وكالة الأناضول : كيف يمكن أن ينعكس الفائز في معركة الفاشر على مستقبل البلاد؟
الاناضول
منذ أسبوع، تجَّدد في الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور غربي السودان، قتال ضارٍ رغم تحذيرات دولية من تداعيات كارثية على مدينة تأوي مئات آلاف النازحين.
ويتواصل القتال، منذ 10 مايو/ أيار الجاري، بين قوات “الدعم السريع” شبه العسكرية والجيش، المسنود من الحركات المسلحة في إقليم دارفور.
والفاشر آخر معاقل الجيش في ولايات دارفور الخمسة؛ إذ استولت “الدعم السريع” على الجنينة ونيالا والضعين وزالنجي، عواصم الولايات الأربع الأخرى.
ومنذ أبريل/ نيسان 2023، يخوض الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان و”الدعم السريع” بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) حربا خلفت نحو 15 ألف قتيل و8.5 ملايين نازح ولاجئ، وفق للأمم المتحدة.
أرواح المدنيين
وفي الفاشر، أسفرت الاشتباكات عن مئات بين قتيل وجريح وسط المدنيين، في ظل اتهامات متبادلة بين الجيش و”الدعم السريع” بشأن المسؤولية عن بدء الهجوم.
وأعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، في 12 مايو الجاري: مقتل 27 شخصا وإصابة 130 آخرين جراء الاشتباكات في الفاشر.
وفي اليوم التالي، قال مدير منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم: “لا يزال التصعيد المستمر للعنف في السودان يحصد أرواح المدنيين، بما فيهم أطفال”
ووصف أدهانوم، على عبر منصة “إكس”، القصف الأخير في محيط مستشفى للأطفال، تديره منظمة أطباء بلا حدود في المدينة، بأنه “مرعب”.
وحسب أطباء بلا حدود، عبر بيان، فإن “الجيش نفذ غارة على بعد 50 مترا من مستشفى “بابكر نهار للأطفال”؛ فانهار سقف وحدة العناية المركزة، وتوفي طفلان كانا يتلقيان العلاج وأحد مقدمي الرعاية”.
ومنذ أوائل أبريل/ نيسان الماضي، تشهد الفاشر اشتباكات بين الجيش وقوات “الدعم السريع”، التي شنت هجمات واسعة على قرى غرب المدينة، وفق مراسل الاناضول.
حواضن اجتماعية
وتزايدت مؤخرا دعوات أممية ودولية إلى تجنيب السودان كارثة إنسانية قد تدفع الملايين إلى المجاعة والموت؛ جراء نقص الغذاء بسبب قتال امتد إلى 12 ولاية من أصل 18.
والفاشر هي مركز العمليات الإنسانية للمنظمات الأممية والدولية، ومنها إلى بقية أجزاء دارفور؛ إذ تصل إليها قوافل المساعدات من ميناء بورتسودان على ساحل البحر الأحمر.
كما تتمتع بموقع استراتيجي؛ إذ تحدها تشاد غربا وليبيا شمالا؛ ما يجعل السيطرة عليها عسكريا مهما لطرفين لم تفلح وساطات عربية ودولية في إنهاء الصراع بينهما.
وتبلغ مساحة ولاية شمال دارفور 290 ألف كيلومتر مربعا، بما يتجاوز نصف مساحة إقليم دارفور.
وتحدها الولاية الشمالية شمالا، وولاية شمال كردفان من الشمال الشرقي، وليبيا من الشمال الغربي، وولاية غرب كردفان شرقا، وولاية جنوب دارفور من الجنوب الشرقي، وولاية غرب دارفور وتشاد غربا.
وفي الفاشر عدد كبير من مخيمات النازحين أُقيم إبان الحرب في الإقليم بين الجيش وحركات مسلحة منذ 2003، وتضم عشرات آلاف النازحين، أُضيف إليهم نحو 800 ألف نازح منذ 2023، وفق الأمم المتحدة.
واستولت “الدعم السريع”، وفق مراقبين، على بقية مدن إقليم دارفور الرئيسية بسهولة؛ لأنها بمثابة حاضنة اجتماعية لهذه القوات التي أُسست أصلا في دارفور خلال عهد الرئيس السابق عمر البشير (1989-2019)؛ لقتال الحركات المسلحة.
موقع استراتيجي
المحلل السياسي علي الدالي اعتبر في حديث للأناضول أن “ما يحدث في الفاشر طبيعي؛ لأن الأطراف المتحاربة لديها مصلحة في السيطرة على المدنية”.
وتابع: “تبرز أهمية الفاشر في موقعها الاستراتيجي من الناحية الأمنية، فهي تربط شمال السودان بدارفور وغرب البلاد”.
وأردف: “والوصول من الفاشر إلى مدينة الدبة في الولاية الشمالية سهل ويسير، خاصة أن الدبة مدينة مفتاحية للولاية الشمالية وولاية نهر النيل في ذات الوقت”.
و”السيطرة على الفاشر تمهد الطريق للزحف نحو الولايات الشمالية، ومن هناك يمكن أن تتوجه إلى الولايات الشرقية بالنسبة للدعم السريع”، كما أردف.
وزاد الدالي بأن “هذه الأهمية تجعل الجيش يتمسك بالسيطرة على الفاشر، والحركات المسلحة تقاتل بجانبه بشراسة؛ لأن الفاشر تمثل حواضن اجتماعية لهذه الحركات وتتواجد قيادتها بالمدينة”.
دولة في الغرب
وحسب المحلل السياسي محمد سعيد فإن “الوضع في الفاشر وما تؤول إليه سيحدد مستقبل إقليم دارفور بأكمله، وكذلك السودان”.
وأضاف سعيد للأناضول: “إذا سيطرت الدعم السريع على الفاشر تكون قد سيطرت على إقليم دارفور بالكامل، وقد حذر سياسيون من أنها تريد السيطرة على الإقليم ليتسنى لها إقامة دولة في دارفور”.
ورأى أن “رغبة الدعم السريع في السيطرة على الفاشر زادت مؤخرا بشكل واضح، ولكن حتى الآن لم تستطيع بسبب مقاومة الجيش والحركات المسلحة”.
وسقوط الفاشر، وفق سعيد، “يعني تلقائيا تهديد مباشر لولايات أخرى، بحيث يتحصن الدعم السريع في الفاشر وينطلق منها في هجمات على ولايات كردفان والولاية الشمالية المتاخمتين للمدينة”.
وقال إنه “من تعقيدات المشهد في الفاشر أنها لا تشكل حواضن اجتماعية لقوات الدعم السريع؛ مما يعني أنها ستشهد أزمات أخرى مستقبلا بين هذه القوات وسكان المدينة”.
وفي 21 أبريل الماضي، قال حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي، عبر “إكس”، إن “قوات الدعم السريع تتمادى لتوسيع دائرة سيطرتها لترسيم دولة جديدة في غرب السودان تحظى بالاعتراف الصامت كما خُطط لهم”، دون تفاصيل.