس وطالبته بالاعتذار عن تصريحات ياسر العطا وإلا ستتخذ الإجراء المناسب، لكن وزير خارجية السودان رفض تقديم اعتذار وتمسّك بما ورد في حديثه، وقال إنهم سلموا تشاد معلومات تثبت صحة التصريحات (الاتهامات).