ماوراء اتفاقات التعايش بين بعض المناطق والدعم السريع
ظلت الإدارات الأهلية في السودان تقوم بدور مزدوج، فهي من ناحية حارسة للمجتمع المحلي وحقوقه ومتطلباته، تخاطب السلطة من أجل تلبية حاجاته، ومن ناحية أخرى أداة للسلطة يستخدمها الحاكم لإدارة شؤون هذه المجتمعات عبر قاعدتها القبلية أو الإثنية للوفاء بالتزاماتها المالية والضريبية تجاه السلطة في المركز، وفي بعض الأحيان تسهم في حل النزاعات القبلية.
بعد بداية الفترة الانتقالية بموجب الوثيقة الدستورية التي وقعت في الـ17 من أغسطس (آب) 2019، أعلن وفد الإدارات الأهلية بولاية النيل الأبيض عن مبايعته قائد قوات “الدعم السريع”، وذكر ممثل الوفد نصر الدين العبيد تقديم “الدعم السريع” الخدمات لمواطني الولاية، فيما رأى آخرون أن حميدتي يلعب بورقة الإدارة الأهلية في النيل الأبيض بعدما جاءت نتيجة تحركاته في شرق السودان لاستجداء الدعم على عكس ما يرغب.
ومنذ ذلك الوقت، كان المجلس العسكري، ممثلاً في القائد العام للجيش عبدالفتاح البرهان، ونائبه قائد قوات “الدعم السريع”، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، يحاول احتواء الإدارات الأهلية والاستعانة بها كحاضنة سياسية لتثبيت السلطة العسكرية.
دعم معلن
في موسم السيول والأمطار في أغسطس 2022، سيرت “الدعم السريع” قوافل إلى المناطق المتضررة والمتأثرة بالسيول والفيضانات وركزت على المناطق الأكثر تضرراً في ولاية الجزيرة مثل محلية المناقل فعملت على دعم وإسناد المتضررين من السيول والأمطار بتوجيه من حميدتي، مثلما فعلت في الموسم السابق.
ومن ضمن مظاهر الدعم المعلن أيضاً، عقد مجلس الإدارة الأهلية بولاية الجزيرة اجتماعاً في فبراير (شباط) 2022، بحضور مشايخ القبائل على مستوى الأمراء والنظار والشرتاي والعمد “من أجل دعم الفترة الانتقالية والتحول الديمقراطي بالبلاد للوصول لانتخابات حرة نزيهة”.
وبعد الخلاف بين قائد المجلس العسكري ونائبه، ثم اندلاع الحرب توزع ولاء الإدارات الأهلية بين داعم للقوات المسلحة وموال لـ”الدعم السريع”. ومن ثم اشتعل التنافس بينهما على جذب ولاء هذه الإدارات والمجتمعات المحلية، فبينما درجت قيادة الجيش على نشر فيديوهات توضح التفاف السكان حولها ودعمها معنوياً، ذخرت صفحات “الدعم السريع” على وسائل التواصل الاجتماعي بأخبار ومقاطع فيديو عن توزيع الدعم الغذائي والصحي والمادي للأهالي. ومنها ما نشر عن توجيه قائد قوات “الدعم السريع” محمد حمدان دقلو (حميدتي) بتوفير ماكينات غسل الكلى بعدد من قرى الجزيرة.
حرية الاختيار
خلال الأشهر التي تلت اندلاع الحرب تقلبت الإدارات الأهلية بين دعم الجيش و”الدعم السريع”، وبدأت بعضها بتأييد الجيش، وقد أعلن ناظر نظارة الشكرية بولاية القضارف الشيخ أحمد أبو سن، تأييد الإدارات المحلية في ولاية الجزيرة مبادرة نظارة الجعليين في ولاية نهر النيل، من خلال تقديم الدعم المادي والبشري للقوات المسلحة.
وسعى وكيل ناظر عموم قبائل الجعليين في السودان، محمد إبراهيم حاج محمد ود البي إلى توحيد الإدارات المحلية
دعم مبادرة نظارة الجعليين، من خلال زيارة نفذها لهذا الغرض في سبتمبر (أيلول) الماضي.
سن قانون الإدارة الأهلية أثناء فترة الاستعمار البريطاني خلال عشرينيات القرن الماضي عام 1922، وظلت الإدارة الأهلية تعمل به حتى استقلال السودان عام 1956. ومع نشوب ثورة أكتوبر (تشرين الأول) 1964 كانت الإدارة الأهلية من ضمن الأشياء التي أوصي بتغييرها ولكنها استمرت حتى انقلاب جعفر النميري عام 1969، الذي ألغاها مباشرة عام 1970 ووصفها نظامه بأنها “الحارس الأمين للتخلف والتبعية”.
ومع ذلك استمر العمل بها في بعض أقاليم السودان الطرفية مثل إقليم دارفور، ثم أيقظها رئيس الوزراء الأسبق الصادق المهدي بعد سقوط النميري عام 1985 لدعمه في الانتخابات، وبثت فيها الروح من جديد في عهد نظام عمر البشير.
ويتكون هيكل الإدارة الأهلية في السودان من ثلاثة مستويات مهمة، الأول ناظر القبيلة أو السلطان، أو “مك العموم”، ويمثل كل منهم القائد والزعيم الروحي للقبيلة، وعلى هذا الأساس تختاره الحكومة، والشخصية الثانية هي العمدة أو “المك” أو “الشرتاي”، أما الثالثة فهم شيوخ القرى. ولكل من هذه الشخصيات الاعتبارية مهام محددة تتسع وتضيق بحسب موقعها والمناطق التي تمثلها.