العرب اللندنية : التجاوب السياسي للمبادرات من قبل قوات الدعم يؤثر على مكاسبها العسكرية
بدأ خيار الخفوت السياسي الذي انتهجته قوات الدعم السريع خلال الفترة الماضية، بعد سلسلة من النجاحات الميدانية، يؤثر على مكاسبها العسكرية؛ إذ خسرت الثلاثاء سيطرتها على مقر الإذاعة والتلفزيون في أم درمان.
ويبدو واضحا أن الجيش وظّف حالة كمون الدعم السريع في تعزيز قواته؛ حيث لا يستبعد مراقبون أن تكون الجولات التي قام بها قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان خلال الفترة الأخيرة قد نجحت في إقناع أطراف إقليمية بتقديم الدعم العسكري إلى الجيش.
وبدت قوات الدعم السريع خلال الفترة الماضية متجاوبة أكثر من اللازم مع مبادرات التسوية ووقف الحرب التي تأتي من قوى مختلفة، وهو ما وظفه الجيش في حشد قواته وأعلن رفضه قبول مقترح الهدنة خلال شهر رمضان.
وكان محللون وخبراء عسكريون قد توقعوا قبل أشهر حدوث انتكاسة لقوات الدعم السريع في حال اسمرار ترددها في استكمال السيطرة على المدن والمواقع الإستراتيجية، مستحضرين نموذج الجيش الليبي سنة 2019؛ حيث وصل إلى تخوم طرابلس ثم توقف، وهو ما استغله خصومه الإسلاميون في التحشيد وجلب الدعم العسكري الخارجي، لتنتهي العملية العسكرية بانسحابه من مواقعه وعودته إلى الشرق.
وقال الجيش السوداني الثلاثاء إنه استعاد السيطرة على مقر الهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون من قوات الدعم السريع بعد أن سيطرت عليه خلال بداية الحرب قبل 11 شهرا. ويقع المقر في أم درمان المطلة على نهر النيل قبالة الخرطوم، وهي جزء من منطقة العاصمة الكبرى حيث بدأ الجيش في الفترة الأخيرة يستعيد بعض مواقعه عقب سلسلة من الهزائم.
ويرى مراقبون سودانيون أن المكاسب الميدانية التي يعلن عنها الجيش ليست نوعية كما يروج لها أنصاره، وهي ناتجة بالأساس عن قرار الدعم السريع عدم الاعتماد على مسار الحسم العسكري كخيار وحيد وفتح الباب أمام التفاوض لحل الأزمة بشكل سلمي، وهو ما يفسر التفاعل السريع لقيادة القوات مع مبادرات الحل السياسي، سواء منها التي جاءت بمبادرة مشتركة بين السعودية والولايات المتحدة في محادثات جدة، أو العروض الأفريقية، بما في ذلك وساطة الهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا (إيغاد) التي رفضها الجيش أو الوساطة المصرية.
ورحبت قوات الدعم السريع السبت بدعوة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إلى وقف الأعمال القتالية خلال شهر رمضان، ما يمثل دليلا على الرغبة في وقف الحرب واستثمار أي فرصة لتجنيب المدنيين ويلات الحرب وتسهيل حصولهم على المساعدات ووقف حركة النزوح الواسعة التي أنتجتها الحرب.
وعلى العكس من رغبة الدعم السريع في تجنيب السودانيين ويلات الحرب خلال شهر رمضان، قال مساعد قائد الجيش الفريق ياسر العطا الأحد “لا هدنة في رمضان إلا إذا نفذت الدعم السريع اتفاق جدة”، لافتا إلى أن الدولة ستتفاوض من أجل إيقاف الحرب عندما يلتزم “التمرد” بتنفيذ مخرجات جدة.
ويشير المراقبون إلى أن المكاسب الميدانية يمكن استعادتها بمرور الوقت، لكن ثقة الناس من الصعب استعادتها، ولهذا تعطي قوات الدعم السريع للبعد الإنساني أولوية في المعركة بالرغم من أن ذلك يفهم لدى قادة الجيش على أنه تراجع وضعف.
ورغم ما يحصل عليه الجيش من دعم إقليمي وتسليح مستمر وتفوق في سلاح الجو، عجز على مدى أشهر عن تحقيق مكاسب ميدانية.
وللتغطية على العجز يلجأ قادة الجيش إلى اتهام الدعم السريع بالحصول على دعم من جهات إقليمية، وهو أمر لا أدلة عليه، ولا نتائج واضحة له على الأرض، حيث تراهن القوات على حماس مقاتليها وخبراتهم الميدانية وعلى الدعم الشعبي في مختلف المحافظات التي سيطروا عليها.
ويحصل الجيش على دعم من جهات متعددة من بينها إيران وفق ما أشارت إليه تقارير إعلامية وتصريحات دبلوماسية مختلفة. وقبل أيام أعربت الولايات المتحدة عن قلقها إزاء تقارير عن شحنات أسلحة من إيران إلى الجيش السوداني.
وقال السفير الأميركي لدى السودان جون غودفري “هناك تقارير عن استئناف العلاقات بين السودان وإيران يمكن أن تشمل دعما ماديا إيرانيا للجيش السوداني، وهو أمر يشكّل مصدر قلق بالنسبة إلينا”.
ونشرت قوات الدعم السريع على وسائل التواصل الاجتماعي ما قالت إنه حطام مسيّرة إيرانية الصنع من طراز “مهاجر” تابعة للجيش.
كما ذكرت وكالة “بلومبرغ نيوز” نقلا عن مسؤولين غربيين أن إيران تزود الجيش السوداني بأسلحة.
ولا يستبعد محللون حصول الجيش السوداني على دعم عسكري تركي، قد تكون من ضمنه مسيرات بيرقدار ذات الفاعلية الكبيرة ميدانيا، والتي كان لها دور في تغيير اتجاه المعارك في ليبيا وسوريا وأذربيجان.
وقال الجيش السوداني الثلاثاء إنه دمّر قوة من الدعم السريع حاولت فك طوق أمني يفرضه على محيط الإذاعة والتلفزيون بأم درمان الاثنين. وبث الجيش على حسابه الرسمي بمنصة إكس فيديوهات وصور عقب “معركة فك الحصار عن مقر الإذاعة والتلفزيون”.
والاثنين تجددت الاشتباكات بالعاصمة الخرطوم بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، في أول أيام شهر رمضان، رغم الدعوات الإقليمية والدولية لوقف الأعمال العدائية خلال الشهر المبارك.
وتحدثت قوات الدعم السريع عبر منشورات عدة على حسابها في منصة إكس الاثنين عن تحضير عناصرها لاستهداف معاقل الجيش في محلية كرري ومنطقة وادي سيدنا العسكرية بأم درمان.
كما بثّت مشاهد من آثار دمار قالت إنه نتيجة قصف طيران الجيش على الأحياء السكنية في ولاية