السودان تصاعد حملات الاستنفار والتسليح في صفوف الشعب
خففت الحكومة السودانية أمس الأحد من الحدة التي قطع بها رئيس مجلس السيادة الانتقالي قائد الجيش عبدالفتاح البرهان ألا تفاوض أو اتفاق مع قوات “الدعم السريع” بالعودة لإعلان رهن استئناف التفاوض بالتنفيذ الكامل لالتزامات اتفاق جدة الأول. يأتي ذلك في وقت شهدت فيه حدة المعارك والمواجهات بين الجيش و”الدعم السريع” تراجعاً نسبياً في الخرطوم عما كانت عليه خلال الأسبوع الماضي في مقابل تصاعد وتيرة الاستنفار والتعبئة وتسليح المقاومة الشعبية بالولايات.
شروط مشددة
وشدد بيان لوزارة الخارجية السودانية على أن الدخول في أية مفاوضات جديدة مع “الدعم السريع” مرهون بتنفيذ كامل التزامات منبر جدة التي توصل إليها في مايو (أيار) الماضي بالخروج من منازل المواطنين والأعيان المدنية وإخلاء المدن والقرى كشرط ضروري لبدء مفاوضات جديدة معها كضمانة وحيدة لتنفيذ ما يتم الاتفاق عليه.
وجدد البيان التزام الحكومة بتحقيق السلام وفق ما أكده رئيس مجلس السيادة الانتقالي في حديثه بقاعدة جبيت العسكرية، مشدداً على أن “إعلان جدة يمثل إطاراً قانونياً وسياسياً ملزماً لمعالجة المسائل الإنسانية ووقف إطلاق النار وبدء عملية السلام”. وأضاف بيان الخارجية أن “رئيس مجلس السيادة وتجسيداً لالتزامه الحوار، وافق على لقاء قائد الميليشيات بتسهيل من منظمة (إيغاد)، في نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، لكن المنظمة أجلت اللقاء لأسباب غير معروفة تتعلق بقائد التمرد”.
وتابع البيان “إن الميليشيات وداعميها ابتدروا الأيام الماضية حملة دعائية داخل وخارج أفريقيا لإعادة تسويق قيادتها الإرهابية بأحاديث له (قائد “الدعم السريع” محمد حمدان دقلو) عن استعداده لإقرار وقف إطلاق نار وبدء مفاوضات سلام، وتوقيع اتفاق مع مجموعة سياسية سودانية مؤيدة له، من شأنه أن يمهد لتقسيم البلاد”.
ونوهت الخارجية إلى أن “الميليشيات ما زالت منهمكة في ارتكاب فظائع التطهير العرقي والمجازر والعنف الجنسي وتفرض حصاراً على مناطق سكنية كاملة في العاصمة وتمنع وصول الأغذية والحاجات الإنسانية للمدنيين في انتهاك صريح لالتزامات اتفاق جدة في شأن المساعدات الإنسانية”.
تحركات “تقدم”
في الموازاة تواصل تنسيقية القوى المدنية (تقدم) بقيادة رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك تحركاتها واتصالاتها الداخلية والخارجية بزيارة مرتقبة لوفد بقيادة رئيسها خلال الأيام المقبلة لدولة جنوب السودان ولقاء الرئيس سلفاكير ميارديت لبحث وقف الحرب في السودان.
ويتوقع أن يلتقي الوفد بحسب مصادر سياسية بقائد “الحركة الشعبية شمال” عبدالعزيز الحلو لطرح رؤية التنسيقية في
شأن وقف الحرب، كما تلقت التنسيقية موافقة قيادة “حزب البعث العربي الاشتراكي” (الأصل) على طلبها اللقاء المباشر معها للحوار حول سبل وقف الحرب وإنهاء معاناة السودانيين.
وأكد رئيس حزب المؤتمر السوداني القيادي في تنسيقية “تقدم” عمر الدقير الاستعداد “للقاء الفريق البرهان بأسرع ما يمكن من أجل المصلحة الوطنية التي تبدأ بوقف إطلاق النار وإنهاء المعاناة والتشريد وبشاعة الانتهاكات وكارثة التدمير، ومن ثم اعتماد الخيار السلمي لمخاطبة قضايا الأزمة الوطنية المتراكمة”.
ونفى الدقير أن يكون “إعلان أديس أبابا” يمثل “وثيقة وساطة أو اصطفافاً ثنائياً بقدر ما هو بداية تواصل مع أطراف أخرى للبحث عن مخرج لإيقاف نزف الدم بالبلاد”.
