جريدة العربي الجديد : أطفال السودان.. منسيون يُهدّدهم البرد والجوع وسوء التغذية
لا يلقى أطفال السودان الذين يعيشون تداعيات كارثية لحرب مستمرة، الاهتمام والمساعدات اللازمة. واليوم هم مهددون بالموت جراء سوء التغذية والإصابة بالأمراض في ظل قلة الخدمات.
داخل غرفة استقبال عيادة أطفال متواضعة في أحد الأحياء التي لم تطاولها الحرب في العاصمة السودانية الخرطوم، جلست حواء الأمين (38 عاماً) تحمل بين يديها طفلتها (13 شهراً) التي تعاني سوء التعذية الحاد، عندما أخبرها موظف الاستقبال بأن الطبيب جاهز لفحص طفلتها، اعتذرت لأنها لا تملك المال وبكت. تُقيم في غرفة مشتركة مع أربع نساء وتسعة أطفال داخل مدرسة تحولت إلى مركز إيواء بعد فرارها من منزلها بمحلية أم بدة، أفقر أجزاء العاصمة الخرطوم التي سيطرت عليها قوات الدعم السريع في مايو/ أيار الماضي في حربها ضد الجيش السوداني.
تحصل الأمين على الطعام بصورة غير منتظمة من مطبخ جماعي تديره مجموعات خيرية بهدف إطعام النازحين، أو من الأُسر التي تسكن بالقرب من المدرسة، بيد أن الطعام الذي تحصل عليه غالباً لا يناسب طفلتها التي تدهورت صحتها كثيراً وأصبح وزنها سبعة كيلوغرامات فقط.
من جهتها، تقول سلوى إبراهيم (40 عاماً)، وهي إحدى المشرفات على المطبخ الخيري في المدرسة التي أصبحت مركزاً للإيواء وتقيم فيها حواء وطفلتها، إنّ عدد الأطفال في مركز الإيواء يقدر بحوالي 373 طفلاً، بينهم 50 طفلاً أعمارهم أقل من عام. وتوضح لـ “العربي الجديد” أن عدداً كبيراً من الأطفال يعانون الجوع الشديد لعدم وجود وجبات مخصصة للأطفال في مركز الإيواء الذي يقدم العدس والفول المصري والفاصولياء بصورة رئيسة، وينعدم فيه الحليب واللحوم والفاكهة. وتذكر أن المرة الوحيدة التي قدم فيها حليب للأطفال في مركز الإيواء كانت في يوليو/ تموز من العام الماضي.
وفي 24 يناير/ كانون الثاني الماضي، قالت ممثلة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف” في السودان مانديب أوبراين، إن أكثر من 3.5 ملايين طفل أُجبروا على الفرار من منازلهم منذ بداية هذه الحرب في أكبر أزمة نزوح للأطفال في العالم، مشيرة إلى احتمال وفاة 700 ألف طفل مصابين بسوء التعذية الحاد الشديد إذا لم يحصلوا على العلاج الطبي المنقذ للحياة بأسرع وقت. تضيف أن 14 مليون طفل في السودان في حاجة ماسة إلى المساعدة المنقذة للحياة في مجالات الصحة والتغذية والتعلم، وأن أكثر من 7.4 ملايين طفل لا يحصلون على مياه الشرب الآمنة الضرورية للبقاء على قيد الحياة.
ورغم أن الحرب دخلت شهرها العاشر وتأثرت بمجرياتها 14 ولاية من مُجمل 18 ولاية، لم تُنشأ مخيمات رسمية لإيواء النازحين، ولا يزال الملايين يقيمون في المدارس التي تفتقر إلى دورات مياه كافية وتهوية جيدة، وبعضها من دون أسوار، ومنهم من يقيم في مخيمات مصنوعة من مواد محلية أو تحت ظلال الأشجار. ويشير مركز تتبع النزوح التابع للمنظمة الدولية للهجرة، إلى أن حوالي 13500 شخص نزحوا حديثاً في السودان خلال الأسبوع الأخير من شهر يناير/ كانون الثاني الماضي، ليلحقوا بنحو 9.05 ملايين نازح بين ولايات السودان، وهو الرقم المعتمد حتى 31 ديسمبر/ كانون الأول 2023. وقال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في 29 يناير/ كانون الثاني الماضي، إن حوالي 1 من كل 8 نازحين في جميع أنحاء العالم هو سوداني.
ومن حي الديم الواقع على مقربة من قيادة الجيش السوداني وسط العاصمة السودانية الخرطوم، استخدمت سلوى جابر (47 سنة) بعد ثلاثة أيام فقط من اندلاع الحرب في 15 إبريل/ نيسان من العام الماضي، عربة نقل بضائع برفقة أطفالها ميسون (17 عاماً) وأكرم (15 عاماً) وعبد الله (14 عاماً) وإبراهيم (12 عاماً) وجابر (8 أعوام)، وغادرت إلى ولاية الجزيرة القريبة من الخرطوم تاركة خلفها كل ممتلكاتها في المنزل الذي لم تجد وقتاً لإحكام إغلاقه.
