ذكريات رمضانية : يحيي السويد
لم أكن قد تجاوزت التاسعة عندنا جربت صيام رمضان لأول مرة في حياتي ، كان ذلك منذ نصف قرن بالتمام و الكمال ، لم يكن حظي جيداً حينها ، لأن رمضان ذلك الوقت كان يأتي في آب اللهاب في عز الصيف .
عانيت كثيراً في الأيام الأولى ، لاسيما من العطش ، خاصة لأنني مثل كل الأولاد في ذلك السن لا نركن ولا نهدأ طوال اليوم .لم نكن نعرف آنذاك البرادات ، فالكهرباء لم تصل إلينا ومحظوظ من كان يشرب مرتين من الماء الباردة ، التي تكونت من ذوبان قطعة الثلج التي نشتريها من المعراوي ، الذي كان يأتي يومياً بسيارته الخضراء ، إلى الشارع الرئيسي ، ويركنها أمام دكان أحمد الشوقي رحمه الله ، وفيها قوالب من البوظ ملفوفة بالخيش المبلل بالماء حتى لاتذوب بسرعة .
كنا نصطف في طوابير للحصول على قطعة من هذه المادة السحرية .
كان الشباك الشمالي في عرفتنا الشرقية ، والمطل على أرض موسى الربوع هو البراد ، حيث يقوم الوالد والوالدة رحمهما الله بعد صلاة العصر من كل يوم ، بصف صحون التين الكرسعاوي والبياضي ، وكذلك صواني الجبس والبطيخ والعجور والكندور في الشباك ، في محاولة يائسة لتبريدها ، كنا نتناوب على حراسة الصحون من بعض الحشرات التي تغريها رائحة الصحون حتى يحين موعد التهامها .
كانت الليالي طويلة منذ الإفطار وحتى السحور ، في ظل عدم وجود الكهرباء ، الكبار يذهبون إلى صلاة التراويح ، والتي كانت تقام فقط في الجامع الكبير ، بينما النساء والصغار يلتفون حول الراديو لمتابعة نهفات صابر وصبرية حتى يهزمنا النعاس ، لنتسلل إلى الفرش الممدودة تحت الكلة منذ المغرب حتى تكتسب البرودة ، بانتظار أن يأتي دقاق الطبل محمد السماحي رحمه الله ، ليوقظنا على السحور ، كان رحمه الله يملك إيقاعاً في دق الطبل ، لا يعرفه ولم يستمتع به إلا من عاصره .