المنوعات

الموسيقار إبراهيم سوناتا يكتب : من عاطر الذكريات مع الفنان ابو عركي

 

الزمان كان في منتصف العام1981، المكان كان في باحة الإفطار بقسم الموسيقي بشارع 61 بحي العمارات، الوقت كان حوالي الساعة العاشرة صباحا مواعيد فسحة إفطار الطلبة والمعلمين بقسم الموسيقي، كنا نجلس جميعاّ طلبة الموسيقي زائدا طلبة المسرح في إلفة ومودة ووئام، ونحن نتاول وجبة الإفطار في جماعات صغيرة متجاورة، وروح الفن والود والمحبة تسود المكان، ونري هنا وهناك الأستاذ الموصلي وأميقو وأبو زيد الإمام وأبا يزيد ، ومن ناحيةّ أخري الدكتور سالم يتحدث مع المستر كيم (الكوري) ودكتور الماحي سليمان، والطلبة جالسون جميعهم الأخوة مرغني الزين وأحمد باص ومعتصم (وكيكا) وصلاح أبا يزيد يرحمه الله، وأحمد ساطور والنو وسوناتا ويحي فضل الله والسماني لوال، وإستيفن زكريا وآخرين، وبنات طلسم هادية وحياة وكباشي، وعوض نبق، وصديق الطيب ويحي الهجا وود النو والفاتح حسين وعبد اللطيف وردي، وبكري كمان ربنا يرحمه الله وعشيري والخير السقيد وعلي السقيد


(الأشقاء) وشادية الجنيدابي وقاسم أبو زيد والسر السيد وعبد الجبار وزينب الحويرص وأمينة وفضل الكريم وسمية حسن وترنين وميكائل وأحمد باص وسعد الدين الطيب وووو..
كل هذا العقد الفريد
النضير، كان جلوسا في الباحة حول الترابيز وعليها صحون الفول والطعمية والكبدة والبيض، ونتجاذب أطراف الحديث والونسات والفنانين وعدادات أمبارح وو و … وفجأة يقف الاخ (أحمد ساطور) علي حيله .. وكان رجلا مرحاّ كوميدياّ لطيفاّ من الدرجة الأولي، كان يقف ليقلد لنا الأستاذ الفنان محمد الأمين في مشيته ووقفته وطريقته في الغناء والأداء وتارة أخري يصلح النظارة ويتملكنا الضحك… وذلك للإبداع الشديد الذي يقلد فيه الرفيق ساطور الأستاذ ود اللمين وفي ذلك الوقت كان الأستاذ، محمد الأمين قد ذاع صيته و إشتهر بأغنيات جديدة مثل (زاد الشجون ) وزورق الألحان، وغرارة العبوس .. وإشتهرت بالذات أغنية(زاد الشجون) بعد أدائها لاول مرة بالأوركسترا الكاملة بمشاركة طلبة وأساتذة المعهد وبتوزيع قشيب جدا ورائع، ويستمر أحمد ساطور في إضحاكنا وتسليتنا ونحن نضحك مرحبا ونضحك، ثم يجلس هو وكأن شيئا لم يكن، ونستمر نحن في الضحك، فجأة نسمع صوت السيارة (الأوبل) بنية اللون علي مشارف بوابة مبني المعهد، ويترجل منها رجل وجيه طويلةالقامة، ونحيل أنيق الهندام يلبس بذلة رمادية بقميص أبيض وكرافتة تناسب لون البذلة وكان يبدو بذقن كاملة رائعة و محلوقة حلاقة جميلة علي دور الوجه، كان ذلك هو الفنان الجميل الرائع أبو عركي البخيت وهو قد إعتاد أن يزور المعهد زيارة راتبة ليتفقد أحوال الأساتذة الزملاء وأيضا الطلبة وأغلبهم كان يشارك معه في الفرقة الموسيقية بإتحاد الفنانين بأم درمان وأحيانا كان يصعد الي غرفة البيانو لأداء بعض تمرينات الصوت، جلس عركي مع بعض الزملاء علي التربيزة وتناول مشروبا ساخنا نسبة لبرودة الطقس ذلك اليوم، نسبة في أواخر شهر ديسمبر ، الجو ذلك اليوم، كنا نجلس أنا والرفيق عثمان النو وآخرين علي تربيزة جانبية وجاء أبو عركي قريبا منا وسلم علينا ثم طلب منا أن ننادي علي الرفيق الفاتح لينضم إلينا وقد كان اليوم يوم أحد علي ما أذكر وبعد أن سلم علينا عركي وجلس الفاتح معنا تحدث معنا قليلاّ عن بعض الأشياء الموسيقية ثم قدم لنا دعوة للإنضام للعزف معه بفرقته الموسيقية ثم طلب منا زيارته غداّ بمنزله بود نوباوي لاقامة برووڤة خاصة معه وذلك لأنه قد إختارنا للإنضمام لفرقته بناءّ عل رغبته الشخصية، وكنا نحن ثلاثتنا الفاتح حسين وسوناتا والنو أولاد قصار القامة كدا وصغار البنية ومتقاربين في الأعمار وكان ذلك مدهشا جدا ( الأولاد ديل يشاركوا في فرقة عركي ) ؟؟؟ وكان ذلك حديث الساعة، كنا ثلاثتنا نتوزع علي داخليات المعهد وكانت إحداها بالديم والأخري بالعمارات والثالثة بالصحافة زلط محطة سبعة علي ما أذكر، في اليوم التاني إتفقنا نحن ثلاثتنا علي أن نتحرك سويا ونصطحب آلاتنا الموسيقية ونتحرك بعربة تاكسي إلي ود نوباوي بأم درمان منزل الأستاذ أبو عركي بعدها بقليل إنضم إلينا عازف الإيقاع الاخ موسي عيسي كانت بروڤة من أربعة فقط وخامسنا هو أبو عركي، وبالفعل وصلنا المنزل وأستقلبنا أبو عركي أستقبالا جميلا فهو شخص خلوق ومهذب وكريم فقد أكرم ضيافتنا بحفاوة شديدة ومعه زوجته الفاضلة الدكتورة عفاف الصادق حمد النيل طيب اللهو ثراها وكانت الابتسامة لا تفارق محياها المشرق ، واكرمت ضيافتنا بحفاوة بالغة وتناولنا معا الغداء ثم التحلية والشاي ، وبدأ عركي يعد وينظم اوراق النوتة الموسيقية الخاصة بأغنباتة الشهيرة ذلك الحين ، مثل حكاية عن حبيبتي ، ياتحفة حواء ، بخاف ، الجميل السادة ، جسمي أنتحل ، نوبية ، نور النوار ، وغيرها من الأغنيات ، كان هناك في البهو طفلان أحدهما كان يلعب والثاني كان يحبو ، كانو أبناء عركي محمد وذي يزن كما عرفنا بهم عركي وكان عثمان النو يلاعب محمد الأكبر ، ثم بدأنا في تجهيز معداتنا الموسيقية وهي الباص جيتار النو ، الرزم جيتار الفاتح حسين والأكورديون سوناتا والإيقاع موسي عيسي والذي إنضم الينا كما أسلفت وسريعا جدا بدأنا
البرووڤات وكانت أغرب برووڤة علي الإطلاق !!! مع فنان كبير، وكان علي انا العبأ الأكبر وهو عزف ميلوديات الأغنيات وبعض ، الصولات والفاتح حسين كان عليه ايضا بجانب حفظ الرزم الكثير من الصولات علي الجيتار والنو كان ممسكا بدفة عزف الهارموني والرزم علي البيز متماشيا مع عازف الإيقاع موسي عيسي والذي كان في الأصل عضوا قديما بفرقة أبو عركي يعني هو حافظ تماما كل الإيقاعات ، ولحسن الحظ فانا أيضا كنت أحفظ عددا كبيرا من أغاني عركي منذ زمن بعيد لأني كنت أستمع بكثرة لآخر إصدارة لكاسيت أبو عركي بعنوان نوبية وكانت من أصعب الأغاني في الحفظ والتنفيذ، وضع عركي لكل منا نوتته الموسيقية أمامه وكانت أغنياته كلها منظمة ومرتبة وموزعة علي جميع الآلات وكان يكتبها هو بنفسه وبخط يده الجميل للنوتة الموسيقي، وبدأنا ضربة البداية باغنية (حكاية عن حبيبتي) وهي أيضا من الأغاني صعبة التنفيذ وبها أكثر من وزن إيقاعي واحد وكان حفظ عازف الايقاع موسي عيسي المسبق للعمل قد ساعدنا كثيرا وبدأنا بالإنجاز سريعا ، عن حبيبتي بقولكم ، نوبية بخاف ، جسمي انتحل الجميل السادة تحفة حواء ، وعد ، ونور النوار الي آخر الاعمال مع اعجاب كبير من الأستاذ عركي لدقة وسرعة تنفيذنا الموسيقي وأدائنا الجميل وفرح كثيرا بالنتيجة وقال لنا كدا أنتوا جاهزين خلاص !!! وكانت المفاجأة أن قال أيضا : وحتشتغلوا معاي أول حفلة بعد بكرة الأربعاء في أب روف !!! ولم نصدق انفسنا أبدا وأعتقد ان تلك كانت هي أسرع وأدق وأجمل بروڤة ينفذها عازفين شطار مع فنان كبير مثل أبو عركي البخيت ويدعوهم مباشرة لحفل بعد هذه البروڤة الواحدة فقط وينفذوا جل الأعمال الصعبة !!! فالمعروف أن كبار الفنانين يكررون البروڤات كثيرا حتي يجود العازفون كل الأغنيات ثم بعدها يشاركون في الحفلات معه ولكن كانت تلك اغرب جلسة فنية مع ثلاثة أولاد !!! في صفوفهم الاولي بمعهد الموسيقي والمسرح وينجزون هذا الإنجاز الرائع ، وبالفعل في يوم الاربعاء كان الحفل الساهر الجميل لعريس وعروسته بأم درمان أب روف قرب شاطئ النيل ، وأبدا لن ننسي ذلك الحفل لجماله وأيضا مشاركتنا مع كبار أساتذتنا العازفين مع الاستاذ عركي ، عبد الله اميقو كلارنيت ، وأبو زيد وعبد الواحد والفاتح كمانات وموسي عيسي بنقز ، والصادق ساكسفون و سوناتا أكورديون والفاتح حسين رزم و صولو جيتار وعثمان النو بيز جيتار و بالطبع كان هنالك أيضا المخضرم محمد طرمبة ،
وقد أثلج تنفيذ الحفل صدر الأستاذ أبو عركي وكل الاساتذة بفرقته المحترمة ذلك الوقت ، وأصبحنا من العازفين الأساسيين في فرقة الفنان أبو عركي البخيت وثبتنا بها .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى