تقارير

ما هي مطلوبات وحدة القوى المدنية في السودان؟

أمام أوضاع بالغة التعقيد، ودون حماية، يواجه ملايين السودانيين منذ الخامس عشر من أبريل العام الماضي، حرباً عشواء بين الجيش وقوات الدعم السريع شبه العسكرية. ومنذ بدء الحرب، ارتفعت أصوات القوى السياسية والمدنية الفاعلة في المشهد السياسي السوداني التي تنادي بضرورة وحدة القوى السياسية والمدنية للعمل على إنهاء الصراع العسكري بين الطرفين المتنازعين.

وفشل طرفا النزاع في الالتزام بإعلان جدة الذي جرى توقيعه بالتعاون مع المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية، في الثاني عشر من مايو العام الماضي، الذي نص ضمن نقاط أخرى على الالتزام بحماية المدنيين في السودان.

وبينما أعلنت «إيغاد» في البيان الختامي للقمة التي انعقدت مؤخرا حصولها على التزام من القائد العام للجيش عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع شبه العسكرية، محمد حمدان دقلو (حميدتي) بعقد اجتماع مباشر خلال مدة أقصاها 15 يوماً دون شروط، فإن ارتفاع وتيرة الحرب الكلامية بين القائدين ربما تحول دون ذلك، إثر توقيع تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية «تقدم» وهو تجمع لعدد من الأحزاب السياسية وقوى مدنية ومهنية يترأسها رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، إعلاناً سياسياً مع قائد الدعم السريع بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا.

ومع اقتراب دخول الحرب شهرها التاسع واتساع رقعتها لتشمل مناطق جغرافية أوسع، فإنه لا يبدو واضحاً كيفية وصول المدنيين لوحدة حقيقية من أجل وقف الحرب، خاصة مع تعدد المبادرات التي تهدف بشكل عام لوقف الحرب.

وفي الوقت الذي ما زالت تتعثر فيه جهود الأطراف السياسية المدنية لخلق موقف موحد تجاه الحرب المندلعة منذ أكثر من ثمانية أشهر نزح أكثر من 7.3 مليون شخص داخل السودان وخارجه منذ اندلاع القتال بين القوات المسلحة السودانية، وقتل أكثر من 12 ألف شخص، ودمرت البنية التحتية في عدد من ولايات السودان، بينما يواجه ملايين السودانيين في الداخل والخارج أوضاعاً صعبة.

يقول محمد الفكي سليمان، وهو عضو سابق بمجلس السيادة الانتقالي لـ(عاين): أن “النقاش بين المدنيين قطع شوطاً مقدراً في طريق توحيد الجهود المدنية لمناهضة الحرب”.

وعلى الرغم من هذا التأكيد، فإن الفكي، يرى أن هذا النقاش لم يكتمل بعد بسبب أن هناك خطوات لا تزال مطلوبة.

ولفت الفكي، وهو أيضا عضو التجمع الاتحادي المنخرط في “تقدم”، إلى أنه وبعد اندلاع الحرب مباشرة بدأ تكوين الجبهة المدنية لوقف الحرب، بمبادرة من لجان مقاومة الحاج يوسف، وضمت فيما بعد أحزاب سياسية ولجان مقاومة ومهنيين وممثلين للمجتمع المدني. وأوضح، أن هذه الأدوار تكاملت في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا لتنتج تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية «تقدم».

وأكد الفكي، أن التنسيقية، نشرت خارطة طريق للمرحلة المقبلة ومنفتحة لسماع آراء الجميع، مع التأكيد على ضرورة وحدة المدنيين لمواجهة المرحلة المقبلة. كما أنها تتواصل مع مجموعات مدنية وحركات مسلحة بغية تكوين مظلة لضم كل المدنيين.

وفي الثاني من يناير الحالي، وقعّت تنسيقية «تقدم» وقوات الدعم السريع إعلان أديس أبابا الذي نص ضمن عدة بنود على وقف العدائيات بشكل فوري وغير مشروط عبر تفاوض مباشر، يفضي إلى التزام مماثل من الجيش.

لكن القائد العام للجيش سارع أمام مجموعة من جنوده في منطقة جبيت العسكرية شرقي السودان بالقول إنه لن يتفاوض مع الدعم السريع.

والسبت، طلبت تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية «تقدم» من الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال بقيادة عبد العزيز الحلو وحركة جيش تحرير السودان قيادة عبد الواحد محمد نور، والحزب الشيوعي السوداني، وحزب البعث العربي الاشتراكي “الأصل” لعقد اجتماعات مباشرة، بينما تنتظر رداً رسمياً من القائد العام للجيش على دعوة قدمتها له.

عقب الإطاحة بنظام البشير وتكوين الحكومة الانتقالية، عصفت الخلافات بين المدنيين بسبب تباين المواقف السياسية بتحالف قوى الحرية والتغيير ما أدى إلى خروج بعض القوى السياسية عنه.

بينما اختارت قوى سياسية أخرى الاندراج تحت تحالف آخر باسم تحالف قوى الحرية والتغيير الكتلة الديمقراطية وهو التحالف الذي أعلن تأييده لانقلاب الخامس عشر من أكتوبر 2021.

ماضٍ ثقيل

ومع وجود هذا الماضي الثقيل بين الأطراف السياسية والمدنية، فإن الاستمرار في النقاشات المفضية لتكوين جبهة سياسية واسعة لمناهضة الحرب بات أمراً ضرورياً.

الناطق الرسمي باسم حركة جيش تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي، الصادق على النور يقول لـ(عاين): “إن المطلوب من القوى السياسية والمجتمعية هو التواصل لإزالة الحواجز والمخاوف والشكوك لإيجاد أرضية مشتركة تفضي لتوافق حد أدنى لمختلف القضايا”.

ليقود ذلك، بحسب النور لوضع آليات فاعلة للجلوس مع القوات المسلحة السودانية ومليشيا قوات الدعم السريع من أجل الوصول لوقف إطلاق النار وبناء الثقة بين الطرفين لتهيئة أرضية مناسبة للحوار المفضي لإعلان وقف نار دائم.

ورأى النور، ضرورة اعتماد منبر جدة للتفاوض بين الجيش ومليشيات الدعم السريع في القضايا الأمنية والعسكرية، بما في ذلك ملف الترتيبات الأمنية النهائية بمشاركة الحركات المسلحة.

بخصوص القضايا السياسية، يشير النور لضرورة حوار (سوداني- سوداني) دون استثناء ودون مشاركة أطراف أجنبية. ولفت إلى أن الشأن السياسي يخص القضية السودانية والسيادة السودانية التي لا يمكن التفريط أو التدخل فيها.

وأعلن النور أن حركة جيش تحرير السودان جاهزة لتقديم رؤية سياسية سودانية شفافة مجردة من كافة أشكال الإقصاء والهيمنة على القرار السياسي. وأشار إلى أن مظاهر تفكك الدولة ومؤسساتها جاء نتيجة لضعف القرارات السياسية في أثناء الفترة الانتقالية الماضية.

الإرادة الشعبية.. جهود وقف الحرب

من جهته، قال القيادي في الحزب الشيوعي السوداني، كمال كرار، أن حزبه ظل ينادي بضرورة وحدة قوى الثورة وهزيمة المتآمرين عليها قبل انقلاب الخامس عشر من أكتوبر 2021، وقبل اندلاع الحرب.

ولفت إلى أن قوى الثورة المعنية بهذه الوحدة هي القوى الموجودة في الشارع، وعملت على إفشال أجندة انقلاب الخامس عشر من أكتوبر.

وأشار إلى أن هذه القوى تتمثل في تحالف التغيير الجذري، الذي يعتبر الحزب الشيوعي أحد مكوناته إلى جانب لجان المقاومة والنقابات وتجمع المهنيين السودانيين المنتخب والتنظيمات الجماهيرية الأخرى مثل تحالف المزارعين وحركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور والحركة الشعبية شمال قيادة عبد العزيز الحلو.

وأكد أن اتجاه وحدة قوى الثورة بات أكثر إلحاحاً بعد الحرب، مشيراً إلى أن الحزب الشيوعي قطع شوطا كبيراً في المناقشات والاتصالات مع مختلف القوى الثورية، من أجل تحقيق هذا الهدف، كما لفت أنهم وقعوا مؤخراً مذكرة تفاهم مع بعض تنسيقيات المقاومة بشأن رؤية مشتركة للأوضاع الراهنة.

وأوضح أنهم يعتبرون أن وقف الحرب والترتيبات السياسية التي تلي ذلك، تعد شأناً داخلياً يخص القوى السياسية والمجتمعية ولجان المقاومة وغيرها من أطراف العملية السياسية.

واعتبر كرار في مقابلة مع (عاين)، أن الإرادة الشعبية ستعمل على فرض وقف الحرب وفرض سلطة سياسية ثورية تمضي بالفترة الانتقالية لغايتها.

وأضاف: “الأهم هو عدم إفلات الذين أشعلوا الحرب، وارتكبوا الجرائم بما في ذلك جريمة مجزرة القيادة العامة من العقاب.

وأشار إلى أنهم يرون بضرورة تصفية وتفكيك بنية النظام البائد، وإعادة هيكلة القوات النظامية وحل كل المليشيات المسلحة.

وأكد أنهم منفتحون للتواصل مع جميع القوى السياسية باستثناء “الفلول والانقلابيين” بهدف أن يضم هذا التحالف الثوري أكبر عدد من القوى المؤمنة بالتغيير الجذري.

وأوضح إلى أن هذا المسار الذي يمثل رؤيتهم السياسية يختلف عن المسار الذي تمضي فيه تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية «تقدم» التي انصب تركيزها على شكل السلطة بعد الحرب، وليس حل قضايا الثورة الملحة، حسب وصفه.

