الأعمدة

الخامس من مايو …إنه يوم مولدي …اسامة سليمان

سنوات طويلة نطرح منها الغربة فنصير أطفالاً، أن تحدق في الكيبورد لتتبين علامات التشكيل فذلك يعني أنك قد كبرت، أذكر صديقي أحمد عامر عندما قلت له قبل سنوات طويلة (نحن لسه صغار) فجاء رده ( يازلمة نابليون في عمرنا ده فتح مصر) .
سنوات وأعوام وأهل اللغة يقولون أن العام ليس السنة ، ومهما يكن فقد فرحنا كثيراً وحزنا والعمر يمضي ..
صرنا شيوخاً إذا قرأ صديقي دياب الإبراهيم ما أكتب سيرد عليّ بالبيت المشهور :
زعمتني شيخاً ولستُ بشيخٍ
إنما الشيخ من يدبَّ دبيباً
وسيزيد كن دقيقاً فأنت مصحح لغوي …
وسأرد عليه
– ياخي نحن السودانيين ماعرب بنتكلم اللغة دي تفضلاً
– طيب شوف ليك لغة تانية أكتب بيها الشعر ده .
كثيرا ما أحكي أن زميلنا في الجامعة نادر ميخائيل ابن مدني احتج بشدة على بيان رابطة مدني لأنهم أخطؤوا في كتابة آية قرآنية ، انا لست عربياً بس بعرف شوية عربي…
علي أدروب قال لي العربي بتاعكم ده اتعلمناه قريب بس ظبطناه…
بعيدة أيام الجامعة ، كم لبثنا ؟
نعم كم لبثنا….
– عمرك كم ؟
السؤال وجه ل( اللمبي) في أحد أفلامه
– مش عارف بس لي كتير عايش…
بمناسبة اللمبي لنتجاوز سنوات الإنقاذ
لما واحد يقوم ليك في الحافلة ويقول ليك اتفضل ياعم معناها شنو ؟
عند عودته من إحدى إجازاته في السودان ردد صديقنا النعمان هذا الحديث أكثر من مرة، الإجازات تذكرك ، تجد الكثيرين قد خرجوا من إطار الطفولة الذي سجنتهم فيه ..
الوالدة حفظها الله في إجازتي الأخيرة فاجأتني :
– ما كان تصبغ شعرك ده ..
.ومثلما يتفضل عليك شاب بمقعده في الحافلة يكرمك الشعراء الشباب بلقب أستاذ والذي لا أظنه إلا فارقاً في العمر ، هؤلاء يكتبون قصيدة رائعة ويحملون هم الشعر بوعي كبير ولن أذكر أمثلة …
والمفارقة أن بعض النقاد والصحافيين ينعتوننا بالشعراء الشباب
حقيقة من هم الشعراء الشباب؟
أذكر أنني قلت في أحد حواراتي:
هذه تسمية مقلقة , ولا أدري إن كانت عمرية أم إبداعية , أحياناً أحس بأن هناك غرضاً وراء التسمية , غرض تبريري , وتحس أن البعض يريد حشر تجربة ما بين سنيّ العمر الضيقة, سؤال فقط : هل يمكن تصنيف طرفة بن العبد بمعلقته الشهيرة وموته عن ست وعشرين عاماً شاعراً شاباً.
حوارات كثيرة أجريت معي وكتب عني الكثير ، كم كنت أفرح كطفل بحلوى عندما ينشر لي نص، هل مازلت؟ لا أدري لكنني أذكر مجتزأً من قصيدة السياب :
هرم المغني فاسمعوه
أنتم بذلك تسعدوه
الشعر أخذ مني أياماً طويلة وأعطاني محبة هذه العيون التي تحدق في الموبايل لتقرأ ما أكتبه ولو كان غير ذي فائدة
قيل أن الكاتب الكبير هو من تنشر له وسائل الإعلام أعمالاً رديئة ، هم ينشرون لي بكثافة هل صرتُ كاتباً كبيراً أم صرت (كبيرا) فقط ، أحد الأصدقاء سألني هل تستطيع كتابة قصائد مثل ( طلاقة القول المطهم بالقصب) …هل تستطيع الإتيان بمثل
وملأتُ آنيةَ انتظاري منكِ
فاضتْ، فانسكبتُ وقد أدارَ الرأسَ منِّي ما انسكبْ
تهذي الحروفُ ظلالَها المترنحاتِ
فتستعيرُ بساطةُ الفخارِ عجرفَةَ الذهبْ
وكذا انتظاري يستحيل الفارسُ الطينيُّ برقاً جامحاً
كطلاقةِ القولِ المطهّمِ بالقصبْ…
لا أدري لكن فضل الله محمد رحمه الله قال لا أظن أنني استطيع كتابة (الجريدة) وأخواتها مرة أخرى.
لقد كبرنا
لكن الأمر نسبي
قفزتُ من مكاني مسابقاً صاحبنا الذي نهض بتثاقل لتناول قارورة مياه…
– خلاص أسامة بناولك ليها، صغير القوم خادمهم…بالنسبة لهؤلاء مازلت صغير القوم …
والأمر نسبي ..
– كنت في طريقي من بيونس آيرس إلى باريس عن طريق نيويورك وفي المطار…. قال عم محمد …
القصة ليست ذات مغزى في هذا الموضع، لكن توقيتها هذه الحكاية التي يحكيها حدثت بعد مولدي بأربعة أشهر، عندما أنظر إلى طريقته في التعاطي مع الحياة والتي من أبرز عناوينها أناقته وعنايته باختيار الألوان أقول الرجل ما زال شاباً والأمر كذلك نسبي …
ومرة ثالثة سأقول لكم الأمر نسبي والتكرار في بعض المواطن محمود
هل كبرت بالنسبة لأساتذتي ؟
يداخلني ذلك الشعور بالارتباك الذي كنت أحسه في مدرسة التكلة الابتدائية عندما اكتب رسالة لأستاذي أحمد مختار وكأنه سيقوم بتصحيحها، أحذف وأعدل أكثر مما أفعل في القصيدة على الرغم من أنها رسالة عادية بعاميتنا البسيطة .
كثرة التنقيح آفة الشعراء الذين كبروا لذا تجد لقصائد الشباب رائحة الرغيف الطازج.
اقرأ ميكي -مازلتُ- بمتعة تفوق متعة قراءة بعض الشعر، وهنا أقول لأصدقائي من الشعراء الشباب لاتنغمسوا في قراءة أشعار الآخرين حتى لاتغسل طعمكم، اقرؤوها باقتصاد ووعي ..
كتبت كثيراً أليس كذلك ؟
هذه ليست عادتي، أقدس الاقتصاد في اللغة وأرى أن الكتابة الجيدة هي التي تعتمد تقنية الحذف والتنقية من الزوائد وليس الحشو والتزيد خاصة في قصيدة النثر التي أقارف ذنبها أحياناً …أما في التفعيلة فالأمر يختلف، خاصة عندما أبحر في بحر الكامل الذي يعده صديقي يبات علي فايد حماراً آخر أضافه إلى الرجز فأصبح لدينا حماران في حظيرة الخليل .
كم أحب الكامل الذي يتيح لي ( مخارج) سردية نزعت نحوها مؤخراً، هل كان بإمكان درويش والسياب أن يتدفقا في غير الكامل في مطولتيهما الجدارية والمومس العمياء؟
اللهم بارك في الأعمار وأحسن خاتمتنا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى