معارك شرشة بالمدفعية الثقيلة بمنطقة أمدرمان القديمة بين الجيش والدعم السريع
على رغم بلوغ الحرب الدائرة بين الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع” شهرها العاشر، فإن فرص إيقافها باتت تتضاءل بشكل ملحوظ في ضوء التصعيد العسكري لطرفي الصراع على جبهات القتال المختلفة، بخاصة منطقة أم درمان القديمة التي تشهد معارك شرسة باستخدام المدفعية الثقيلة والمسيرات، فضلاً عن الاشتباكات البرية، وذلك في أعقاب دعوة قائدي الجيش و”الدعم السريع” قواتهما إلى مواصلة القتال حتى تحقيق النصر، ووسط قلق ومخاوف قطاع واسع من السودانيين والمجتمعين الدولي والإقليمي من اتساع رقعة الحرب وتطال أمدها.
بحسب مصادر عسكرية ومدنية، فإن المواجهات العسكرية بين القوتين المتحاربتين اتخذت طابعاً شرساً في محاولة من كلا الطرفين لتحقيق انتصارات معنوية تقود لحسم الحرب، وهو ما أظهرته مقاطع الفيديو التي يتسابق الجانبان على نشرها باستمرار خلال اليومين الماضيين، في وقت أعلن الجيش السوداني، أمس الثلاثاء، أن طائراته المسيرة تلاحق مجموعة من أفراد “الدعم السريع” الذين استغلوا أحياء ومنازل المدنيين في أم درمان ثكنات عسكرية.
القتال يشتعل
وقال الجيش على حسابه في “فيسبوك”، إن “كاميرات الطائرات المسيرة وثقت احتلال ميليشيات الدعم السريع للمنازل والأحياء المدنية، وهرب أفرادها ومركباتها داخل أزقة وطرقات أم درمان”، حيث أظهرت مقاطع فيديو جرى تداولها على نطاق واسع في منصات التواصل الاجتماعي مطاردة طائرات الجيش لقوات “الدعم السريع” في أحياء أم درمان القديمة، مع حدوث انفجارات استهدفت سيارات قتالية”، مؤكداً تقدم قواته في محور شرق أم درمان ومنطقة أمبدة غرب المدينة.
كما واصلت “الدعم السريع” قصفها محيط القيادة العامة للجيش بوسط الخرطوم، فضلاً عن سلاح الإشارة ببحري، وذلك من خلال منصاتها بشرق وجنوب العاصمة، مما أحدث انفجارات قوية تصاعدت على أثرها أعمدة الدخان في المنطقتين.
في ولاية جنوب كردفان، أشار مواطنون إلى سيطرة الحركة الشعبية، قيادة عبدالعزيز الحلو، بصورة كاملة على رئاسة اللواء 54 بهبيلا، إلى جانب سيطرتها على مداخل ومخارج المدينة بعد معارك ضارية مع قوات “الدعم السريع” استمرت يومين وأدت إلى سقوط قتلى وجرحى، حيث انسحبت الأخيرة إلى مقر قيادتها في مدينة الدبيبات.
وأفادت لجان مقاومة مدينة الحصاحيصا، التي تبعد 45 كيلومتراً شمالي ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة، بأن قوات “الدعم السريع” قتلت ستة مدنيين من سكان قرية ود البليلة التابعة لمحلية الحصاحيصا، كما مارست أبشع أشكال العنف والنهب بعدد من القرى في ظل انقطاع خدمة الاتصالات.
وبحسب بيان للجان مقاومة الحصاحيصا، فإن قوات “الدعم السريع” هاجمت قرية ود البليلة بغرض النهب والسرقة وتصدى شباب القرية للقوة المهاجمة مما أدى لمقتل اثنين من المواطنين، ثم عاودت هجومها في اليوم الثاني وقتلت أربعة آخرين وأصابت أكثر من 10 مواطنين تم إجلاؤهم إلى مدينة المناقل غربي ولاية الجزيرة لتلقي العلاج، فيما جرى إجلاء النساء والأطفال إلى مناطق آمنة.
وأشارت غرفة طوارئ مدينة الضعين عاصمة ولاية شرق دارفور إلى أن المستشفى العام يواجه نقصاً حاداً في المعينات الصحية، بخاصة أدوية ومعدات غسيل الكلى التي انعدمت تماماً مع توقف مركز الغسيل بالولاية، محذرة من تعرض حياة 25 مريضاً للخطر جراء هذا الوضع، فضلاً عن تفشي الإصابة بالملاريا والتيفويد ونزلات البرد وسط النازحين.
وتضم الولاية نحو 160 ألف نازح إلى جانب 25 مركز ايواء يحتضن 125 ألفاً من نازحي الحرب، وسبق أن حذَّرت منظمات دولية من نذر مجاعة ونقص غذائي حاد بمعسكرات النزوح في دارفور بسبب توقف المساعدات.
وأطلقت الأمم المتحدة نداء لجمع 4.1 مليار دولار لتلبية الحاجات الإنسانية الملحة في السودان، منوهة إلى اجتماع بين الجيش و”الدعم السريع” لبحث إيصال المساعدات الإنسانية.
