محمد عصمت : 90% من العملة الوطنية متداولة خارج النظام المصرفي
-يصعب على حكومة بورتسودان إعادة طباعة العملة أو استبدالها
-إعادة طباعة فئة الألف جنيه لتغيير توقيع المحافظ القديم
أديس أبابا – راديو دبنقا – أشرف عبد العزيز
رسم الخبير الاقتصادي والمصرفي صورة قاتمة للأوضاع الاقتصادية في السودان ووصفه بالمنهار، مستبعداً أن تقوم الحكومة في بورتسودان بإعادة طباعة العملة في الوقت الحالي، وقال لـ(راديو دبنقا) إن أي إجراءات أو قرارات تصدر من بنك السودان في هذا التوقيت لن تسهم في استقرار سعر الصرف وخفض التضخم، كاشفاً أن طباعة فئة الألف جنيه الغرض منه تغيير توقيع محافظ بنك السودان القديم بتوقيع المحافظ الجديد.
تفاصيل أوفى في الحوار أدناه:
انتقد خبراء اقتصاديون طباعة الحكومة لفئات نقدية جديدة لارتفاع تكلفتها هل توافقهم؟
من المعروف أن الفئات الكبيرة يتم طباعتها نتيجة تآكل القوى الشرائية للعملة الوطنية، وبالتالي تضطر كثير من الدول إلى طباعة فئات أكبر من العملات، وأنا شخصياً كنت من أنصار إلغاء فئة الألف جنيه والخمسمائة جنيه عندما تم توحيد سعر الصرف واستقر الجنيه السوداني في الفترة الانتقالية من (فبراير حتى الانقلاب 25 أكتوبر) حتى نتمكن من جذب أكبر نسبة من العملات المتداولة للنظام المصرفي. نحن نعلم أنه كلما كبرت قيمة الفئة كلما كان من الأيسر تخزين وترحيل وتأمين العملة.
كنا نعلم خلال الفترة الانتقالية أن كثير من السماسرة وتجار الأسواق والسلع غير المشروعة (المخدرات والتهريب مثلا) كانت لديهم غرف محصنة ومؤمنة، ولذلك مسألة طباعة الفئات الكبيرة لا يمكن تشجيعها إلا إذا كانت هناك سياسات مرتبطة أصلاً بأصحاب المصالح المستفيدين من هذه الأوراق ذات الفئات المرتفعة. الجهاز المصرفي يشهد أكبر نسبة للسيولة النقدية المتداولة خارج الجهاز في تاريخه، أكثر من 90% من العملات يتم تداولها أو تخزينها خارج النظام المصرفي.
لماذا يطبع بنك السودان عملات جديدة في هذا التوقيت؟
بحسب ما توفر لي من معلومات فإنه تمت طباعة الورقة النقدية فئة الألف جنيه، لتغيير توقيع المحافظ السابق للبنك المركزي بتوقيع المحافظ الحالي. لا أظن أن طباعة العملة عملية شاملة لاستبدال كل الفئات، فعمليات الطباعة مكلفة جداً وتحتاج لوفورات مالية من النقد الأجنبي ربما لا تستطيع الحكومة في بورتسودان توفيرها في هذه المرحلة. طباعة العملة أو إعادة طباعة العملة واستبدالها كانت مطلباً ثورياً لكثير من القوى السياسية في فترة الحكم المدني، ولكن تم التخلي عن الفكرة نظراً للتكلفة العالية.
الأوضاع الاقتصادية حاليا لا تبشر ولا تسمح بالدخول في عملية طباعة للعملة. نحن في حالة انهيار كامل للاقتصاد ومؤشرات عديدة تدل على هذا الانهيار منها التراجع في الناتج المحلي الاجمالي بنسبة تجاوزت 150 %، كذلك الانخفاض المريع للجنيه السوداني أمام الدولار، معدل النمو الاقتصادي -18، العجز في الموازنة نفسه حسب حديث وزير المالية وصل إلى 80% وهذا يؤدي إلى ارتفاع نسبة البطالة مع تحول العاملين في الدولة إلى عاطلين عن العمل. كما وصلت نسبة التضخم حسب صندوق النقد الدولي رقما غير مسبوق حيث بلغ 256% مقارنة بـ 67% عام 2021. هذا فضلاً عن خروج مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية عن دائرة الإنتاج بسبب الحرب.
هل يساعد مثل هذا القرار على الحفاظ على استقرار الأسعار على المدى المتوسط والتحول نحو إطار مرن لاستهداف التضخم؟
لا أظن أن طباعة العملة أو إعادة استبدالها بفئات أخرى أو حتى إلغاء الفئات الكبيرة يمكن أن يساعد على استقرار الأسعار. استقرار الأسعار وخفض نسب التضخم يحتاج إلى سياسات مستقرة وهذا غير متاح الآن، كذلك يحتاج إلى علاقات اقتصادية واسعة مع المؤسسات الدولية والإقليمية، علاقات يمكن أن تساعد في استجلاب رساميل مالية أو استثمارات أو قروض أو منح أو ودائع يمكن أن تساعد على استقرار سعر صرف العملة.
هذا كله غير متوفر الآن فضلاً عن الحرب التي تدور رحاها الآن في مناطق واسعة من السودان، وهي حرب قابلة للانتشار والتمدد على نطاق أوسع من الحالي، ولذلك الحالة العامة لا تساعد على اتخاذ أي قرار يمكن أن يسهم في استقرار الأسعار أو تخفيض نسبة التضخم. ما لم يحل السلام وتقف الحرب وتوضع سياسات جادة لإنهاء اقتصاد الحرب القائم الآن والاستعداد لفترة ما بعد الحرب بالتنمية لن يجدي أي قرار في تحقيق استقرار في السلع والخدمات لا على المدى المتوسط أو الطويل. لذلك من الأفضل السعي لإيقاف الحرب والعمل على استعادة المسار السياسي والانتقال المدني الذي سيعمل على وضع سياسات اقتصادية تعيد إعمار ما دمرته الحرب اللعينة.