متلازمة الحرب.. الاستمتاع بالقتل وروح الانتقام
تقرير: سليمان سري
حالة من التشفي والانتقام تعكس أنماط السلوك العدواني الذي يتعامل به طرفي الصراع عبر نشر مقاطع من الطرفين توضح مستوى الانتهاكات الجسيمة والتمثيل بالجثث التي يمارسانها، في محاولة لتكرار المشهد بعد كل فترة ليصبح صورة عادية تترسخ في الذاكرة السودانية.
ظهرت مقاطع لأفراد يرتدون زي الجيش السوداني وهم يقطعون رؤوس لمدنيين باتهامهم بالانتماء للدعم السريع في وجود ضابط في ، في مقطع آخر ظهر أحد الضباط يحرض بقطع الرؤوس ويردد “الرأس بمليون”، ثم آخرها ظهور شخصين يرتدون زي القوات المسلحة أيضًا يبقرون بطن أحد الجنود التابعين لقوات الدعم السريع، بينما شوهد أفراد يمطرون جنود بوابل من الرصاص حتى بعد استسلامهم وأسرهم وهكذا تتكرر المشاهد المفزعة، دون تدخل من قيادة الطرفين.
ولمعرفة تلك الظاهرة وأسبابها أجرى “راديو دبنقا” استبيان على منصاته بمواقع التواصل الاجتماعي بهذا النص: برأيكم من اين أتت ظاهرة الذبح وقطع الرؤوس في الحرب الحالية في السودان ؟
هل هي عادة سودانية قديمة أم ظاهرة دخيلة على المجتمع أم إفراز غير مقصود أم لك رأي آخر.
كانت النتيجة على الفيس بوك 8% من الذين شاركوا في الاستبيان قالوا انها عادة سودانية قديمة 11.9%. قالوا نفس الرأي في تويتر.69 % في فيسبوك و 66% في تويتر قالوا أنها ظاهرة دخيلة على المجتمع. و5% في فيسبوك و14.3% في توتير قالوا إنَّها إفراز غير مقصود أما 17% في فيسبوك 7.1% في تويتر من قالوا إنها أسباب أخرى.
متلازمة استمرار الحرب:
حول تحليل الظاهرة من جانب نفسي استنطق برنامج “في الميزان” الذي يبثه “راديو دبنقا” د. ياسر موسى استشاري الصحة النفسية، الذي يرى أن هنالك متلازمة كلما طال أمد الحرب كلما تكررت مثل هذه الأفعال التي يصفها بالداعشية والوحشية في جز الرؤوس والاستمتاع بالقتل، ويقول: كأنما هي متلازمة نفسية يمكن أن نسميها متلازمة استمرار الحرب النفسية.
وعبر عن أسفه لاستمرار الظاهرة من الطرفين مثلما حدث في شمال كردفان من قتل المدنيين بوحشية لمجرد اتهامهم بانهم من عناصر الدعم السريع، ويكتشفوا فيما بعد أنهم مجرد مدنيين في حالة حراك عادي بحثًا عن أسرهم.
هذه الوحشية، التي تم بها القتل بالمقابل يكون هنالك رد من الطرف الآخر وأيضًا بذات الوحشية، ويقول أيضًا ما قصدته بهذه المتلازمة مرتبطة باستمرار الحرب وبطول أمدها، ورأى أن الغريب في الأمر أنه في هذه المتلازمة النفسية هنالك مؤشرات مهمة جدًا، أن حالة القتل بوحشية والمستخدم بالطريقة الداعشية في جز الرؤوس وخلافه، لا يعبر عن القوة والبطش فالدلالة النفسية لذلك هي الخوف والرعب والذعر واضطراب الخوف النفسي الحاد، الذي يدفع لارتكاب جريمة قتل بهذه الوحشية وطريقة جز الرؤوس.
ويقطع موسى بالقول: على الإطلاق الوحشية ليست مؤشر للشجاعة وإنما مؤشر لحالة من الخوف والذعر الرهيب وأنا بفتكر ومسؤول عن هذا الحديث، وجزم بأن الطرفين في حالة خوف من الحرب وفي حالة صدمة منها وكل تصرفاتهما تنتج عن اضطراب نفسي حاد سببه الخوف من استمرارها. مع العلم بأنهم هم أنفسهم وقود للحرب، في المثل الشعبي السوداني يقال ” خاف ضربة الخواف”، لأنه الشخص “الخواف” تكون ضربته قاضية بحيث أنه يتأكد أنك ليست لديك قدرة للحاق به، هذا ما يحدث الآن بأنك تتحرك بشخصية حيوانية لتتأكد بأن هذا الشخص لن تقوم له قائمة
الطرفين أكثر رفضًا للحرب:
في تقديري، وأنا مسؤول من هذا الحديث، كما يضيف أخصائي الصحة النفسية د. ياسر موسى، أن الطرفين هم الأكثر رفضًا للحرب من قوى “لا للحرب”، ويقول لكن ترجمة هذا الرفض للأسف تتم بالقتل الوحشي وهو “قتل الخواف” المستمر، ويقول إذا جئنا لتحليل منطقي بقراءة واضحة لحالة الحرب، هي حالة حرب “جبانة جدًا” عبثية “خوافة”، لأن الطرفين “خوافين” من بعض، ويضيف: بالتالي تقل فيها المواجهة المباشرة وإذا تمت تكون في حالة من الفوضى والاضطراب النفسي الحاد من الصراخ والتكبير والتهليل وكلاهما يكبِّر، ويشير إلى أن من الألفاظ النابية التي تطلق ليس لها علاقة بأهداف الحرب لأنها حرب عبثية فعلاً، ونسمع في الفيديو الأخير بقتل الجنود الأسرى وكم الشتائم والألفاظ النابية التي يطلقها الطرفين لم يكتفي بالقتل أيضًا يلاحق أمه بألفاظ نابية وكذلك ما حدث في شمال كردفان.
ويعتقد أخصائي الصحة النفسية في حديث إلى “راديو دبنقا” أن هذا يوضح إلى أي مدى أن الطرفين في حالة اضطراب وحالة خوف من بعضهما البعض، ويقول أن هذا الخوف الشديد من بعض يجعل من هذه الحرب ضحيتها في الأساس هو المواطن، لأنهما يحاربان بعضهما البعض من البعد، عن طريق الدانات والطائرات والتي يصاب فيها المواطن. إذا حدثت المواجهة تكون بهذا الشكل البشع الذي نراه. الكل يعاني من صدمة نفسية من يحمل السلاح أو النزوح.
كل الشعب مصاب:
خلص أخصائي الصحة النفسية د. ياسر موسى بقوله: أستطيع القول عكس ما قالته الدراسات النفسية التي أعدتها المجلة الأمريكية أو الدراسات التي أعدتها مجموعة الطلاب في استراليا والتي نسبت للأمم المتحدة، المجلة الأمريكية تفترض أن 22% متأثرين بالحرب، والدراسة الأسترالية تفترض أن من بين كل 14 شخص هنالك شخصين أصيبوا باضطراب نفسي.
ويضيف موسى: لكن ما أقوله بكل مسؤولية أن كل الشعب السوداني الآن في حالة صدمة نفسية تتراوح اضطراباته مابين الحدة والوسطية والبساطة، ويعتقد أن كل من تحرك من أرضه وبيته ووطنه يبتعد عن مكان الحرب هو واحدة من أكبر دلالات الصدمة النفسية، كما يرى أن شكل الاقتتال في الحرب ومن قراءة لغة الجسد للجنود والألفاظ التي تصاحب الجنود وحالة الحراك والانتقال بينهم من مكان لمكان وحالة الاقتتال والمواجهات، تؤكد أن الطرفين يعانيان من حالة اضطراب نفسي حاد. وينبه إلى أنه ممكن القول أن بنسبة 80% هي حالة الأُثر النفسي في شكل اضطراب نفسي على المواطنين أما بالنسبة للجنود من الطرفين أن ما يحدث الآن نسبة 100% حالة من الاضطراب النفسي وعدم الاتزان واضطراب الادراك وهذا واضح بشكل كبير جدًا.
الإجراء السليم:
المحامي والمدافع عن حقوق الإنسان عثمان صالح قال لبرنامج ” في الميزان” الذي يبثه “راديو دبنقا”: إنّ الفترة الأخيرة تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعي، المقاطع التي تظهر كيفية ارتكاب الجرائم والانتشار الواسع لانتهاك القانون وانتهاك الحريات وحقوق الإنسان، وأضاف: شاهدنا المقطع المنتشر في وسائل التواصل الاجتماعي الذي يظهر فيه مجموعة من ضباط وعساكر تابعين للجيش السوداني في عربة تجارية تنقل ركاب مدنيين، شاهدنا منظر لحظة انزال المدنيين في المقطع. واتهموهم من أشكالهم بأنهم تابعين للدعم السريع وهذه مسألة في غاية الخطورة.
ويرى صالح في هذه الخطوة أن الاجراء السليم والصحيح، حتى لو كانت لديك شكوك بانتمائهم للدعم السريع تقوم باعتقالهم وتجري معهم تحقيقات، إذا تابع للدعم السريع هنالك كثير من الإجراءات، يمكن أن تقوم بها لكن إذا لم يكن لديه علاقة بالدعم السريع يجب اطلاق سراحه.
وعبر عن أسفه الشديد لذبح هؤلاء الأشخاص بصورة بشعة جدًا توضح أن من قاموا بهذا الفعل مجردين من الانسانية وليس لديهم رأفة أو رحمة، وهذه جريمة من جرائم الحرب، تتعلق بتعريض المدنيين للانتهاكات الكثيرة، لمجرد مسألة شك من شكلك أو لهجة كلامك، توضح انتمائك المناطقي وحين توضح ذلك تم اتهامك بأنك تنتمي للدعم السريع.
ويقول: لاحظنا انتشار مثل هذه المقاطع ولاحظنا كثير من الناس تناقلت عدد من الروايات حول اتهام شباب محددين ينتموا لجهة جغرافية محددة، مكان ما تنقلوا أو وجدوا يتم اتهامهم بالانتماء للدعم السريع وفورًا يصدروا عليهم قرار بالرمي بالرصاص، وبالذبح والقتل والتعذيب.
الجيش مليشيا:
ودعا المدافع الحقوقي عثمان صالح في حديثه لـ”راديو دبنقا”، الجيش السوداني للنأي بنفسه عن مثل هذه الجرائم، لكنه يرى الآن الجيش يتصرف كأنه مليشيا وليس قوات نظامية وقال حتى الضابط كان موجودًا وهذه مسؤولية كبيرة لأنه مسؤول من الأفراد الذين يتبعون له، ويرى من الأولى كان يمنعهم من ارتكاب الجريمة وإذا ارتكبوها أن يقوم بمحاسبتهم، لكن على العكس تمامًا كان يهلل و راضٍ تمام الرضا عن تصرف ذبح عدد من الشباب وكأنهم في حفل عرس وليس حرب بشعة مثل هذه.
ويسترجع صالح الاتفاقيات والمعاهدات الدولية الموقع عليها السودان والتي أصبح طرفً فيها كاتفاقيات جنيف الأربعة التي تتعلق بحماية المدنيين في الحروب، وعدم تعريض أي مواطن مدني للخطر وهو ليس له علاقة بالحرب أو مشترك في الحرب بصفة أساسية ورئيسية، هذه تعتبر من جرائم الحرب.
وقال إنَّ هؤلاء مواطنين مدنيين يجب ألا يتعرضوا لمثل هذه الانتهاكات لكن هذه هي الحرب اللعينة والعبثية، ويرى أن الطرفين يرتكبان انتهاكات في حق المدنيين. وشدد بالقول: هذه انتهاكات يجب أن يحاسب عليها من ارتكبها حتى القادة على مستوى السودان الآن الموجودين في القيادة على مستوى بورتسودان أو على أي مستوى، ويشير إلى أن هذه المقاطع الآن منتشرة وهم لم يتخذوا اي قرار وبالتالي هم مسؤولين مسؤولية مباشرة عن ارتكاب مثل هذه الجرائم ويجب أن يحاسبوا عليها.
صمت الجيش:
يقول عضو هيئة محامي دارفور الصادق على حسن المحامي في حديث لبرنامج “في الميزان” الذي يبثه “راديو دبنقا”: تأكد لنا حتى في ظل هذه الأوضاع صمت القوات المسلحة ما يشير إلى قرائن لسلامة الفعل المنسوب للجيش، ويضيف: استمعنا إلى إفادات تطابقت مع تم نشره ما يرجح صحة هذه الوقائع، ويصف هذه الأفعال بالمشينة ويرى أنه بالفعل تأكد أن المؤسسة العسكرية خالفت نظمها وأعرافها المرعية واصبحت هي نفسها مليشيات، ويعتقد أنها لم تعد هي نفس المؤسسة العسكرية التي لها نظم مرعية ونشأت قبل مئة عام وصارت لها أعراف وتاريخ ناصع.
ويشير الصادق إلى أن هذه المجموعة هي نفسها شبيهة بالمجموعات التي تنسب لها الأفاعيل باعتبار أنها مليشيا وتتطابق هذه الأفعال مع أفعال المجموعات الأخرى، ويرى أن هذه الأفعال تؤكد أن هذين الطرفين يفتقر قيادتيهما للمسؤولية الأخلاقية التي تؤهلهما لقيادة الدولة، وهما ارتكبا جرائم جسيمة تندرج ضمن الجرائم الموصوفة في القانون الدولي بالجرائم ضد الإنسانية، وهي لا تحتاج تفويضًا خاصًا وإنما هي جرائم يحق لكل من هو في المجتمع الإنساني أن يلتمس ويبحث عن الوسائل القانونية اللازمة لملاحقة هؤلاء الجناة.
ويعبر الصادق عن قناعته بأن هذا الحق الإنساني ليس ملكًا لأسر الضحايا أو للسودانيين وإنما ملكًا للمجتمع الإنساني كله باعتباره يتعلق بالحق في الحياة، وطالب بوقوله: من هذا المنبر من حق المجتمع الإنساني ممثل في ضميره الحي أن يتحرك، سواء كان في داخل السودان أو خارجه لمباشرة إجراءات قانونية في مواجهة قيادتي المجموعتين لما يقومان به من جرائم جسيمة قد تؤدي إلى انفلات لا يحمد عقباه.
مجموعات متمرسة:
وفي رده على سؤال ان كانت تلك الظاهرة تمثل عقيدة للجيش أم أنها عادة دخيلة، يقول عضو الهيئة الحقوقية أنهم في الهيئة ليست لديهم معلومات كافية، لكنه يرى أن هذه الجرائم الشنيعة التي شكلت ظواهر جديدة، سواء كانت المرتكبة على نحو أخص من منسوبي الجيش أو الدعم السريع، ويشير إلى أن هنالك ظواهر جديدة دخلت إبان الحرب وهي وافدة إلى السودان ولات تماشى مع سلوكه السابق ولاقيمه ولا أخلاقه، وبالتالي، كما يضيف، من المؤكد وفقًا لهذه القرائن هنالك مجموعات جديدة قد دخلت إلى البلاد وهي الآن لديها السطوة والتواجد والنفوذ المباشر.
ولم يستبعد عضو هيئة محامي دارفور الصادق علي حسن المحامي في الحديث مع “راديو دبنقا”، أن تكون هنالك مجموعات متمرسة على أنواع وأنماط جديدة من القتل، قد دخلت وصارت هي أساسية للأزمة السودانية، ويرى أن هذا أيضًا قد يفسر أن هنالك مجموعات من الدواعش أو من الجماعات التكفيرية أو مجموعات كثيرة وجدت الساحة السودانية ساحة مهيأة فدخلتها بأجندات مختلفة، وبوسائل ونظم جديدة وآليات لم تكن معهودة وصارت كل أنواع القتل التي لم تكن لترد في أذهان السودانيين، من وقائع مألوفة وظواهر مستمرة.