الأخبار

الملاذات الآمنة تضيق بالسودانيين بيوغندا

 

الفرار من الموت إلى الموت” تلخص هذه العبارة الغارقة في اليأس قصة حواء إسحق ذات الخمس والعشرين عاما ذات التجربة العصيبة مع الحرب، واجهت حواء مرض والدتها المزمن بعد أن تم تدمير منزلها في نيالا حاضرة ولاية جنوب دارفور إبان القصف المدفعي المتبادل بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في سبتمبر الماضي، قبل سقوط الفرقة 16 مشاة التابعة للجيش في 26 أكتوبر2023.

وتقول حواء لـ “التغيير” إنها لم تجد سبيلاً غير اللجوء إلى دولة جنوب السودان بحثاً عن شفاء لمرض والدتها بعد انقطاع الأدوية لفترة تزيد عن الثلاثة أشهر، فخرجت براً إلى أن وصلت الرنك، وهنا قال القدر كلمته بعد أن ظلت لأكثر من أسبوع في انتظار هبوط الطائرة لنقل والدتها التي لم يعد جسمها يحتمل التحرك براً ففاضت الروح لبارئها”.

لم تنته قصة حواء هنا، فبعد أن قررت ركوب “البوت” “وسيلة نقل محلية” عبر النهر من الرنك إلى ملكال، في رحلة استغرقت أكثر من 48 ساعة، ومن ملكال لجوبا عن طريق الطيران، ومنها إلى العاصمة الأوغندية كمبالا عن طريق البر.

حواء كانت تمنى نفسها بوضع حد لهذه المأساة التي فقدت فيها والدتها، لكنها اصطدمت بواقع مغاير عكس الذي كانت ترسمه في مخيلتها بعد نجاتها من الموت، ولكنها واجهت موتاً من نوع آخر، وبدأت تبحث عن وسيلة تساعد به شقيقاتها الصغيرات، فعملت في بيع الأطعمة وأدوات الزينة للنساء لكنها لم توفق في جني الأموال لضعف القوة الشرائية.

قررت السفر إلى معسكر “كرينديق” بمقاطعة بيالي التي تبعد حوالي 220 كيلو متر شمال العاصمة الأوغندية كمبالا، ومنذ وصولها للمعسكرات بدأت رحلة لجوئها فصلاً آخر من المعاناة بسبب الوضع المتردي داخل المعسكر والاستقبال ببيالي، ووجدت نفسها داخل خيمة كبيرة مع عدد كبير من رفيقاتها اللواتي نجون من رصاص القتال لكنهن يواجهن موتا آخر بسبب انعدام أبسط مقومات الحياة داخل المعسكر.

عدد اللاجئين

واستقبلت أوغندا الدولة الواقعة في شرق أفريقيا، عددا من اللاجئين السودانيين، بعد وصول حوالي 20 ألف شخص منذ بداية الحرب في أبريل من العام الماضي ثلاث ألف منهم في معسكرات اللجوء، بحسب آخر إحصائية غير رسمية ذكرها سفير السودان بأوغندا.

وتستضيف أوغندا أكثر من 1.4 مليون لاجئ- يعيش أكثر من 80,000 منهم ويعملون في كمبالا.

ويواجه أغلب اللاجئين ظروفا اقتصادية سيئة خاصة في المناطق الحضرية في ظل توقف الدعم من المنظمات الأممية، مما اضطر عددا من اللاجئين للبقاء في المخيمات ومعسكرات اللجوء التي تفتقر أغلبها لأبسط مقومات الحياة”.

واقع قاس

وتعتبر حواء واحدة من عشرات الآلاف من اللاجئين الذين وصلوا إلى العاصمة الأوغندية كمبالا بحثا عن النجاة، لكنهم اصطدموا بواقع قاس في هذه المدينة التي استقبلتهم بوجهها الأخضر السياحي المكلف مادياً.

ويقول حامد عمر حامد الذي فر من القتال في منطقة الصالحة بمدينة أمدرمان جنوبي الخرطوم، بعد احتدام القتال بين طرفي الصراع، قررت النزوح لولاية النيل الأبيض مدينة “ربك” ومكث في مركز إيواء لثمانية أشهر، ولكن توقف التعليم جعلني أفكر في اللجوء لإحدى دول الجوار لإنقاذ مستقبل أبنائي، ووقع اختيار أبنائي لدولة أوغندا”.

ويضيف حامد لـ”التغيير “:”تحركنا عن طريق دولة جنوب السودان، لكننا تفاجأنا بالمعاملة السيئة، ومنذ دخولنا للأراضي الجنوبية تم نهب الأموال والهواتف من ثمانية شباب”.

