الأعمدة
فلسفة الفوز تغلب فلسفة الأداء
كرة القدم اللعبة الشعبية الأولى في العالم بلامنازع ولعل هذه الشعبية التي اكتسبتها عبر السنين جاءت كنتيجة منطقية لطابع الإثارة والندية والمنافسة التي تتميز بها مبارياتها وللمتعة التي تقدمها لمتابعيها.. ولعل المتعة والإثارة في عالم كرة القدم تتمثل في الأهداف التي تسجل كمحصلة رقمية لأداء هجومي متع أ َّخاذ.. ولكن كرة القدم فقدت خلال السنوات الماضية الكثير من رونقها وبهجتها وألقها بسبب عقلية الفوز التي تسيطر على مدربي الفرق فأصبحوا يبحثوا عن الفوز بالمباراة بأقل قدرما هم المتعة والإثارة، واستطاعت فلسفة الفوز أن تتغلب على فلسفة الأداء، والأمثلة كثيرة…. في مونديال إسبانيا 1982 المنتخب البرازيلي كان في أعلى حالاته الفنية والتكتيكية، والذي اعتبر أحد أفضل المنتخبات العالمية خلال القرن الماضي، لكنه و ّدع البطولة على َيد المنتخب الإيطالي الذي تأ ّهل للدور الثاني بثلاثة تعادلات وهدف واحد، في مباراة لم تبرح الذاكرة، لذلك اضطر ع ّشاق كرة القدم في العالم لمتابعة نهائي باهت جمع فريقين اعتمدا على فلسفة الفوز بلا إقناع، وكان لهما ما أرادا. وتكرر سيناريو خروج الفرق الممتعة في مونديال مكسيكو 1986 وإيطاليا 1990، ففي مونديال مكسيكو لم يتخ َّل البرازيليون والفرنسيون عن أسلوبهم، بل وانضم إليهما المنتخب الدانماركي، فكانت هذه المنتخبات الثلاثة مثا ًالا للفرق التي تقدم الأداء الكروي الممتع، والتي تفوز وتتقدم حتى ًا يقابلها منتخب محظوظ أو باحث عن الفوز بشتى الطرق، فيتوقف تقدمها وتخرج من البطولة مبكرا… أما في مونديال إيطاليا، فكان منتخبا البرازيل وإيطاليا صاحبا الحظ السيء في التعثر؛ لأنهما بحثا عن الفوز عبر الأداء الممتع، مع الإشارة إلى أن الفريق الفائز بكأس العالم 1990 «المنتخب الألماني» كان يستحق البطولة عن جدارة؛ لأنه استطاع إيجاد الأسلوب الذي يجمع بين المتعة والأداء العالي والمحافظة على الفوز. ًا وفي مونديال أمريكا 1994 تخلى البرازيليون أخيرا عن فلسفتهم الكروية؛ لأنه «لا بد ما ليس منه ُبد» فالفوز بالبطولة لا ُبد من دفع ثمن، والثمن كان أن تتخلى البرازيل عن الكثير من المتعة، وتحّصن مواقعها الدفاعية، وتعرف كيف تحافظ على الفوز. فقبل المونديال أعلن مدرب المنتخب البرازيلي «كارلوس ألبرتو» إنه مضطر ليقدم للجمهور البرازيلي قطعة حلوى شهية، ولكنها تحتوي على الكثير من الدبابيس الواخزة، وكان يعني أنه سيضطر للتخلي عن المتعة في الأداء في سبيل الفوز، وتحقق له ما أراد وفاز بالكأس الذهبية، رغم الهجوم القاسي من الصحافة البرازيلية عليه، أما الطرف الثاني في المباراة النهائية، فكان المنتخب الإيطالي الذي لم يقدم مستوى أداء أعلى، بل اعتمد على فلسفة الفوز وبها رحل للنهائي على حساب الكثير من الفرق القوية بأن تكون طرف في النهائي .
واستطاعت فلسفة الفوز أن تتغلب على فلسفة الأداء
هولندا رائدة الكرة الشاملة التي أمتعت العالم في السبعينات جاء الوقت الذي فقدت فيه ملامحها الكروية، وباتت تعاني من الغربة عن الكرة الشاملة التي ابتدعتها، وقدمتها للعالم كأجمل هدية كروية، ثم وضعتها على ر ّف النسيان والإهمال، فتر ّهل أداؤها وتباعدت خطوطها. هولندا خذلتها الكرة الجميلة في مونديال 1974 بعد أن قدمت كرة متعة جميلة، وبلغت النهائي إلا أنها أذعنت فًاي الختام للرصانة الألمانية، وتكرر الأمر بعد أربع سنوات في الأرجنتين وأمام أصحاب الأرض أيضا الذين ظفروا بأول ألقابهم في ظروف مريبة واستثنائية، لتغيب شمس الكرة الهولندية بعدها حتى عام 1988 عندما فازت بلقب كأس الأمم الأوروبية.