وفي 19 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، استيقظت مدينة ود مدني عاصمة الجزيرة على أصوات الرصاص، واجتاحت قوات الدعم السريع المدينة، وأجبرت قوات الجيش السوداني على الإنسحاب منها تحت وابل من المعارك العسكرية الطاحنة.
هذه المرة، لم تتمكن سلوى من النجاة بأطفالها الذين استقرت بهم خلال تسعة أشهر في مركز إيواء مؤقت بالمدينة. قُتل أحدهم، وأصيب ثلاثة آخرون، وتقول لـ “العربي الجديد” إن قذيفة طائشة سقطت بالقرب منهم أثناء محاولتهم الفرار من وجه المعارك العسكرية التي بدأت تقترب من مركز الإيواء.
بعد ثماني ساعات من السير المتواصل، بلغت سلوى بأطفالها الذين كان اثنان منهم ينزفان بشدة، مدينة سنار التي لم تكن تستغرق في الأوقات الطبيعية أكثر من أربعين دقيقة، وهناك تلقوا الإسعافات الأولية في مركز صحي غير حكومي، حيث امتلأت المستشفيات الحكومية بالجرحى الذين نقلوا من ود مدني.
كانت مدينة سنار تفيض بالنازحين الذين قدموا من الخرطوم قبل أشهر، لذلك اضطرت سلوى إلى مواصلة نزوحها إلى مدينة كسلا الواقعة شرق السودان على مقربة من الحدود الإريترية. وتقول لـ “العربي الجديد” عبر الهاتف من مدينة كسلا، إنها تتشارك حالياً مع ثلاث نساء غرفة في مدرسة في المدينة تم تحويلها إلى مركز إيواء مؤقت، وتقول إن أطفالها الذين أصيبوا في مدني لم يحصلوا على الرعاية الطبية للازمة بصورة مناسبة داخل مركز الإيواء الذي يضم ما يزيد على 1200 نازح بينهم ما يزيد على 400 طفل. علاوة على ذلك، فإن الطعام الذي يحصل عليه الأطفال في مركز الإيواء لا يتناسب مع حالتهم الصحية.
تضيف: “بدأ الأطفال يتعافون بصعوبة من إصابتهم بالقذيفة في مدني، ولكنهم في غاية الهزال والضعف حالياً، كما أنهم عرضة للإصابة بعدد من الأمراض المنتشرة في المدينة، منها الكوليرا وحمى الضنك والملاريا”. ويقول مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية إن تقاریر وردته تتحدث عن أكثر من 9700 حالة یشتبه بإصابتھا بالكولیرا، بما في ذلك 269 حالة وفاة مرتبطة بھا، وذلك حتى 16 ینایر/ كانون الثاني 2024.
إلى ذلك، يقول أحمد عبد القادر من مدينة أم روابة بولاية شمال كردفان وسط السودان التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023، إن المستشفيات في المنطقة أغلقت أبوابها تماماً وتفتقر أكثر من 113 قرية إلى مراكز تقديم خدمات طبية وأخرى لتقديم الرعاية الأولية للحوامل والأطفال حديثي الولادة. ويقول أحمد لـ “العربي الجديد” إن النساء أصبحن يلدن في المنازل على يد قابلات غير مدربات، ويفتقرن إلى أدنى المعرفة الطبية الصحية بالتعامل مع حالات الولادة، حتى إن كانت غير متعثرة. وتقول نقابة أطباء السودان إن من المتوقع أن يُولد 45 ألف طفل في مناطق النزاع المسلح الذي دمرت فيه كل المرافق الصحية، ما يزيد من وفيات الأمهات والأطفال حديثي الولادة.
وبحسب منشور أصدرته نقابة أطباء السودان خلال الأسبوع الأخير من يناير/ كانون الثاني الماضي، يتوقع ولادة حوالي 30 ألف طفل ما بين فبراير/ شباط وإبريل/ نيسان المقبل، من دون الحصول على الرعاية الطبية المناسبة مثل اللقاحات الأساسية، ما يزيد من خطر مضاعفات أمراض الطفولة.
وقالت منظمة “أطباء بلا حدود” في 5 فبراير/ شباط الجاري، في بيان على موقعها الرسمي، إن الأطفال يواجهون كارثة الموت اليومي في معسكر زمزم في ولاية شمال دارفور، كاشفة عن وفاة 13 طفلاً يومياً بمعدل طفل كل ساعتين، وأرجعت نيكوليه أسباب وفيات الأطفال في المعسكر إلى “سوء التغذية الحاد”.