الآلية الوطنية
إلى ذلك طرحت “الآلية الوطنية لدعم التحول الديمقراطي” أمس الأحد مسودة مشروع لوقف الحرب وإدارة البلاد ينتظر تسليمها لكل من قيادة الجيش و”الدعم السريع” والقوى المدنية للتداول وإبداء الملاحظات توطئة للاتفاق عليها. وكشف عضو المكتب التنفيذي للآلية منتصر الطيب عن تواصل سابق للآلية مع “الدعم السريع” وترتيبات للقاء مع قياداته، لكنها تعثرت بسبب توسع انتهاكاته بعد دخوله إلى ولاية الجزيرة.
وتنص المسودة بحسب الطيب على قيام حكومة طوارئ موقتة وحل جميع هياكل سلطة الأمر الواقع الحالية، بداية من مجلس السيادة وحكومات الأقاليم وتشكيل حكومة فترة انتقالية من خبراء لمدة عام وتكوين مجلس للأمن والدفاع لدمج “الدعم السريع” بالجيش، إضافة إلى الحركات الموقعة وغير الموقعة على السلام من دون المساواة بين الجيش وأية مؤسسة أخرى في السودان.
استنفار وتسليح شعبي
في الأثناء تتصاعد عمليات الاستنفار والتسليح الشعبي في ولايات الشمالية ونهر النيل وكسلا والنيل الأبيض والقضارف، تحسباً لأية هجمات تشنها قوات “الدعم السريع” على تلك الولايات، بعد دخولها ولاية الجزيرة ووصولها إلى تخوم ولاية سنار، حيث تدور اشتباكات متقطعة بمنطقة ود الحداد وقرى مصنع سكر سنار.
وأعلن والي القضارف المكلف محمد عبدالرحمن محجوب عن تسليح كافة مواطني الولاية “من أجل التصدي لميليشيات “الدعم السريع”.
ودعا محجوب خلال مخاطبته “النفرة الشعبية” بمحلية الفاو المواطنين “إلى استخراج أسلحتهم ومركباتهم الخاصة المقننة وغير المقننة ذات الدفع الرباعي لحماية الأرض والعرض والقتال حتى آخر جندي ومستنفر”، مشدداً على “ألا تفاوض مع (الدعم السريع) أو أعوانه”، محذراً مما سماهم “المتربصين والمرتزقة والخلايا النائمة”.
حملة اعتقالات
إلى ذلك ندد “حزب الأمة القومي” باستمرار حملة الاعتقالات التي تنفذها الاستخبارات العسكرية بالولايات في حق ناشطين وكوادر سياسية ولجان الطوارئ وصحافيين وأئمة مساجد يدعون إلى وقف الحرب.
وذكر بيان للحزب أن الاستخبارات بولايات نهر النيل والنيل الأبيض وسنار والنيل الأزرق، ما زالت تواصل انتهاكاتها ضد المدنيين واعتقلت عدداً من كوادره وعدداً كبيراً من المواطنين أطلق سراح بعضهم فيما لا يزال آخرون قيد الاعتقال.
ودعا البيان إلى “اصطفاف وطني لمناهضة الحرب ونزع الشرعية عنها وعزل الداعين إلى استمرارها ونبذ خطاب العنصرية والكراهية”.
أخطار التجييش
في المقابل اعتبر مستشار قائد “الدعم السريع” هارون مديخير أن “تبني قائد الجيش وتعهده تسليح المواطنين للمشاركة في الصراع، سيدخل البلاد وجيشها في مأزق لأن أي شخص يتسلح ويساند الجيش سيصبح هدفاً مشروعاً لقوات (الدعم السريع)”.
في السياق نفسه، حذر المتخصص في التفاوض وفض النزاعات عبدالرحيم عبدالغفار من أن “تأخير وقف إطلاق نار وإنهاء الحرب في ظل التحشيد والتسليح الشعبي القبلي والجهوي ينذر بشدة بالانزلاق نحو حرب أهلية وشيكة وشاملة ستؤدي تلقائياً إلى تقسيم البلاد، ومن ثم فتح باب التدخلات الخارجية بكل ما تحمله من أجندات”.