وأضاف بأن موقف «تقدم» من إعادة هيكلة القوات النظامية، ومعاقبة المجرمين وحل المليشيات المسلحة يبدو غامضاً في بنود إعلان أديس مع الدعم السريع.

أخلاقية الممارسة السياسية

من جانبها، قالت تنسيقيات لجان المقاومة الموقعة على الميثاق الثوري، أن المطلوب من المدنيين للوصول لوحدة حقيقية لمناهضة الحرب هو توفر المستوى الأخلاقي في الممارسة السياسية في ظل الموت المجاني الذي تم ارتكابه من قبل طرفي النزاع، مع ضرورة النظر إلى مشكلة السودان بشكل كلي، خاصة وأن البلاد سبق وشهدت عدة حروب.

وأوضحت هذه التنسيقيات في ردها على أسئلة لـ(عاين)، أن إنهاء الحرب ومناهضتها لن يتحقق دون تشخيص موضوعي للأسباب التي قادت إليها، مع ضرورة تحديد أسبابها وداعميها والمستفيدين من إشعالها لوضع حلول نهائية.

وأكدت أنها سبق وأعدت رؤية سياسية متكاملة، طرحتها للسودانيين والقوى السياسية والمدنية، وحركتي جيش تحرير السودان، قيادة عبدالواحد نور والحركة الشعبية بقيادة عبد العزيز الحلو.

وأكدت التنسيقيات أن أي حلول لا تخاطب أسباب الحرب عن طريق النظر إلى الأزمة السودانية بصورة شاملة لن تقود لتحقيق وحدة القوى الثورية والمدنية كما لن تقود لمناهضة وإنهاء الحرب.

” لا تفاوض لا شراكة لا شرعية” شعار ترفعه لجان المقاومة السودانية
وحذرت من أن الحلول القاصرة ستؤجل اندلاع الحرب، وتجعلها قابلة للتفجر مجددا بعد أن تعيد الأطراف المتقاتلة ترتيب صفوفها من جديد. كما قد يقود ذلك لدخول قوى اجتماعية أخرى لبؤرة الصراع المسلح مما سيؤدي إلى إشعال حرب أهلية.

وأكدت أن الاتفاق على رؤية سياسية موحدة ليس صعباً حالة تحقق عدة شروط من بينها أن تكون كل الملفات بيد السودانيين، وليست خاضعة لأجندة المحاور الإقليمية.

ولفتت إلى أن أحد شروط هذه الوحدة تتمثل في وجود عناصر مدنية ثورية وغير انتهازية لديها القدرة على النظر إلى السياسة من منظور وطني غير حزبي.

وأكدت ضرورة وجود إرادة وطنية خالصة، تعمل على مصلحة السودان وشعبه بالاستناد إلى التجربة والممارسة السياسية السودانية قبل الثورة، وبعدها للاستفادة من الأخطاء التي ارتكبت في حق الشعب.

وحول مدى استعداد وجاهزية الميثاق الثوري لسلطة الشعب للوحدة والاتفاق مع القوى السياسية والمدنية الأخرى، فإن تنسيقيات لجان المقاومة الموقعة على الميثاق تقول إنها ترجمت هذا الاستعداد عملياً عندما طرحت ورقة سياسية لإنهاء الحرب.

وأوضحت أنها طرحت هذه الورقة لمناقشتها مع القوى الثورية والأحزاب السياسية والقوى المدنية والاجتماعية التي لها مصلحة في انتهاء الحرب، وليس إيقافها فقط.

وأكدت التنسيقية أنها تواصلت مع كل القوى السياسية والمدنية عبر خطابات رسمية، من أجل فتح حوار صادق وشفاف. وأشارت إلى أن كثيراً من القوى اتفقت معها في المواقف، بينما تستمر جهودها لإجراء مزيد من الحوارات المشتركة بصورة جماعية لبناء الجبهة المدنية الثورية وفق أرضية تقول إنها ستجنب السودان شرور التمزق والموت والدمار.

وتساءلت التنسيقية حول ما إذا كانت وحدة القوى السياسية تعتبر غاية أم وسيلة. وأشارت إلى أن لجان المقاومة أجابت عن هذا السؤال عبر نقاشات قاعدية واسعة.

وأوضحت، أن هذه النقاشات حددت أن الوحدة السياسية والثورية الفكرية مقدمة على الوحدة التنظيمية، وهو الأمر الذي تقول به التجربة السودانية خصوصا تجربة ثورة ديسمبر.

وأضافت أن التجارب السابقة جعلت تنسيقيات القوى الموقعة على الميثاق الثوري تتساءل حول مع من تتوحد وما الذي تتوحد عليه.

وأكدت التنسيقية أن الإجابة على هذه الأسئلة بجدية يضمن للسودان عدم تكرار الأخطاء الكارثية التي قادت للوضعالراهن. وأوضحت أنها قدمت إجابات شافية لهذه الأسئلة في وثيقة الميثاق الثوري لتأسيس سلطة الشعب.

المصدر:شبكة عاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى