الأخبار

ماهي مكاسب البرهان وحميدتي من زيارة طرابلس الغرب

خسائر البرهان ومكاسب حميدتي من زيارة طرابلس
سباق الزيارات الخارجية يحمل رسائل داخلية في السودان.

البرهان في ليبيا: زيارة تثير التساؤلات
قائد الجيش السوداني وخصمه قائد قوات الدعم السريع استجابا سريعا لوساطة رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها في ليبيا. ولم يكن الهدف الواسطة، بل كانت الزيارة هدفا لأجندات أخرى، فعبدالفتاح البرهان استثمرها في تأكيد الحاجة إلى الدعم الإخواني بلقائه المفتي الصادق الغرياني فيما سعى محمد حمدان دقلو لتأكيد دعمه للمسار التفاوضي.

أثارت الزيارة التي قام بها قائد الجيش السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان وغريمه قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) إلى طرابلس قبل أيام، تساؤلات كثيرة على صعيد النخبة السياسية، فليبيا المُكبلة بأزمتها منذ سنوات يصعب أن تقدم حلا للسودان، ولذلك انحصر تقييم الزيارة في الأهداف التي يريد تحقيقها كل طرف ممن ذهبوا أو استقبلوا فاقتصرت أهميتها على ما قدمته من إشارات.

وطويت زيارة الجنرالين من دون توقّع أن تفرز روافد وتبعات على السودان أو ليبيا في المستقبل، وستتوقف عند ما حملته من أغراض رمزية ودلالات معنوية، فرئيس حكومة الوحدة الليبية المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة يعاني من مأزق حاد قاده لاستضافة البرهان وحمديتي خلال فترة متقاربة ليوحي أنه قد يصبح لاعبا إقليميا، وفشله الداخلي لن يمنعه من مدّ بصره لما هو أبعد من ليبيا، فكيف تحرمه قوى مناوئة له في الداخل من هذا الدور، ما يعني أن الانتقادات الموجهة له غير دقيقة، أو هكذا يريد تصوير الأمر ليوحي أن استمراره على رأس السلطة سيكون مفيدا للدولة.

كما أن كلا من البرهان وحميدتي يعمل للاستثمار في الجولات الخارجية عموما، ورأينا أن أقدامهما قادتهما إلى دول عديدة في المنطقة الفترة الماضية، فكلاهما أرد التأكيد أنه يملك شبكة جيدة من العلاقات، ضمن توازنات يسعيان إلى عدم الخروج منها، فمع مرور حوالي عشرة أشهر على الحرب، إلا أن الكثير من القوى الإقليمية والدولية لم يفتر حماسها للتعامل معهما على قدم المساواة تقريبا، وهي ميزة حصد منها حميدتي مكاسب، وقلة الاكتراث بتوصيف الدعم السريع كحركة متمردة.

◙ حميدتي بزيارته إلى طرابلس واللقاء مع الدبيبة أحرز هدفا سياسيا وعسكريا مزدوجا، فقد أكد انفتاحه على مسار التسوية وعدم ممانعته لأيّ مفاوضات ولو جاءت عن طريق ليبيا المأزومة
ويمكن تحديد نقطتين أساسيتين عند الحديث عن الخسائر السياسية التي مُني بها قائد الجيش في زيارته إلى يبيا، الأولى: أنه لم يعد حريصا على توثيق علاقته بدول الجوار الأفريقي أو يعوّل على دور لها عبر هيئة “إيغاد” أو بصورة منفردة، وأن علاقته مع دول شمال أفريقيا، مثل الجزائر وليبيا ومصر، قد تغنيه عن التمسك بالجنوب وهي رسالة ربما لن يتمكن من تحقيق مغزاها، فعملية التدخلات الخارجية سلما أو حربا لا يملك أحد الطرفين التحكم فيها بمفرده، فهناك حسابات معقدة تساهم بدور فعال في تحديد البوصلة في هذه المسألة.

النقطة الثانية: أن البرهان أكد ما تردد الفترة الماضية حول علاقته بالحركة الإسلامية السودانية وتدخل قادتها في بعض التوجهات العسكرية، فاللقاء الذي عقده مع مفتي ليبيا السابق الصادق الغرياني في طرابلس، ضمن زيارته إلى ليبيا، بدا لافتا للكثيرين من حيث الأضواء التي سلطت عليه من قبل الإسلاميين، فهو معروف عنه تطرفه وعلاقته الوثيقة بجماعة الإخوان، كأن قائد الجيش أراد توضيح شيء أصبح معلوما بالضرورة.

وإذا كانت خسارة البرهان في النقطة الأولى يمكن معالجتها بقدر من التحركات السياسية، فالثانية يصعب أن تلغيها أيّ لياقة دبلوماسية، لأن لقاء البرهان – الغرياني في هذا التوقيت جعل الزيارة كأنها جاءت أصلا لهذا الغرض، لتطمين تيار أو تخويف آخر، وأن قائد الجيش حسم أمره في تحالفه مع تنظيم الإخوان داخل المؤسسة التي ينتمي إليها، ما يغضب بعض دول الجوار، مثل مصر، والتي خاضت معركة ضارية للتخلص من أجنحة الإخوان، وأسهمت بدور مُعتبر في تقويضها بالمنطقة.

ويعلم البرهان المغزى الذي ينطوي عليه لقاء شخصية مثل الصادق الغرياني على الصعيد السوداني، والذي ظهرت مخاوف شريحة كبيرة فيه من استمرار اختراق الإخوان، أو الكيزان كما يسمّون في السودان، للمؤسسة العسكرية العريقة، وحسبوا أن ديناميكيات التخريب انتهت بسقوط نظام الرئيس السابق عمر البشير، ناهيك عن إضفاء مصداقية أكبر على خطاب قوات الدعم السريع التي كانت في مقدمة من حذّروا من هذه العلاقة، والتي اعتمدت كسبب رئيسي لاندلاع الصراع ومواصلته حتى الآن.

وأحرز حميدتي بزيارته إلى طرابلس واللقاء مع الدبيبة هدفا سياسيا وعسكريا مزدوجا، فقد أكد انفتاحه على مسار التسوية وعدم ممانعته لأيّ مفاوضات ولو جاءت عن طريق ليبيا المأزومة، ونفى ضمنيا ما تردد صراحة حول تلقيه أسلحة من قائد الجيش الليبي المشير خليفة حفتر وانحيازه له في المعارك الأمنية والسياسية الدائرة على الأراضي الليبية، فدعوة الدبيبة لحميدتي إلى طرابلس، بعيدا عن أهدافها الليبية، برّأت ساحة قائد الدعم السريع وما لحق به من اتهامات منذ اندلاع الحرب منتصف أبريل الماضي بشأن الجهات التي مدته بمعدات عسكرية عبر الحدود المشتركة مع ليبيا أو تشاد.

ومع أن ردة فعل حميدتي على الدعوة التي تلقاها من الدبيبة لزيارة طرابلس بدت دبلوماسيا أكثر من اللازم، بما أشار إلى إمكانية تلبية الدعوة في وقت لاحق، إلا أن النتائج السلبية التي تمخضت عنها زيارة البرهان عجلت بزيارة حميدتي ومحاولة القفز عليها سياسيا لدمغ خصمه بما لحقه به من اتهامات حول علاقته بالكيزان، وتبرئة ساحته حول ما أثير من ربط مصيره بالمشير حفتر وأحد أولاده (صدام حفتر) فالذهاب إلى طرابلس شكك في هذه العلاقة، وإن كان أعوان حفتر أجروا لقاءات مع فريق الدبيبة.

ويبدو ترتيب رقع الشطرنج في السودان لا يختلف كثيرا عن ليبيا، فتحول التحالفات وتغير الولاءات يلعبان دورا مهما في موازين القوى الداخلية، ويؤثران على التوازنات الخارجية، لأن حصيلة زيارتي البرهان وحميدتي إلى طرابلس قد تقود إلى إعادة بعض الدول لتقديراتها حيالهما، والزيارة التي اعتبرها الكثيرون في السودان هامشية ونتائجها محدودة أو منعدمة جلبت صخبا في بعض الدوائر السياسية التي تعاملت بجدية مع ما رشح من مؤشرات متباينة، فالأزمة السودانية بات من الصعوبة حسمها عسكريا، وقد تحسب نتائجها بما يراكمه طرفاها من نقاط عن طريق الداخل والخارج.

وفي ظل حيرة تنتاب الكثير من القوى السودانية لتحديد انحيازها لأحد الطرفين، لم يعد أمام كليهما خيار سوى السعي نحو رسم خارطة تتناسب مع أهدافه، عبر مناورات في الداخل تشير إلى تفوق عسكري وسياسي ما، وجولات في الخارج تحمل دلالة بشأن وجود قدرة عالية لتطوير التفاعلات الإقليمية، ولكل منهما مردودات إيجابية أو سلبية على ما تحمله من تصورات وتصرفات تُظهر المكانة التي يحرزها.

وربما تأتي النتيجة النهائية لما سوف يحدث في السودان قريبا من خلال حجم ما يوجهه كل طرف للآخر من ضربات سياسية موجعة، لأن الانتصار العسكري بالضربة القاضية من الصعوبة أن يصل إليه أحدهما وسط خلل حاصل في ميادين المعركة التي يمكن أن تشهد تغيرات بين لحظة وأخرى.

 

محمد أبوالفضل
كاتب مصري

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى