العربي الجديد : هل يعود حزب المؤتمر الوطني في السودان من شبّاك الاتحاد الأفريقي؟
على نحو مفاجئ، عقدت الآلية الأفريقية رفيعة المستوى بشأن السودان اجتماعاً، هو الأول من نوعه، مع ممثلين من حزب المؤتمر الوطني (حزب الرئيس المعزول عمر البشير)، أمس الأربعاء، لبحث سبل إنهاء الأزمة في البلاد، ما أثار جدلاً سياسياً واسعاً.
و”الآلية الأفريقية” هي آلية شكّلها مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي، في يناير/ كانون الثاني الماضي، من مجموعة من الخبراء والدبلوماسيين، لكن نشاطها بدأ عملياً مطلع الشهر الجاري بلقاء مع رئيس مجلس السيادة السوداني وقائد الجيش، الجنرال عبد الفتاح البرهان، في مدينة بورتسودان.
وعقب لقاء البرهان اجتمعت الآلية مع قوى سياسية أخرى في السودان قبل أن تشد الرحال إلى القاهرة للاجتماع مع المسؤولين المصريين وقوى سياسية سودانية، من بينها الكتلة الديمقراطية بقيادة جعفر الميرغني، ثم أحدثت المفاجأة بالاجتماع مع ممثلين عن حزب البشير هم: أسامة فيصل، وزير الدولة السابق بوزارة الخارجية السودانية والذي يعمل حالياً مسؤول العلاقات الخارجية بالحزب، وأميرة الفاضل، وزيرة الشؤون الاجتماعية السابقة في حكومة البشير كما تبوأت منصباً رفيعاً في الاتحاد الأفريقي.
وبحسب معلومات حصل عليها “العربي الجديد” ناقش اللقاء بين الآلية والحزب سبل إنهاء الحرب في السودان، وما يمكن أن يقدمه المؤتمر الوطني على هذا الصعيد. ولم يخرج الاجتماع بأي نتائج معلنة سوى تسريبات صحافية عن طلب ممثلي الحزب من الآلية الأفريقية الاجتماع بقيادات الحزب داخل السودان.
وبمجرد الكشف عن اللقاء الذي تم في القاهرة بين الآلية الأفريقية وممثلي حزب المؤتمر، اجتاحت حالة من الارتياح أنصار الحزب وقيادته، باعتبار أن الخطوة تمثل نقطة بداية لإعادة المشروعية للحزب والاعتراف بوجوده في الساحة السياسية، كما عمت حالة الارتياح وسط تنظيمات سياسية قريبة من “المؤتمر” وتشاركه التوجهات الإسلامية، في حين قوبلت الخطوة بامتعاض شديد من معارضي الحزب وخصومه لجهة أنها ردة عن مبادئ “ثورة ديسمبر”.
خطوة “موفقة”
وقال محمد أبو زيد كروم، رئيس حزب “منبر السلام العادل” والشريك سابقاً في نظام البشير، لـ”العربي الجديد”، إنّ اللقاء بين الآلية وحزب المؤتمر الوطني “يُنظر إليه من عدة اتجاهات، ففي الجانب العملي هو خطوة موفقة إذا كانت كل الأطراف فعلاً حريصة على حل الأزمة السودانية، وهو أمر يحتاج لعدم استثناء أي جهة أو أي طرف، خصوصاً وأن ظروف استثناء الحزب في الفترة السابقة لم تعد موجودة بحكم الواقع السياسي”.
وأضاف كروم أن “مجموعة الحرية والتغيير التي تبنت قرارات إقصاء المؤتمر الوطني وعزلته لم تعد موجودة الآن، وهي معزولة ومطاردة ومتهمة وأصبحت في وجه المدفع أكثر من المؤتمر الوطني، وذلك على اعتبار التفاصيل التي مرت في السنوات السابقة، بدءاً من الوثيقة الدستورية وقرارات 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021 وصولاً للحظة الحرب” بين البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي” في 15 إبريل/ نيسان الماضي.
ويشير كروم إلى أن المجموعات المناوئة لـ”المؤتمر الوطني” وللإسلاميين عامة يرون أن الأخيرين جزء من الحرب أو أشعلوها “فمن الأجدى، بهذه الحالة وطالما أنك تدعي أن هناك طرفاً أشعل الحرب، أن تجلس معه وتحاوره وتعرف منه لماذا فرض الحرب. وطالما هو فاعل فيها فعليك أن تجلس معه مثل ما تفعله مع الدعم السريع الذي يقتل وينهب ويغتصب ويستجلب مرتزقة ويدمر الدولة ويتبنى مشروعاً عنصرياً ومناطقياً استيطانياً، وكل ذلك جعل منه جزءاً من الأزمة ورغم ذلك تفاوضه الحرية والتغيير، ومن باب أولى إذا أردت حلاً حقيقياً أن تتحاور مع كل الأطراف”.
ويرى رئيس “منبر السلام العادل” أنّ “المخرج المعقول والمقبول هو مشاركة الجميع في الحل، وبالتالي تأييد ما ذهب إليه الاتحاد الأفريقي تجنباً للإقصاء والإقصاء المضاد”، مشيراً إلى أن “مشاركة الجميع في الحلول لا تعني إفلاتهم من العقاب والمحاسبة، سواء لقادة المؤتمر الوطني أو قادة الحرية والتغيير، خصوصاً وأن الشواهد تقول إن قوى الحرية والتغيير ليست بريئة من دعم تمرد الدعم السريع”.
“خلل كبير”
من جهته، يرى مستشار قوات الدعم السريع، اللواء المتقاعد صلاح الدين عيساوي، أنّ “اجتماع وفد آلية الاتحاد الأفريقي مع ممثلين من حزب المؤتمر جاء في ظروف ملبّدة بالغيوم ويكتنفه غموض شديد، ويأتي بفضل سعي من عناصر الحزب في السفارات المحسوبة عليه في كل دول العالم بحثاً عن مناصرين للمؤتمر، والتي تعمل بنفس الوقت على إدانة الدعم السريع”.
وأضاف عيساوي، لـ”العربي الجديد”، أنّ “الدعم السريع لا يمكن أن يقبل بحكومة يشارك فيها المؤتمر الوطني ويُبعَد عنها المدنيون، وأن الشيء الوحيد الذي يدافع عنه الدعم السريع حالياً هو تسليم السلطة للمدنيين وخروج طرفي القتال من السلطة السياسية، وإبعاد اللجنة الأمنية الموالية لنظام البشير والجنرالات المتأسلمين من سدة الحكم وهيكلة القوات المسلحة”.
في المقابل، يقول إمام الحلو، القيادي في حزب “الأمة القومي”؛ أحد أبرز أحزاب تحالف الحرية والتغيير، لـ”العربي الجديد”، إنّ “لقاء الاتحاد الأفريقي مع أي جهة مطلوب ومرغوب، وكل مجهود دولي وإقليمي مطلوب أيضاً لمساعدة السودان على وقف الحرب”، مشيراً إلى أنهم كقوى سياسية لا يحددون من سيقابل الاتحاد الأفريقي أو لا يقابل “لاسيما وأننا لم نشهد حراك الآلية إلا الآن، ولم تُبذل جهود كافية للقيام بمهتها”، وفق قوله.
وأضاف الحلو أنّ “لقاء الآلية بحزب المؤتمر الوطني في القاهرة لن يؤدي لنتائج إيجابية، في ما يتعلق بوقف الحرب أولاً”، محذراً من أن دفع الاتحاد الأفريقي لمقترحات بإشراك “المؤتمر الوطني” في أي عملية سياسية لاحقة سيؤدي لـ”خلل كبير في عمل الآلية رفيعة المستوى، لأن العملية السياسية التي ستأتي بعد وقف الحرب هي استعادة الوضع الدستوري القائم على ثورة ديسمبر، ومبادئ ثورة ديسمبر رافضة للنظام البائد ككل ورافضة لمشاركة المؤتمر الوطني في أي ترتيبات انتقالية”.
يذكر أنّ الثورة السودانية التي اندلعت في 19 ديسمبر/ كانون الأول 2018، أطاحت نظام الرئيس السابق عمر البشير. وفي صبيحة 25 أكتوبر/ تشرين الأول عام 2021، أطاح انقلاب الجيش وقوات الدعم السريع حكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك وتحالف الحرية والتغيير.
ثوار السودان وعودة المؤتمر
أما كمال كرار، القيادي في الحزب الشيوعي السوداني، فيرى في حديث لـ”العربي الجديد”، أن الاتحاد الأفريقي “واقع في متاهة كبيرة في ما يتعلق بالسودان، وكثيراً ما تتخبط قراراته، فلا هو قادر على الالتزام بقرار تجميد عضوية السودان بسبب الانقلاب العسكري 2021، ولا يدرك في الآن ذاته تفاصيل مجريات السياسة في السودان”.
ويضيف كرار أنّ سبب هذه المتاهة هو أنّ “الاتحاد الأفريقي (نفسه) يحكمه مزاج الحكومات الأفريقية وجلّها حكومات ديكتاتورية”، معتبراً أنّ “الاتحاد وآلياته أسهمت في تعقيد الوضع السياسي منذ بداية الفترة الانتقالية بتبني الوثيقة الدستورية 2019، التي قادت في النهاية للانقلاب العسكري، كما أن الاتحاد تبنى الاتفاق الإطاري 2022 بين العسكر وقوى سياسية، وهو الاتفاق الذي مهّد للحرب”، بحسب قوله.
