صحيفة بريطانية : أخطار كبيرة تواجه تحركات سكان الخرطوم قد تكلفهم ارواحهم
التنقل داخل الخرطوم ثمنه القتل أحيانا
“المواصلات من العاصمة إلى أم درمان شبه معدومة نظراً إلى إغلاق الجسور التي تربط المدينتين”
أخطار كبيرة تواجه سكان مدن الخرطوم وأم درمان وبحري في تنقلاتهم بين هذه المدن أو داخل أحيائها بسبب تصاعد وتيرة الاشتباكات الدائرة بين الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع”، منذ منتصف أبريل (نيسان)، الأمر الذي أدى إلى تغير خطوط سير المركبات العامة التي يستخدمها مواطنو العاصمة في تنقلاتهم باتباع طرق ملتوية وبعيدة عن مواقع الاشتباكات، مما زاد زمن الرحلة ثلاثة أضعاف عن الأيام السابقة للحرب، لكثرة نقاط التفتيش من قبل الطرفين المتحاربين على امتداد الطرق والجسور الرابطة بين المدن الثلاث، فضلاً عن بطء سرعة المركبات العامة المستخدمة في التنقل لقدمها، نظراً إلى أن المركبات الجديدة تكون عرضة للنهب والسرقة.
فما نوع الأخطار التي تعترض حركة تنقل مواطني العاصمة وطرق السير في ظل الحرب المستعرة بين طرفي النزاع؟
نهب وقتل
في السياق، قالت الناشطة في الأجسام الشبابية سوسن جمعة موسى “يختلف شكل التنقل داخل مدن العاصمة الثلاث من منطقة لأخرى، فمثلاً في أم درمان نجد أن حركة التنقل من منطقة كرري الواقعة في أقصى الشمال إلى أم درمان القديمة طبيعية جداً خلال فترة النهار بينما يكون شكل الحياة ليلاً مختلفاً بانتشار أعمال السلب والنهب والقتل في بعض الأحيان، فيما تقل تنقلات المواطنين في أحياء وسط المدينة لهجرة سكان هذه الأحياء منازلهم لتصبح وكراً للجريمة، أما الحركة باتجاه الأحياء الغربية والجنوبية بدءاً من حي المهندسين صوب أمبدة والصالحة فيها كثير من الأخطار لأنها باتت منطقة اشتباكات متواصلة بين الطرفين المتحاربين”.
وتابعت سوسن “في منطقة بحري باتت حركة تنقل المواطنين في غاية من الصعوبة بسبب اشتداد الاشتباكات وعمليات القصف الجوي والمدفعي المتواصلة، مما جعل التنقل يشوبه كثير من الحذر، فضلاً عن نزوح غالبية سكان أحياء هذه المنطقة بسبب حدة القتال وانقطاع خدمات المياه والكهرباء طيلة أيام الحرب، لكن بشكل عام، حركة التنقل من منطقة شرق النيل إلى مناطق شمال بحري (الحلفاية والدروشاب والسامراب) متاحة بحسب وتيرة الاشتباكات”. وواصلت “في الخرطوم تتفاوت حركة التنقل بحسب وضع المنطقة من ناحية قربها وبعدها عن المواقع العسكرية والاستراتيجية التي تكون هدفاً مستمراً للقصف الجوي والمدفعي والاشتباكات على الأرض، فغالبية حركة تنقل سكان المدينة تنطلق من السوق المركزية باتجاه الأحياء المختلفة، وكذلك في مدينتي بحري وأم درمان من طريق جسر المنشية حيث تسيطر قوات (الدعم السريع)، لكن تكاد تكون حركة التنقل إلى شمال الخرطوم متوقفة تماماً بسبب تصاعد الاشتباكات المستمر، وكذلك الحال بالنسبة إلى المناطق الغربية والجنوبية الغربية التي تدور فيها الاشتباكات لوجود سلاح المدرعات ومصنع اليرموك الحربي والاحتياطي المركزي ومعسكر طيبة لقوات (الدعم السريع)، فيما تضيق حركة تنقل المواطنين باتجاه الجنوب وتعرضهم للابتزاز من طرفي الصراع بحسب سيطرة كل طرف”.
وبينت الناشطة في الأجسام الشبابية أن معظم المواطنين يعانون التقييد التام لحركة التنقل، مما جعلهم يشعرون بعدم الأمان نتيجة سقوط القذائف من قبل الطيران الحربي التابع للجيش السوداني، وكذلك القصف المدفعي من الجانبين، وهو ما أدى إلى سقوط مئات القتلى المدنيين أثناء تحركاتهم في الطرقات العامة.