ولفت عبدالغفار إلى أن “حملة التجييش الجارية تمضي نحو تحويل القبائل من كيانات اجتماعية مدنية ترعى التمازج والسلم الاجتماعي إلى كيانات عسكرية مسلحة مما يضر بالتعايش في المجتمعات المحلية ويهدد بإشعال فتن قبلية وسباقاً للتسلح القبلي ستكون له عواقبه الوخيمة مستقبلاً”. وأشار إلى أن “التمادي في التسليح الجهوي والقبلي من
شأنه أن يقود إلى تكرار ذات تجربة نشأة قوات (الدعم السريع) التي هي في الأصل ميليشيات قبلية تبنتها حكومة (الرئيس السابق عمر) البشير السابقة استعانت بها لردع حركات التمرد بدارفور، ولكن هذه المرة ستكون على نطاق أوسع بكل أنحاء البلاد”.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
قصف في الخرطوم
ميدانياً شهدت ولاية الخرطوم أمس مواجهات ومعارك بين الجيش وقوات “الدعم السريع”، أقل حدة مما كانت عليه خلال الأسبوع الماضي. وباستثناء تبادل للقصف المدفعي في محيط القيادة العامة للجيش تصاعدت إثره سحب وأعمدة الدخان في سماء المنطقة واشتباكات برية محدودة في أحياء أم درمان تراجعت وتيرة الاشتباكات في محاور عدة أخرى داخل العاصمة.
وأفاد شهود بتواصل حرب الشوارع والقنص والمداهمات البرية بين الجانبين داخل أحياء أم درمان القديمة، وعلى أطراف محلية أم بدة، جنوب غربي أم درمان.
وأوضحت مصادر ميدانية أن الفرق المشتركة لقوات العمل الخاص استولت الأحد على “عدد مقدر من العربات القتالية المسلحة التابعة لقوات العدو وتدمير مجموعة أخرى من العربات والمدافع”.
وأشارت المصادر إلى أن الطيران الحربي شن غارات جوية عدة على مواقع وتجمعات قوات “الدعم السريع” شرق الخرطوم، وبمنطقة أم مغد على شارع الخرطوم ود مدني.
تفاقم العطش
خدمياً، تتفاقم أزمة العطش في معظم أنحاء العاصمة السودانية بسبب النقص الحاد في مياه الشرب النقية، نتيجة نفاد مخزون مواد التنقية والعجز في تمويل توفيرها لتراجع إيرادات هيئة مياه ولاية الخرطوم، مما تسبب في توقف محطة مياه المنارة، الأهم والأكبر في أم درمان.
وبدت الأزمة أكثر استفحالاً في محلية كرري شمال أم درمان المكتظة بمراكز إيواء الوافدين من أحياء العاصمة الأخرى،
نتيجة نفاد مواد التنقية وتوقف محطة مياه المنارة بمنطقة الثورة لأكثر من أسبوع.
وطالبت لجان مقاومة وغرفة طوارئ كرري، السلطات المعنية التحرك بسرعة ومعالجة الخلل بأسرع ما يمكن، ووجهت اللجنة العليا للطوارئ، هيئة المياه بتنفيذ معالجات إسعافية عاجلة بتشغيل الآبار المتوقفة عن العمل واستخدام الصهاريج المتحركة لتوفير المياه للمواطنين، مع استعجال توريد مواد التنقية.
مزيد من التدهور
إنسانياً، تصدر السودان القائمة السنوية للجنة الدولية للإنقاذ للدول التي من المرجح أن تشهد مزيداً من التدهور في الأوضاع الإنسانية مع استمرار النزاع وفشل الجهود الدبلوماسية.
وتوقع تقرير للجنة على موقعها أن تتزايد الحاجات الإنسانية هذا العام مع تناقص القدرة على تلبيتها في ظل النزاع المتصاعد واستمرار النزوح الجماعي وتفاقم الأوضاع الاقتصادية وانهيار خدمات الرعاية الصحية تقريباً، مما سيفضي إلى مزيد من التشرد والأخطار في جميع أنحاء المنطقة.
ولفت التقرير إلى أن “النزاع قضى على البنية التحتية العامة للبلاد، بما في ذلك النظام الصحي، إضافة إلى هجمات متكررة ونهب واحتلال للمرافق والمستشفيات الطبية، وتفاقم الضغط على موارد الرعاية الصحية وخدمات المياه والصرف الصحي والنظافة وتفشي الأمراض والأوبئة”.
وأشار التقرير إلى أن السودان كان يعاني أصلاً أزمة إنسانية حادة من قبل النزاع، بسبب عدم الاستقرار السياسي المستمر والضغوط الاقتصادية، إذ كان نحو 15.8 مليون شخص في حاجة إلى مساعدات إنسانية، أما الآن فقد بات أكثر من نصف السكان، في حاجة إلى المساعدات، في وقت يزداد التشرد الجماعي وتتواتر التقارير عن القتل جماعي، وتخفيض العمل الإنساني بصورة كبيرة.