النزوح الداخلي في السودان يهدد القطاع الزراعي
تحذر الأمم المتحدة من أن «التحرك الآن أمر ملح» في السودان حيث يقترب موسم البذار، فيما باتت العديد من المزارع مهجورة إثر «أكبر أزمة نزوح في العالم» نجمت عن الحرب المستمرة منذ عام بين الجنرالين المتصارعين على السلطة.
يؤكد رين بولسن، مدير «مكتب الطوارئ والصمود» التابع لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة «فاو»، لفرانس برس أن «هناك جماعات معرضة لخطر المجاعة في كل أنحاء السودان». ويضيف أن «الوضع حرج بصفة خاصة في دارفور (غرب) وفي كردفان (جنوب)».
ويوضح مدير «برنامج الغذاء العالمي» في السودان، إدي رو، أن كمية الغذاء المتوافرة في دارفور، حيث يعيش ربع الـ48 مليون سوداني، «أقل بنسبة 78% على الاقل عما كانت عليه العام الماضي».
وقال مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية «أوتشا»، في تقرير، إن السودان «يشهد أزمة إنسانية ذات أبعاد أسطورية بكل المقاييس في حجم الاحتياجات المتصاعدة، وأعداد النازحين ومواجهة المجاعة المحتملة». وأضاف التقرير «يعد السودان واحدا من أسوأ الأزمات الإنسانية في الذاكرة الحديثة، حيث يحتضن 13 في المئة من عدد النازحين داخليا على مستوى العالم»
وتابع أن «ما يثير القلق هو أن 17.7 مليون إنسان، يمثلون أكثر من ثلث سكان السودان (البالغ نحو 48 مليون نسمة)، يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد في ظل تحذير من المجاعة المحتملة»، مشيراً إلى أن «من بين هؤلاء، هناك 4.9 مليون على حافة المجاعة».
ووفق وكالات الأمم المتحدة، يعاني الشخص «انعدام الأمن الغذائي الحاد» عندما ينفد الطعام ويمضي يوم أوأكثر دون دون، ويعدّ هذا الوضع أحد أقصى درجات الجوع. وفي مطلع الشهر الماضي حذر «برنامج الغذاء العالمي» من أن الحرب في السودان «يمكن أن تتسبب بأكبر أزمة جوع في العالم».
ولم يعد القطاع الزراعي، الذي كان يوفر أكبر عدد من فرص العمل في البلاد ويعد مخزن حبوب أفريقيا، سوى أراضٍ بور محروقة.
ويؤكد رو لفرانس برس أن «60% من السودانيين يعتمدون على الزراعة لكسب الرزق، ولكن مع نشوب الحرب هجرت عائلات عديدة مزارعها».
في ولاية الجزيرة المعروفة بخصوبة تربتها، خرج 250 ألف هكتار من الأراضي الزراعية من الخدمة ما أدى إلى انخفاض بنسبة 70% في إنتاج السودان من القمح الذي كان يبلغ 800 الف طن سنوياً.
يقول صالح عبد الماجد المزارع في مشروع الجزيرة، أكبر مشروع مروي في البلاد «نحن نزحنا من قريتنا وليس هناك أفق لعودتنا الآن، فكيف نبدأ الموسم الزراعي؟».
المشكلة نفسها يواجهها حامد علي المزارع في قرية قريبة من مدني عاصمة ولاية الجزيرة والذي صرح لفرانس برس «نحن لا نستطيع الخروج من القرية، فكيف نصل إلى مزارعنا لنحضرها للموسم الزراعي؟».
ويؤكد محمد عبد الباقي المزارع في مشروع الجزيرة أنه لا يستطيع كذلك «الوصول إلى الاسواق لشراء البذور أو الاسمدة أو الوقود للآلات الزراعية، بل لا نستطيع الوصول إلى أرضنا وإن لم تتوقف هذه الحرب لن نزرع». في مختلف أنحاء البلاد، لايزال 37% فقط من الأراضي مزروعة، وفق مركز أبحاث «فكرة» بسبب هذه الأوضاع.
ففي ولاية القضارف (شرق) على سبيل المثال يقول محمد سليمان الذي يزرع الذرة وهي الغذاء الرئيسي للسكان هناك «غالبية الشركات التي لديها المدخلات الزراعية والأسمدة والمبيدات توقفت عن العمل».
ويخشى رو من أن السودان في «سباق مع الزمن» لأن موسم الحصاد يبدأ في ابريل وهذا العام «لدينا 41% أقل من الغذاء عن العام الماضي».
ويشرح أن موظفي منظمات الاغاثة الانسانية يتمكنون بالكاد من مساعدة «خمسة ملايين سوداني ينامون مساء كل يوم وهم جوعى» بسبب صعوبة التنقل ونقص التمويل. ويوضح أن الاستحقاق المقبل هو شهر مايو الذي «يتعين أن نوفر خلاله للمزارعين الامدادات الزراعية» التي يحتاجون اليها من أجل بدء موسم البذار في يونيو، في اشارة إلى البذور وعلف الحيوانات الذي توزعه منظمته.
هذه المساعدة تعد حيوية في بلد توقف فيه في شكل شبه تام الاستيراد والتصدير بسبب توقف الحركة على الطرق المؤدية إلى الميناء الكبير الوحيد وهو بورتسودان، إضافة إلى انهيار النظام المصرفي، ما يمنع المزارعين من الحصول على القروض أو تحويل الأموال اللازمة لممارسة نشاطهم.