وتابع عمر، بعد وصولنا إلى دولة أوغندا تم استقبالنا بشكل لائق وتم تسهيل جميع الإجراءات، ولكن بعد وصولنا للمعسكر وجدنا قصوراً كبيراً من المنظمات داخل مركز استقبال اللاجئين ببيالي، ولم يهيئ المكان لاستقبال اللاجئين السودانيين الذي يواجهون ظروفا نفسية واقتصادية سيئة تتطلب تعاملا جيدا للتخلص من آثار الصدمة”.

مشاهد من داخل المعسكر

أوضاع اللاجئين السودانيين داخل المعسكر تبكي العين وتفطر القلب بسبب الظروف السيئة التي يعيشونها، وانعكس ذلك على صحتهم النفسية والجسدية، وبدت وجوههم شاحبة عنوانها التعب والإرهاق، وزاد هطول الأمطار المستمر من تلك المعاناة، لعدم وجود مأوى لأغلبهم، ولجأ البعض منهم للاحتماء بالأشجار وجدران المباني، التي يستخدمها موظفو المفوضية في استخراج المستندات للاجئين “.

نقص الرعاية الطبية

وتتواصل معاناة اللاجئين السودانيين في أوغندا والذين فروا من الحرب الدائرة بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، منذ 15 أبريل من العام الماضي. لكن أوضاع هؤلاء بدأت في التدهور مع نقص الرعاية الطبية والأدوية وسط مخاوف متزايدة من انتشار الأمراض بينهم.

ويعاني المعسكر الذي يستقبل اللاجئين من السودان وجنوب السودان من انعدام الصرف الصحي الأمر الذي يهدد صحة المئات من المواطنين الموجودين داخله “.

وشكا مجموعة من الشباب لـ”التغيير” من عدم وجود أسرة ومراتب للنوم في جميع مخيمات المعسكر، وجميع من في المعسكر يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، وسط تخوف الكثير منهم النوم ليلا على الأرض بسبب انتشار الثعابين التي تتجول بكل أريحيه داخل المخيمات خاصة في المساء مما أخاف النساء والأطفال الذين عملوا على تغيير وقت النوم من الليل للنهار”.

عدم استجابة للشكاوى

رغم الشكاوى التي تقدم بها اللاجئون للمسؤولين في المعسكر إلا أن تلك الشكاوى لم تجد استجابة، بحسب موظف يعمل بمركز استقبال اللاجئين “فضل حجب اسمه”.

وأوضح الموظف لـ”التغيير”، أنهم يرفعون شكاوى اللاجئين داخل المعسكر لكنها لا تجد الاستجابة وكأن الموجودين داخل المخيمات ليسوا ببشر “مضيفاً، نرى قصوراً كبيراً من إدارة استقبال اللاجئين لكننا لا نقدر على تغيير الواقع لأننا ننفذ التعليمات من الإدارة “

مؤكداً أن إدارة المعسكر لا تسمح للسودانيين العمل في الوظائف الأساسية ويقتصر دورهم فقط في الترجمة والأعمال الهامشية”.

ولفت إلى أن المسؤول من المعسكر يأتي في كل صباح ويتلقي التقارير داخل سيارته ولا يكلف نفسه حتى بالطواف على المخيمات ليتعرف على احتياجات اللاجئين “.

وعزز حديث الموظف بمركز الاستقبال الناشط الحقوقي إبراهيم عبد الحميد عبد الله، الموجود داخل المعسكر لأكثر من أسبوع”.

ويقول عبد الله لـ”التغيير”، “بعد أن أكملنا إجراءات اللجوء مكثنا في “الاستقبال ” أكثر من أسبوع ولم يتم ترحيلنا إلى المعسكر”. مضيفاً أن مركز الاستقبال يعاني من انعدام في الصرف الصحي، ولا توجد عربة إسعاف للحالات الطارئة، ولاحظنا ذلك بعد حدوث حالتين احتاجت لإسعاف مستعجل ولكنا لم نجد لها إسعاف”.

وأوضح عبد الله، أن مستشفى” بندول “القريب من المعسكر يعاني من انعدام الأدوية المنقذة للحياة”.

ولفت إلى أن المفوضية السامية لحقوق اللاجئين بعيدة كل البعد عن المستشفيات وحال اللاجئ داخل المعسكر”.

وأشار إلى أنهم حاولوا تقديم شكوى لرئيس “الاستقبال” لكنه طلب منهم الذهاب إلى “اليو بي إم”، وبعد ذهابنا إليهم طلبوا منا العودة لإدارة الاستقبال مرة أخرى دون أن يتم حل المشكلة”.

وتساءل إبراهيم، عن دور السفارة السودانية تجاه اللاجئين، وقال ان أغلب السودانيين استأجروا شقق من غير عقود، ولم يتم عمل حصر أعدادهم.

مضيفاً، لدينا تلاميذ منذ أن خرجوا من السودان لم يتلقوا جرعة من الدراسة، ويواجهون الآن مشاكل حقيقة باعتبار المنهج الذي يدرس داخل المعسكر منهجاً أوغندياً “.

مشاكل عديدة

وتسعى مجموعة من منظمات المجتمع المدني لإيجاد حلول لأوضاع اللاجئين السودانيين في أوغندا من خلال التواصل مع جهات الاختصاص.

وكشفت خبيرة الاقتصاديات التحويلية وتمكين الأسر د. أمل سعيد القدال، عن وجود مبادرة لمساعدة الطلاب السودانيين وأسرهم في الرسوم الدراسية”.

وقالت أمل لـ”التغيير” إنها قطعت شوطاً كبيراً في ذلك، وتخطط لعمل ورشة للتنوير بكيفية التقديم والتأهيل للمنحة”.

وأوضحت أن الطلاب السودانيين لجأوا إلى دول الجوار لمواصلة التعلم بشكل كامل أو جزئي، لكن بعد وصولهم إلى أوغندا واجهوا مشكلات عديدة منها اختلاف المنهج التعليمي الثانوي والجامعي بشكل كلي، الضغط المادي الذي ساهم بشكل كبير في تفاقم الأزمة للطلاب السودانيين لعدم توفر سكن ومصاريف للدراسة وفرص عمل. وتابعت: “الجامعات والمستويات التي درسوها غير معتمدة لعدم وجود المستندات المطلوبة”.

وأشارت أمل، إلى وجود مشاكل أخرى منها عدم توفر منصة إرشادية لتوجيه الطلاب الجدد داخل أوغندا، ولا يوجد دعم من المنظمات الإنسانية ولا تخفيض للرسوم الدراسية ولا تقديم منح دراسية للطلاب الذين لم يلتحقوا بالجامعة، بالإضافة إلى عدم حصر الطلاب الجالسين للشهادة السودانية 2023 المؤجلة بشكل كامل”.

وفيات وسط الشباب

الظروف القاسية داخل معسكر بيالي جعلت بعض الشباب السوداني يتركون السكن داخل المعسكر ويلجأون إلى استئجار شقق يسكنون فيها بشكل جماعي لمواصلة التعليم في الجامعات والمعاهد الأوغندية.

ويقول الشاب حسين علي، لـ”التغيير”، إن أغلب الشباب غادروا المعسكر وأصبحوا يستأجرون شققا بشكل جماعي، وأغلبهم خرجوا من السودان فقط بملابسهم، وتحت واقع الصدمة والحرب، جزء كبير منهم لجأ لإدمان الكحول، وتحت تأثير الصدمة كثير من الشباب أصبح يتعاطى الكحول بإفراط نتج عنها عدد من الوفيات.

مشهد من معسكرات اللاجئين في اوغندا في ظل الأمطار – مصدر الصورة: منتدى الإعلام السوداني

إحصائيات اممية

ووفق أرقام الأمم المتحدة، أجبر أكثر من 7 ملايين سوداني على الفرار من منازلهم، بينهم 1.5 مليون لجأوا إلى دول الجوار، وتحديدا نحو تشاد ومصر وأفريقيا الوسطى وجنوب السودان وإثيوبيا، مما أدى إلى تفاقم الأوضاع في البلدان المستضيفة التي تعاني بالفعل من مشاكل اجتماعية واقتصادية، وتستضيف أعدادا كبيرة من اللاجئين والنازحين.

ووجهت الأمم المتحدة نداء لجمع 4.1 مليارات دولار لتلبية الاحتياجات الإنسانية للمدنيين الذين يئنون تحت وطأة الحرب في السودان، وكذلك أولئك الذين فروا إلى دول مجاورة.

وتقول الأمم المتحدة، إن نصف سكان السودان، أي نحو 25 مليون شخص، يحتاجون إلى المساعدة الإنسانية والحماية، في حين فر أكثر من 1.5 مليون نحو دول الجوار.

ودعا مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، في نداء مشترك، مع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، إلى تمويل بقيمة 2.7 مليار دولار لتقديم مساعدات إنسانية إلى 14.7 مليون شخص.

وطلبت المفوضية 1.4 مليار دولار لدعم ما يقرب من 2.7 مليون في خمس دول مجاورة للسودان في إطار النداء.

(*) تنشر هذه المادة بالتزامن  في منصات 27 مؤسسة ومنظمة صحفية وإعلامية مشاركة في حملة (منتدي الإعلام السوداني):

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى