الأقتصاد

ضعف التمويل وتوسع الحرب يهدد زراعة القمح في السودان

لم يتبق للسودانيين أمل في الخروج من دائرة الفقر سوى الإيفاء بمتطلبات الموسم الزراعي الشتوي، لمعالجة بعض إشكاليات نقص الغذاء في السودان والإيفاء بسداد المزارعين المعسرين مديونياتهم السابقة.

ورغم أن وزارة المالية والبنك الزراعي التزما بتمويل الموسم الشتوي أواخر شهر نوفمبر/تشرين الثاني المنصرم، إلا أن مزارعين أكدوا لـ”لعربي الجديد” عدم التزام الحكومة بالتمويل، وقالوا إن ذلك يعني فشل الموسم، خاصة أنهم حددوا يوم 20 فبراير/شباط من العام المقبل كآخر يوم للتحضيرات للموسم الشتوي.

وقررت الحكومة في السودان زراعة مليون و80 ألف فدان في ولايات الجزيرة والشمالية ونهر النيل والنيل الأبيض، ورصدت حوالى 359 ملياراً لزراعة المحاصيل الشتوية، بالتركيز على زراعة القمح.

وشكك مزارعون في المساحة المزروعة لهذا العام، التي أعلنتها الحكومة، وقال المزارع عبد الله سيف الدين لـ”لعربي الجديد” إنه تم استبعاد مساحات كبيرة بمشروع الجزيرة في القسم الشمالي والشمالي الغربي لمشروع الجزيرة عن خريطة الموسم، بسبب توغل بعض عناصر الدعم السريع شمال المشروع.

السودان وصعوبات في توفير التمويل اللازم
وحمل سيف الدين الأجهزة الحكومية بتغييب الحقيقة عن الجميع، وأشار إلى أن فشل الموسم الشتوي مؤكد بنسبة كبيرة لعدم التزام وزارة المالية والبنك الزراعي بالتمويل. وقال: “الحقيقة الواضحة أن خزانة الدولة خاوية رغم وعود وزير المالية جبريل إبراهيم”.

وأضافك “ما يؤكد ذلك هو تباطؤ الوزير في التصديق بمبالغ التمويل طرف البنك الزراعي وعدم تسريع الإجراءات للحيلولة دون فشل الموسم”.

ويقول المزارع إسماعيل يحيى إن آخر يوم لإكمال التحضيرات الشتوية فبراير المقبل، حيث إن الزراعة بعد هذا التوقيت تعني فشل الموسم، وخاصة موسم زراعة القمح.

ورغم تأكيد وزارة الري في السودان على لسان المهندس ضو البيت محمد عبد الرحمن، وزير الري والموارد المائية المكلف، استعداد وزارته لري مليون فدان في العروة الشتوية، إلا أن عمليات نظافة الترع بالمشروع الأكبر في الجزيرة تعاني من انعدام المياه.

فيما يقول عمر محمد مرزوق، محافظ مشروع الجزيرة، في تصريحات صحافية، إن إدارة مشروع الجزيرة مستعدة لتوفير التقاوي المحسنة من القمح، لزراعة أكثر من 300 ألف فدان في مشروع الجزيرة

وبحسب توصية هيئة البحوث الزراعية في السودان، يقول الخبير الزراعي محمد عبد الله لـ”لعربي الجديد” إن زراعة المحاصيل الشتوية تكون قبل يوم 26 نوفمبر كحد أقصي، حيث إن أي تأخير يسبب خللاً. وأضاف موضحاً: “الآن الحرارة بدأت تنخفض، والمحاصيل تحتاج للحرارة في بداية الإنبات وفي نفس الوقت تحتاج للبرودة في مرحلة الأزهار، وإذا تأخرت الزراعة فسيكون الإنبات بطيئا”.

وإضافة إلى تعرض النبات في نهاية الشتاء إلى إنهاك بسبب ارتفاع درجات الحرارة، يكون ذلك خصما من الإنتاج، لذلك لجأ الكثيرون سابقا للتمويل الذاتي من السوق، كسبا للوقت، وبعيدا عن سياسية البنك الزراعي، كما أن معظم هؤلاء استبدلوا زراعة القمح بمحصولات أخرى.

ولكن المزارع عثمان إبراهيم يقول: “هذا العام تأخر التمويل من جانب البنك الزراعي، ولكن رغم ذلك يطارد البنك المزارعين لسداد ما عليهم من ديون من الموسم الماضي”.

وأكد أنهم لا يرفضون حق البنك في استرجاع أمواله، ولكن كان من المفترض أن تمهل إدارة البنك المزارع ليلتقط أنفاسه قليلا، أو تلجأ لتقسيط مبالغ السداد، علما أن المزارع في كل الأعوام الماضية كان يقوم بالسداد في الموعد. وتساءل: “لماذا لا يتحمل البنك في ظل الظروف التي تمر بالبلاد؟”

وقال أيضاً: “ظللنا منذ فترة في تحرك ومتابعة مع الحكومة لحلحلة إشكاليات الموسم، ولكن للأسف من دون جدوى، بل فوجئنا بأمر طوارئ لتحصيل رسوم الإدارة والري، ومن لا يدفع يعرض نفسه للسجن أو الغرامة”.

وأضاف: “رغم عدم انسياب المياه بصورة طبيعية في مشروع الجزيرة، وصعوبة فتح القنوات، إلا أن وزارة الري حددت الرسوم بمقدار 10 آلاف جنيه للفدان، وهو مبلغ كبير طالبنا بتخفيضه لأنه أصلا لم تكن هناك أعمال للري في العروة الصيفية. ولكن كان رد الوزارة بأنهم طالبوا بمبلغ أكبر، ولكن تم الاكتفاء بالمبلغ الحالي. ويضاف ذلك إلى ارتفاع أسعار المدخلات للفدان، والتي تصل إلى 230 ألف جنيه، وأضف إلى ذلك تكلفة بقية العمليات والحصاد”.

أما مقرر تجمع مزارعي الجزيرة مصطفى الطريفي فقال إن مواقيت الزراعة دخلت في الوقت الحرج في ظل وجود عقبات كثيرة في التمويل والري. وأضاف: “الوضع حاليا كارثي مقارنة بالمواسم السابقة، حيث كانت الزراعة الشتوية في هذا التوقيت في الرية الأولي”. ورأى الطريفي أن الظروف الاستثنائية تتطلب وضع حلول عاجلة من قبل اللجنة العليا، لإنجاح الموسم الزراعي، والبنك الزراعي وإدارة مشروع الجزيرة.

وأشار الطريفي إلى أن مشكلة التمويل أسبابها تراكمية منذ العهد السابق، حيث مول البنك الزراعي مجموعة من كبار المزارعين، حوالى 35 مزارعاً، بمبالغ ضخمة، أقل مزارع منهم 200 ألف جنيه وأكثرهم 600 ألف جنيه، ولكن للأسف لم يوف المزارعون بالسداد، وكانت هذه المبالغ كبيرة جدا في ذلك التاريخ.

وقال: “هذه الحادثة أضاعت الثقة بين البنك الزراعي والمزارعين، رغم أن صغار المزارعين ملتزمون بالسداد، إلا أن إدارة البنك شددت الإجراءات وبالتالي تضرر صغار المزارعين .

ووصف الطريفي المبالغ التي حددها البنك كأسعار للمدخلات بالخرافية، حيث كانت 38 ألف جنيه للسماد و45 ألف جنيه للداب، وكذلك كان الحال مع أسعار التقاوي، التي حددتها إدارة المشروع بحوالى 55 ألف جنيه. وأضاف أن قطاعات كبيرة من المزارعين عزفت عن الزراعة، مشيراً إلى أن ذلك يهدد الأمن الغذائي في البلاد في ظل ظروف الحرب.

وتوقع مصطفى فشل وزارة الري في الإيفاء بالتزاماتها تجاه ري مليون فدان، وقال إن الري به مشاكل كبيرة في الترع والقنوات.

وعلى الرغم من التقصير والاتهامات التي ساقها المزارعون ضد البنك الزراعي في السودان وتقصيره في التمويل، إلا أن البنك قال إنه ملتزم بتمويل مساحة 300 ألف فدان بمشروع الجزيرة من القمح.

ونفى نائب المدير العام للبنك الزراعي عز الدين فقيري الاتهامات التي طاولت البنك بالنكوص عن التمويل، وقال إن البنك لم يغفل الاهتمام بالموسم الشتوي، الذي من المقرر أن تجرى فيه زراعة مليون و80 ألف فدان في الجزيرة وحلفا والشمالية ونهر النيل والنيل الأبيض، وأكد التزامهم بتمويل العروة الشتوية. وأشار أيضاً إلى أن جملة التمويل 359 مليار جنيه سوداني، حتى اكتمال عمليات زراعة القمح والمحاصيل الأخرى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى