تقف صادرات مصر من الحمضيات اليوم على أعتاب تحد كبير، يهدد بفقدان البلاد عرش صادرات البرتقال عالميا ، إثر تغيير مسار عديد من شركات الشحن بعيداً من اثنين من أكثر طرق الشحن ازدحاماً في العالم، البحر الأحمر وقناة السويس.
حققت القاهرة طفرة تصديرية غير مسبوقة للمنتجات الزراعية العام الماضي، بإجمالي 7.4 مليون طن، بزيادة مليون طن على المسجل في عام 2022، وبقيمة 3.7 مليار دولار للمرة الأولى في تاريخ الصادرات الزراعية، بحسب بيانات وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي المصرية، إضافة إلى 5.1 مليار دولار صادرات زراعية مصنعة، مع مركز يدعو إلى الفخر باحتلال البلاد المرتبة الأولى عالمياً في صادرات البرتقال والفراولة المجمدة للعام الثالث على التوالي.
لكن هذه المنجزات تبدو أمام اختبار صعب خلال العام الحالي، إذ أدت هجمات الحوثيين في البحر الأحمر وبحر العرب إلى تعطيل التجارة العالمية وسلسلة التوريد، بما في ذلك صادرات الحمضيات المصرية، بإعاقتها الوصول إلى أسواق آسيوية رئيسة، وهو مما دفع إلى خفض أميركي في توقعات صادرات مصر من البرتقال، خلال العام التسويقي 2023-2024، بنحو 250 ألف طن إلى 1.75 مليون طن.
البرتقال المصري في الصدارة
ويستحوذ البرتقال على 80 في المئة من صادرات مصر الحمضية، فيما يشكل اليوسفي والليمون والجريب فروت النسبة المتبقية، وتشكل الموالح عامة النصيب الأكبر من الصادرات الزراعية الطازجة، وتتكون صادرات البرتقال المصرية بصورة أساسية من الأصناف الشتوية مثل البرتقال البحري، ويصدر من ديسمبر وحتى بداية مارس (آذار)، وتبدأ الصادرات عادة بالشحنات إلى الخليج العربي، تليها روسيا، ومن ثم إلى الاتحاد الأوروبي وآسيا، كما تصدر مصر أصناف البرتقال الصيفية خلال الفترة من فبراير (شباط) وحتى نهاية يوليو (تموز)، والتي يتكون 70 في المئة منها من برتقال فالنسيا، وعلى رغم أن برتقال فالنسيا يتمتع بفترة صلاحية أطول، فإنه يميل إلى أن يكون أكثر كلفة.
على الأرجح ستتأثر حصة الصادرات المصرية من الحمضيات إلى وجهات آسيوية مثل الهند وبنغلاديش والصين وسنغافورة وماليزيا واليابان (رويترز)
ومنذ الـ15 من ديسمبر (كانون الأول) 2023 أوقفت عديد من شركات شحن الحاويات خدماتها موقتاً عبر البحر الأحمر، وهو الطريق الذي تمر عبره حركة المرور عادة من قناة السويس، في حين دفعت زيادة رسوم العبور وأقساط التأمين ضد أخطار الحرب الشركات إلى البحث عن طرق بديلة، ونتيجة لذلك تحول عدد متزايد من سفن الشحن إلى طريق رأس الرجاء الصالح الأطول حول أفريقيا، وهو مما أدى بدوره إلى زيادة وقت السفر بمعدل أسبوعين لسفينة حاويات من أوروبا إلى آسيا.
يتزامن اضطراب الملاحة في البحر الأحمر، مع الجفاف في قناة بنما الذي عطل بدوره التجارة العالمية، إذ لا يسمح إلا لـ24 سفينة بالمرور عبر القناة يومياً، ولا يتبقى للسفن المغادرة من الولايات المتحدة عبر خليج المكسيك اتجاهاً إلى آسيا سوى ثلاثة طرق بديلة هي قناة السويس في مصر، ومضيق ماجلان في تشيلي، ورأس الرجاء الصالح حول أفريقيا، فيما كانت قناة السويس هي الخيار الأقصر علاوة على تمتعها بسعة أكثر من 100 سفينة يومياً (أكثر من أربعة أضعاف القدرة الحالية لقناة بنما).
أسواق عالمية
وتمتد السنة التسويقية للحمضيات في مصر من أكتوبر (تشرين الأول) حتى سبتمبر (أيلول)، ووصلت صادرات البرتقال المصري إلى 126 دولة في عام 2022-2023، مقارنة بـ104 دول في عام 2021-2022، وكانت أهم وجهات تصدير البرتقال في 2022-2023 هولندا وروسيا والسعودية والهند والإمارات وإسبانيا وبنغلاديش وسوريا والصين والمملكة المتحدة.
وعلى مدى السنوات الخمس الماضية كانت مصر ثاني أكبر مصدر للحمضيات على مستوى العالم، بمرتبة قريبة من جنوب أفريقيا صاحبة الصدارة، وقبل هجمات الحوثيين، كان معظم صادرات الحمضيات المصرية تمر عبر البحر الأحمر، سواء مباشرة عبر ميناء جدة إلى السوق السعودية، أو عبر مضيق باب المندب إلى أسواق الشرق الأوسط وآسيا الأخرى، ومع ذلك، أعلن المشغل التجاري الرئيس للسفن التي تنقل صادرات الحمضيات المصرية عبر مضيق باب المندب، “CMA CGM” في الأول من فبراير 2024، عن تعليق عملياته في البحر الأحمر، مما دفع المصدرين إلى الدوران حول رأس الرجاء الصالح.
فاتورة أعلى كلفة
وبناءً على ذلك، يضطر مصدرو الحمضيات المصريون بصورة متزايدة إلى تحمل تحديات فترات العبور الأطول، وكان من المتوقع أن تتمتع صادرات الحمضيات المصرية بوضع تنافسي في السنة المالية 2023-2024، ويرجع ذلك جزئياً إلى زيادة الإنتاج الناتج من الظروف الجوية ودرجات الحرارة المثالية.
كانت التوقعات المصرية في السنة المالية 2023-2024 تشير إلى زيادة صادرات البرتقال المصرية بنسبة 25 في المئة لتصل إلى مليوني طن، مما يضمن احتفاظ القاهرة بمكانتها كواحدة من أكبر مصدري الحمضيات في العالم من جهة الحجم، قبل أن تخفض التوقعات بنحو 250 ألف طن، بحسب تقديرات وزارة الزراعة الأميركية.
يستحوذ البرتقال على 80 في المئة من صادرات مصر الحمضية، فيما يشكل اليوسفي والليمون والجريب فروت النسبة المتبقية (رويترز)
ويرى رئيس لجنة الموالح في المجلس التصديري للحاصلات الزراعية المصرية، محمد خليل، في هجمات الحوثيين السبب الرئيس في خفض معدلات التصدير عبر البحر الأحمر، وتضرر حصة المنتج في الوجهات المستهلكة مثل الهند وبنغلاديش وسنغافورة والصين، ويستحوذ الرباعي على ربع الصادرات المصرية من الموالح.
وتتوقع وزارة الزراعة الأميركية مواصلة صادرات البرتقال المصرية في التدفق بصورة طبيعية إلى ميناء جدة السعودي عبر طرق التجارة الحالية عبر البحر الأحمر، في منطقة تقع إلى الشمال من هجمات الحوثيين، ومع ذلك، بالنسبة إلى الحمضيات المتجهة إلى دول الخليج الأخرى، فإن الطريق الأطول حول رأس الرجاء الصالح أضاف متوسط أسبوعين، مما يؤثر حتماً في جودة صادرات الحمضيات المصرية.
تراجع حصة الصادرات
على الأرجح ستتأثر حصة الصادرات المصرية من الحمضيات إلى وجهات آسيوية مثل الهند وبنغلاديش والصين وسنغافورة وماليزيا واليابان، في ظل تحديات متزايدة بسبب ارتفاع أسعار الشحن، مع خسارة متناسبة في الجودة بسبب قصر مدة الصلاحية، نظراً إلى طول وقت العبور، خصوصاً مع مواجهة موانئ جنوب أفريقيا ضغوط بسبب زيادة حركة المرور، وهو ما يدفع السفن إلى الانتظار بميناء ديربان الجنوب أفريقي 19-20 يوماً، وسبعة أيام في ميناء بورت إليزابيث، وهو ما يرجع جزئياً إلى عدم القدرة على التزود بالوقود بسرعة، إلى جانب ارتفاع أسعار الشحن بما يصل إلى 6 آلاف دولار لكل حاوية للصادرات المتجهة إلى آسيا عبر رأس الرجاء الصالح.
ويشير تقرير الوزارة الأميركية إلى خفض الكمية التي تصل إلى السوق الآسيوية وتأثر جودة الفاكهة بصورة كبيرة، مما أدى إلى نقص في المعروض بعديد من البلدان، وفي حين أن البرتقال المصري هو الفاكهة الحمضية المفضلة لدى عديد من المستهلكين الآسيويين، فإن الاضطراب الحالي في تجارة الحمضيات يمكن أن يؤدي إلى فرص السوق لموردين آخرين مثل الصين وروسيا.
إلى الشمال من مصر، ظل تدفق البرتقال المصري إلى أوروبا طبيعياً، حتى مع خفض توافر السفن في جميع أنحاء العالم، وذلك مع تحويل المصدرين المصريين منتجاتهم بصورة متزايدة إلى السوق الأوروبية، على رغم المنافسة مع الدول الرئيسة المصدرة للحمضيات مثل جنوب أفريقيا وتركيا، مما أدى إلى وفرة في الحمضيات، ومع تحقيق صادرات البرتقال المصرية مكاسب ملحوظة في بعض الأسواق الأوروبية أثار عديد من المنتجين الإسبان مخاوفهم وهم يتطلعون إلى تقييم آثار الصادرات المصرية المزدهرة على مبيعاتهم من الحمضيات.
ويأمل رئيس لجنة الموالح بالمجلس التصديري للحاصلات الزراعية المصرية، في معاودة استئناف صادرات البرتقال المصرية إلى وجهاتها الآسيوية ودول الخليج العربي خلال الأسابيع المقبلة، مع تحسن أوضاع الملاحة في البحر الأحمر واستئناف التصدير من دون عوائق، تجنباً لخسارة الموسم التصديري، موضحاً أن إنتاج البلاد من البرتقال الصيفي خلال الموسم الحالي هو الأعلى جودة، وسط استهداف لزيادة الإنتاج إلى ما يزيد على 2.250 مليون طن في الموسم الحالي.