انتهاكات واستجوابات
وأشار المواطن أسعد بدوي إلى أن “التنقل داخل أحياء العاصمة وبين مدنها الثلاث بات أمراً صعباً من نواحٍ عدة، سواء من ناحية الأخطار الأمنية أو طول المسافات لاتباع سائقي المركبات العامة طرقاً بعيدة لكونها شبه آمنة وبعيدة عن الاشتباكات، لكن على رغم ذلك، يكون الراكب في حال من القلق والتوتر حتى وصوله لوجهته بسبب كثرة نقاط الارتكاز من قبل قوات الطرفين، إذ يتعرض في كثير من الأحيان للاستجواب والتفتيش الدقيق، وقد يتم اعتقال بعضهم لمجرد الشك في أقاويلهم أو شكلهم، كما يتم نهب أموال والهواتف النقالة لآخرين”.
أضاف بدوي “المواصلات العامة من الخرطوم إلى أم درمان تعتبر شبه معدومة نظراً لإغلاق الجسور التي تربط المدينتين، وسبق أن اضطرت أسر تقطن منطقة المقرن في الخرطوم إلى النزوح إلى أم درمان مشياً على الأرجل، أما داخل أم درمان فيعتمد سكانها في تنقلاتهم على الوسائل التقليدية التي يطلق عليها الركشة (توك توك) لتفادي الارتكازات والمتاريس في الطرقات، بينما تخلو بحري من حركة المواصلات لخلو معظم أحيائها من السكان بسبب ضراوة المعارك فيها وانقطاع الكهرباء والمياه”.
خطأ قاتل
في السياق، قال الأكاديمي عبده مختار “التحرك داخل مدن العاصمة الثلاث صعب جداً من الناحية الأمنية نظراً لسيطرة قوات (الدعم السريع) على مداخل ومخارج هذه المدن، وهو الخطأ القاتل والاستراتيجي الذي ارتكبته قيادة الجيش ويدفع ثمنه المواطن، فانتشار قوات (الدعم السريع) وسط المدنيين والمرافق العامة والمواقع الاستراتيجية أكثر من انتشار الجيش الذي بات موجوداً في معسكرات محددة، لذلك تعرض كثر من المدنيين لأخطار أقلها الأذى الجسماني والنفسي”، مضيفاً “المواطن الذي يتحرك من مكان لآخر بخاصة إذا أراد عبور أي من الجسور للانتقال من مدينة إلى أخرى يجد صعوبة كبيرة جداً، وسبق أن تحركت مع أسرتي من الخرطوم عندما اشتدت المعارك في المنطقة التي أسكن فيها، وهي (يثرب)، قرب مقر سلاح المدرعات إلى منطقة الثورة في أم درمان، واستغرقت الرحلة أكثر من ثلاث ساعات بينما تستغرق في الأيام العادية قبل الحرب 40 دقيقة نظراً إلى كثرة الحواجز الأمنية وما يتبعها من استجواب من قبل قوات طرفي الصراع، إضافة إلى السير عبر طرق طويلة ووعرة”.
ومضى قائلاً “هذه معاناة حقيقية لا يحتملها كثر من فئات المواطنين، بخاصة كبار السن من الجنسين، فالتنقل لا يقدم إليه أي شخص إلا في حال الضرورة القصوى، لأن عواقبه وخيمة، وهناك كثر من الأشخاص تعرضوا لحوادث مختلفة بخاصة الاعتقال لمجرد الاشتباه”.
قتلى ونازحون
وراح ضحية هذه الحرب نحو 1800 شخص، ووفقاً لجمعية الصليب الأحمر الدولية فإن 180 منهم في الأقل، دفنوا بطريقة عشوائية إما في الطرقات والميادين العامة أو داخل المنازل والمرافق العامة من دون التعرف إلى هوياتهم. ونوهت تقارير صحافية إلى أن أعداد القتلى ربما يفوق هذا العدد بكثير، في حين لم يعرف عدد القتلى من طرفي النزاع، فضلاً عن آلاف الجرحى في ظل خروج 80 في المئة من المستشفيات والمراكز الصحية عن الخدمة بسبب ضراوة المعارك. وأشار تقرير لمنظمة الهجرة الدولية إلى أن مليونين و613 ألف شخص معظمهم من الخرطوم ودارفور، نزحوا إلى أماكن أخرى داخل البلاد، فيما لجأ 757 ألفاً و230 شخصاً آخرون إلى دول الجوار بخاصة مصر وليبيا وتشاد وأفريقيا الوسطى وجنوب السودان، وتوجه 33 في المئة منهم إلى مصر، بينما لجأ 31 في المئة إلى تشاد، و23 في المئة إلى جنوب السودان.
وبحسب مكتب مراقبة الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة “أوتشا”، فإن القتال يحول دون الوصول إلى ملايين الأشخاص الذين هم في حاجة لمساعدات إنسانية عاجلة، مؤكداً أن السودان يعد من أصعب الأمكنة التي يمكن لعمال المساعدات الإنسانية الوصول إليه، مضيفاً “على رغم مساعينا للحفاظ على الحياة، لكن لا يمكننا العمل تحت نيران البنادق”.