دعم أميركي
في الأثناء، بحث وفد من تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم)، بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، أمس، مع مساعدة وزير الخارجية الأميركي للشؤون الأفريقية مولي في، الأوضاع في السودان.
وقال بيان للتنسيقية إن “اللقاء تناول التطورات العامة في البلاد، ومساعي وجهود إنهاء الحرب وتحقيق السلام. وتطرق إلى رؤية (تقدم) الخاصة بتوقف الصراع وتحقيق سلام دائم وانتقال مدني ديمقراطي مستدام، فضلاً عن خططها المقبلة حتى انعقاد مؤتمرها التأسيسي المقرر في المواقيت الزمنية المحددة”.
كما التقت المسؤولة الأميركية عدداً من المجموعات النسائية السودانية ومنظمات المجتمع المدني، وجرى نقاش حول الأوضاع في السودان وتطورات الحرب التي دخلت شهرها العاشر.
وقالت مولي في تغريدة على منصة “إكس”، “التقت ممثلي مجموعات المجتمع المدني النسائية السودانية لتأكيد استمرار دعم الولايات المتحدة للمشاركة الكاملة للمرأة في الحكم”. متابعة، “لا يوجد حل عسكري مقبول للصراع السوداني، ويجب تكوين حكومة مدنية انتقالية بعد انتهائه”.
وناقش الاجتماع استمرار الحرب وآثارها على المدنيين بخاصة النساء والأطفال، كما بحث الدور الذي يمكن أن تلعبه المرأة السودانية في إيقاف الحرب ودعم الجهود الرامية. وشددت مساعدة وزير الخارجية الأميركي للشؤون الأفريقية على ضرورة رفع نسبة تمثيل المرأة في تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية.
إبادة جماعية
إلى ذلك، قامت مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين والجمهوريين بطرح مشروع قانون يصنف ممارسات قوات “الدعم السريع” والميليشيات المتحالفة معها في دارفور ضد المجتمعات العرقية غير العربية على أنها إبادة جماعية.
ودان المشروع الفظائع التي ترتكبها قوات “الدعم السريع” والميليشيات المتحالفة معها ضد قبيلة المساليت وغيرها من المجموعات العرقية غير العربية في دارفور، بما فيها تلك التي تصل إلى مستوى الإبادة الجماعية، إضافة إلى إدانة دور تلك القوات “الدعم السريع” والقوات المسلحة السودانية في ارتكاب الفظائع والكوارث الإنسانية وتدمير البلاد.
ودعا المشروع إلى وقف فوري للحرب وأعمال العنف والفظائع في السودان، كما حث الولايات المتحدة على اتخاذ خطوات طارئة للعمل مع المجتمع الدولي لإنشاء آليات لحماية المدنيين، بما في ذلك إنشاء مناطق آمنة وممرات إنسانية، وتطبيق حظر الأسلحة الذي أقره مجلس الأمن في دارفور، والتوسط للتوصل إلى وقف شامل لإطلاق النار ونزع سلاح الأطراف المتحاربة في السودان، كما حث البيت الأبيض إلى دعم توثيق الفظائع وأعمال الإبادة الجماعية في السودان بشكل مستمر وشفاف من خلال آلية تعمل على نشر هذه التوثيقات بشكل علني ودوري.
ووجه المشروع الإدارة الأميركية إلى مراجعة تعريف الفظائع المتعلقة بالسودان بشكل دوري وتحديثها، إلى جانب دعم المحاكم والتحقيقات الجنائية الدولية لمحاسبة قوات “الدعم السريع” والميليشيات المتحالفة معها على ارتكابهم جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، والإبادة الجماعية، فضلاً عن دعوة مجموعة العمل المعنية لإجراء مراجعة شاملة لجهودها في منع هذه الفظائع والرد عليها بما يتماشى مع استراتيجية الولايات المتحدة لعام 2022 للاستجابة للفظائع من هذا النوع.
ضياع الفرص
وحول تطورات الوضع في السودان، قال الناطق الرسمي باسم القوى المدنية الديمقراطية (تقدم) أسامة سعيد، لـ”اندبندنت عربية” إن “المشهد العام في السودان يتجه نحو التصعيد نتيجة ضياع سلسلة من الفرص للوصول إلى سلام ووقف دائم لإطلاق النار، فكلما اقترب طرفا القتال من تفاهمات في منبر جدة يتم تعطيلها ويعقبها تصعيد ومن ثم يتم البحث عن فرصة أخرى للسلام، هذا ما كان يحدث منذ مايو (أيار) الماضي، فضلاً عن الفرصة الكبيرة في منبر (إيغاد) الذي مهد للقاء مباشر بين قائدي الجيش عبدالفتاح البرهان، و”الدعم السريع” محمد حمدان دقلو، عقب قمة كمبالا الأخيرة، لكن تخلف البرهان عن القمة وذهابه لأبعد من ذلك بتجميد عضوية السودان في هذه المنظمة، ضيع هذه الفرصة، كذلك كانت المفاوضات السرية التي عقدت بين طرفي الحرب في المنامة فرصة حقيقية لوقف القتال، إلا أنه عندما توصل الطرفان إلى نقطة ما تم التراجع عنها وجرى التصعيد وسمع السودانيون عن محاولة انقلابية، وبأن هناك قادة عسكريين في الجيش لم ينصاعوا للأوامر وذهبوا إلى التصعيد والاستمرار في المعارك اعتراضاً على تلك المفاوضات”.
