وادي حلفا: النيابة تستأنف عملها بعد إضراب محدود
استأنفت النيابة العامة في وادي حلفا عملها أمس الخميس، وأعادت فتح أبوابها لجمهور المتعاملين، استجابة لمناشدة المجلس الأعلى لأهالي وادي حلفا، ومراعاة لمصالح المواطنين، لكن ظلت الأزمة قائمة مع الشرطة دون التوصل لمعالجة، كما ظلت ثابتة على موقفها من تعليق عضويتها في لجنة أمن المحلية، بسبب تورط بعض أعضاء اللجنة في قضية التلاعب في التأشيرات المصرية. في غضون ذلك قرر المجلس الأعلى إرسال مذكرة لرئيس مجلس السيادة الفريق عبدالفتاح البرهان، بعد تجاهل سلطات المحلية وحكومة الولاية في الاستجابة لطلباتهم والتتدخل لحسم القضية وتقديم المجرمين للعدالة.
وأثارت قضية التلاعب في تأشيرات الدخول لجمهورية مصر العربية جدلاً واسعًا في محلية وادي حلفا وصارت قضية رأي عام، وبعد تفاقم الأوضاع الإنسانية والأمنية في السودان نتيجة للحرب الدائرة، بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، والتي دفعت أعداد كبيرة من المواطنين للنزوح إلى المدينة الحدودية في الشمال، طلبًا للحصول على تأشيرة عبور إلى جمهورية مصر العربية، غير أن السلطات المصرية التي كانت تمنح التأشيرة للسودانيين مجانًا دون فرض أي رسوم ولازال القرار سارٍ، لكن السماسرة يفرضون أسعار خرافية نظير توفير تأشيرة لمن يدفع ألفين دولار، في حين كان يتم استثناء النساء والأطفال والرجال فوق الـ50 عامًا من التأشيرة، أي يدخلون دون تأشيرة، وفق شروط الحريات الأربعة المطبقة بين البلدين. لكن كل ذلك قد توقف ولم يعد من السهل الحصول على تأشيرة وهنالك أعداد كبيرة من المنتظرين التأشيرة لقرابة 6 ـ 8 أشهر.
سوق السماسرة والتهريب:
هذه الإجراءات أنعشت سوق التهريب والسمسرة في التأشيرة في آنٍ واحد ونشأت شبكة واسعة من السماسرة تضم بعض النافذين في مدينة وادي حلفا مع موظفين في السفارة، ووصل سعر التأشيرة إلى ألفين دولار حصل البعض على التأشيرة بهذا السعر الخرافي، أما البقية فلم يحصلوا لا على التأشيرة ولا الجواز ولا المال. وتقف السلطات عاجزة تمامًا عن الحد من هذه الظاهرة وإنصاف ضحايا السمسرة والسوق الأسود، ويبدو أن الإفلات من العقاب هي السمة المميزة في الدولة السودانية، في السلطة المركزية أو الولائية.
هذه الأوضاع دفعت النيابة للقيام بواجبها في إصدار أوامر التوقيف والتحري وتقديم المتهمين للقضاء لكن الذي عطل الإجراءات هو عدم تعاون الشرطة مع النيابة، ما أضطر وكيل النيابة صهيب عبداللطيف إلى إغلاق أبواب النيابة يوم الأربعاء وتجميد العمل هكذا دون إعلان أو سابق إنذار في خطوة غير مسبوقة، احتجاجًا على عدم تعاون الشرطة معه في القبض على المطلوبين للعدالة، وأراد بذلك توصيل رسالة للمسؤولين وإخلاء مسؤوليته.
وكانت النيابة العامة بمحلية وادي حلفا قد القبض على (11) رجلاً وامرأتين في قضية التأشيرات، قبل أسبوعين، ووجهت لهم تهماً تحت طائلة مواد (الرشوة والإضرار بالجمهور والثراء الحرام والمشبوه وغسل الأموال)، وتصل أقصى عقوباتها السجن لعشر سنوات ومصادرة الأموال المُحرزة.
وبلغت الأموال التي أمرت النيابة بحجزها على ذمة القضية، بحسب صحيفة السوداني، أكثر من (536) مليار جنيه، فيما تجاوزت حركة حسابات المتهمين ترليونات الجنيهات، قبل أن تفرج عنهم بالضمان المغلّظ عقب انتهاء التحريات، تمهيداً لتقديمهم إلى المحاكمة.
لكن، وكيل النيابة، تراجع عن قراره وأنهى هذا الاضراب المحدود لمعاودة العمل كالمعتاد وفتح أبواب النيابة لجمهور المتعاملين برغم استمرار الأزمة مع شرطة المحلية، والإبقاء على موقفه بالانسحاب من اللجنة الأمنية بالمحلية. وتأتي هذه الخطوة استجابة لتدخلات المجلس الأعلى لأهالي وادي حلفا الذي صعد بدوره من القضية، بالدفع بمذكرة لرئيس مجلس السيادة للتدخل وتشكيل لجنة قومية للتحري والتحقيق في القضية، بعد أن يأسوا من حكومة الولاية التي فعوا لها مذكرة طالبين تدخلها لتحقيق العدالة لكنهم لم يجدوا استجابة.
مناشدة للنيابة ومذكرة للرئاسة:
“وخلال اتصالً هاتفيً مع رئيس المجلس الأعلى لأهالي محلية وادي حلفا صبحي محمود جمبلان، الذي أفاد بأنهم جلسوا مع وكيل النيابة صهيب عبداللطيف في محاولة لإثنائه عن قراره في تجميد عمل النيابة ومعاودة، وناشدوه بتضرر آخرين لاذنب لهم ولاعلاقة لهم بقضية التأشيرات تعطلت أعمالهم، جراء إغلاق النيابة أبوابها.
قال جمبلان، بصراحة، وكيل النيابة استجاب لمناشدتنا على الفور ووافق على إعادة فتح أبوابها أمام المتعاملين. مشيرًا إلى أن الأزمة التي تفجرت بين النيابة العامة والشرطة، حسب حديث المسؤولين أن هنالك تعاون من داخل الجهات الأمنية مع المتهمين وهذه الجهات التي من المفروض أنها تراعي حق المواطن.
وكشف عن اتخاذ خطوات أكثر تصعيدًا برفع الأمر لرئيس مجلس السيادة للتدخل بشكل شخصي وتشكيل لجنة قومية، تتولى أمر التحري والتحقيق في القضية مع حالات الافلات من العقاب، وتدخلات النافذين في حماية بعض السماسرة، بعد أن فشلوا في الحصول على أي استجابة ولم تتخذ أي خطوات باتجاه وقف هذه الفوضى. مشيرًا إلى أن الشبكة واسعة تضم موظفين في القنصلية المصرية ونافذين يحمون السماسرة الذين يقومون بكل الإجراءات.
وذكر صبحي أن المخلصين من المباحث تمكنوا من إلقاء القبض على أحد عشرة شخص وإمرأتين وهم مازالوا في الحبس على ذمة التحقيق، بينما توصل فريق المباحث لحقيقة تعاون إثنين من موظفي القنصلية المصرية، دون اتخاذ أي إجراء، لحين رفع الحصانة بعد مخاطبة وزارة الخارجية السودانية نظيرتها المصرية، وقال مصدر في إفادة سابقة لـ”راديو دبنقا” أن المخاطبات تمت لكن الخارجية المصرية طلبت مدها بمزيد من المستندات التي تثبت تورط موظفيها.
وكيل النيابة أوصل الرسالة:
في تعليقه لـ”رداديو دبنقا”على الموقف اعتبر المدافع الحقوقي والمحامي محمد بدوي، أن إضراب النيابة العامة عن العمل لفترة محدودة جاء في صيغة توصيل رسالة للنائب العام أو وزير الداخلية، باعتبار أن العمل بين النيابة العامة والشرطة، تكاملي والشرطة هي التي تقوم بتنفيذ أوامر النيابة.
وقال بدوي في تقديري أن ما تم هو عمل مسئول وأنتج فعل إيجابي في فترة قصيرة تمكنت النيابة من خلالها إيصال الرسالة وتعاملت بشكل مسئول بالعودة للعمل في محلية مكتظة بالسكان بشكل استثنائي أفرزت حالة من ثقل العمل على النيابة وغيرها.
وأشار أيضًا إلى أن الخطوة التي قامت بها النيابة يجب أن تجد الاستحسان ومزيد من الوقوف باعتبار أن المسؤولية، التي ظهرت في محدودية الفترة والاستجابة بعد انجلاء الظروف التي قادت لتوقفها، تدل على خبرة ورغبة في مواصلة العمل، وعدم التذرع بعد انجلاء الأسباب التي قادت لتوقفها لفترة قصيرة.
رؤية الحالة بكلياتها، كما يضيف المدافع الحقوقي، مهمة وهذه مسؤولية تقع على عاتق جهات مختلفة سواء كان النائب العام أو وزير الداخلية، أوحتى حكومة الولاية في حد ذاتها، وقال يجب أن تكون هنالك بيئة مواتية للعمل في ظل الظرف الراهن، بأعتبار أن المعاملات الأخرى التي تنتظر النيابة للمواطنيين العاديين، باعتبار أن الولاية حدودية فيها منفذ لدولة أخرى. بالإضافة إلى أنه النيابة فيها ثقل من القضايا المرتبطة بالتعدين التي تأخذ الكثير من الجهد والوقت.