ووقّع تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير وقوى سياسية وأجسام مهنية، في 5 ديسمبر/كانون الأول 2022، اتفاقاً إطارياً “مبدئياً” مع قائد الانقلاب العسكري الجنرال عبد الفتاح البرهان، ونائبه محمد حمدان دقلو (حميدتي)، يتضمن نصوصاً عدة، أبرزها انسحاب المؤسسة العسكرية من المشهد السياسي، وتشكيل سلطة مدنية كاملة بمستوياتها السيادية والتنفيذية والتشريعية، وهي بنود لم يتم الالتزام بها، وصولاً إلى الاشتباكات التي نشبت بين الجنرالين في 15 إبريل/ نيسان 2023.
وعلى ذلك، يقول كرار، “يسبح الاتحاد الأفريقي مع تيار من يودون إعادة المؤتمر الوطني إلى المشهد السياسي، ولهذا جاء لقاء القاهرة، بينما المؤتمر الوطني في نظر الشعب السوداني مات وشبع موتاً، وفلوله هي التي تحرك خيوط الحرب الآن، لذا فاقد الشيء لا يعطيه والاتحاد الأفريقي لن يقدم أو يؤخر شيئاً في ما يتعلق بوقف الحرب”، وفق قوله.
ورأى كرار أنّ ما جرى بالقاهرة “يدل على أنّ الأطراف الخارجية الآن لم تعد تبحث عن وقف الحرب فقط بل ترتب لحكومة ما بعد الحرب نيابة عن الشعب وثورته، وهذا مخطط لن يمر”، بحسب كرار الذي أكد أنّ “موقفنا مع بقية قوى الثورة الفاعلة هو تفكيك وتصفية بنية النظام البائد، ومحاكمة المجرمين من رموزه. ونرفض أي حوار أو مسعى يحاول شرعنة وتقنين وجود المؤتمر الوطني الذي لفظه الشعب السوداني”.
ورغم الخطوة المفاجئة للوفد الأفريقي إلا أن المحلل السياسي، محمد الأسباط، يقلل من أهميتها ويرى أنها أقرب لمبادرة علاقات عامة ولا توازي من حيث الثقل السياسي والدبلوماسي المبادرات الأخرى، مثل مبادرة “منبر جدة التفاوضي” أو مبادرة الهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا “إيغاد”.
ويقول الأسباط لـ”العربي الجديد” إن “لقاء وفد الآلية رفيعة المستوى مع الفاعلين والقوى السياسية هو في الأساس لقاء استكشافي جدوله معلن منذ أكثر من شهر، وفور إعلان الجدول برزت ملاحظات بشأن القوى التي يلتقيها الوفد. لكن لم يصدر أي بيان أو توضيح من مجلس الأمن والسلم الأفريقي”.
ورأى المتحدث أن “تلك المبادرة لا مستقبل لها لمعالجة المشكلات الناجمة عن الحرب في السودان ولا نتائج الحرب، ما يجعلها مجرد حملة علاقات عامة”، مشيراً إلى أن إشراك “المؤتمر الوطني في أي مرحلة من مراحل الفترة الانتقالية ليس مطروحاً، لأنه يخالف جوهر فكرة وهدف ثورة ديسمبر التي اندلعت شرارتها الأولى ضد المؤتمر الوطني ولن يقبل الثوار في يوم من الأيام أي وجود له في مؤسسات الدولة”.
السودان والاتحاد الأفريقي
وكان الاتحاد الأفريقي جمّد عضوية السودان في العام 2021 عقب انقلاب البرهان بمساعدة قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي”، على الحكومة المدنية برئاسة عبدالله حمدوك.
ومنذ سقوط نظام البشير، في 11 إبريل/ نيسان 2019، رفضت القوى السياسية وقوى ثورية أي وجود للحزب في المشهد السياسي وعملت على إقصائه من أي عملية سياسية، كما أصدرت الحكومة الانتقالية بشقيها السيادي والتنفيذي قانوناً بحل الحزب وحظر نشاطه وتفكيك هيمنته على مفاصل الدولة، كما لاحقت السلطات العدلية قيادات من الحزب وحاكمتها بتهم متفاوتة أولها الانقلاب على النظام الديمقراطي في العام 1989.
وعقب اندلاع الحرب في السودان بين الجيش و”الدعم السريع”، في 15 إبريل/ نيسان الماضي، وخروج قيادات بارزة في حزب المؤتمر من السجن، اتخذ الحزب قرارات بمساندة الجيش وصمم برامج سياسية وإعلامية مساندة له، ومضى أبعد ذلك بمشاركة مباشرة في القتال إلى جانب الجيش في كثير من المعارك.
ويسود اعتقاد قوي في السودان وسط خصوم “المؤتمر الوطني” بأن الحزب يقف كلياً وراء الحرب، وذلك بغرض قطع الطريق أمام التحول الديمقراطي وإنهاء انقلاب 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، والعودة في نهاية المطاف إلى السلطة.