وأضاف “كل هذه الأمثلة توضح أن هناك غياباً للإرادة من أجل تحقيق السلام في البلاد، والشاهد في هذا الأمر أن الطرف الذي دائماً ما يتخلف عن المراحل الأخيرة للسلام هو الجيش، وهذا يؤكد أن هناك طرفاً ثالثاً لا يريد لعملية السلام أن تكتمل، وفي رأيي أن ما ورد من لهجة تصعيد لقائد الدعم السريع، أخيراً، هو نتيجة رد فعل لما تكرر بخصوص تحقيق السلام، فكل السودانيين تابعوا الخطابات التصعيدية لقائد الجيش خلال زياراته الأخيرة لعدد من الوحدات العسكرية بقوله إنهم سيستمرون في القتال حتى تحقيق النصر، لكن في اعتقادي أن هذا الوضع لن يستمر فترة طويلة لأن المجتمع الدولي سيقول كلمته بتدخله مباشرة لوقف هذه الحرب وحماية المدنيين، فمهما بلغ التصعيد والاستعداد للقتال لن تحسم هذه الحرب عسكرياً لأي من الطرفين، وحسمها سيكون على طاولة المفاوضات لا غير، وأقول بوضوح إن الطرف الثالث الذي يعرقل فرص السلام هو الحركة الإسلامية المتحكمة في سير هذه المعارك ولا تريد سلاماً في البلاد، لأن أي تحقيق للسلام يعني عودة الحكومة المدنية وغياب فرصة عودة النظام البائد للحكم، لذلك يقاتلون على حساب دمار البلد”.
وأردف سعيد، “السبب في استمرار هذه الحرب لـ10 أشهر هو تحرك قائد الجيش من مكانه الطبيعي الداعي لإيقاف هذه الحرب التي سماها بالعبثية، إلى مربع الحركة الإسلامية التي تتمسك باستمرار القتال حتى مقتل آخر جندي بقوات الدعم السريع، وهو الموقف الذي يتبناه البرهان حالياً بعد إطلاقة مسمى (معركة الكرامة) لهذه الحرب، لكن هذه المعارك لن تتوقف إلا في حال تغيير قائد الجيش لمواقفه الحالية وعودته إلى موقفه الأول الناظر لمصلحة البلاد بإنهاء الحرب حفاظاً على مكتسبات ومقدرات القوات المسلحة، فنحن في القوى المدنية الديمقراطية (تقدم) دعينا طرفي القتال منذ اليوم الأول لانطلاق الحرب لإيقافها، وتبنينا خريطة طريق لكيفية توقفها، وبدأنا خطوات عملية بلقاء جميع الأطراف الدولية والإقليمية المؤثرة لمساعدة السودانيين في إيقاف هذه الحرب، وما زال جهدنا متواصلاً من أجل الوصول إلى صيغة تحضر طرفي الصراع إلى طاولة التفاوض لوقف العدائيات ومن ثم انطلاق العملية السياسية لحل مشكلة الحروب في السودان، بمشاركة كل القوى السياسية ما عدا حزب (المؤتمر الوطني) وواجهاته”.
وفي شأن التحركات التي تقوم بها جنوب السودان أوضح، “الحقيقة أن جنوب السودان بقيادة رئيسها سلفا كير تلعب دوراً كبيراً من خلال جمع كل القوى السياسية حول رؤية واحدة لإيقاف الحرب، فلديها مصلحة حقيقية في إيقافها لأنها من أكثر الدول تضرراً منها، حيث نزح عدد كبير من السودانيين إليها مما يشكل عبئاً رئيساً، فضلاً عن أنها تصدر إنتاجها من النفط عبر موانئ السودان، من ثم فإنها تنطلق من مصالح استراتيجية حقيقية لوقف الحرب، وبإمكانها أن تقوم بدور محوري يقود لحل الأزمة السودانية وصنع السلام في البلاد، ولا أعتقد أن مبادرة جنوب السودان تتعارض مع منبر جدة الذي ترعاه الوساطة السعودية – الأميركية ويتولى عملية وقف العدائيات ووقف إطلاق النار وإطلاق العملية السياسية، فجنوب السودان لديها رغبة بأن تكون جوبا مقراً للعملية السياسية”.
واعتبر الناطق الرسمي باسم القوى المدنية الديمقراطية، الكتلة الديمقراطية السودانية جزءاً من الحرب لأنها تضم فصائل منحازة للجيش بوضوح ولديها جيوش تحارب، لذلك لا تعتبر جزءاً من القوى المدنية التي يمكن أن تسهم في وقف الحرب، وطالبها باتخاذ موقف محايد ورفع يدها عن تأجيج الحرب.