اتفاق روسيا والسودان ” يصطدم بمخاوف “الجيران” ويزيد عزلة النظام العسكري ويُعمّق الصراع
تشهد العلاقات بين موسكو والخرطوم، خطوات متسارعة، بعدما عاد إلى الواجهة الحديث عن اتفاق سوداني روسي يمنح الأخيرة مركز دعم فني ولوجستي عسكري في بورتسودان على البحر الأحمر شرقي البلاد، وسط تحذير أميركي من المضي قدماً في مثل هذا الاتفاق، ومخاوف من وضع الخرطوم في اتفاقية تتعلق بالمحافظة على عروبة البحر الأحمر.
وحصلت “الشرق” من مصادر سودانية رسمية، الجمعة، قبيل إعلان وصول نائب رئيس مجلس السيادة السوداني مالك عقار إلى روسيا، على نسخة من الاتفاقية “السودانية- الروسية” التي يحملها عقار في حقيبته الرئاسية من أجل تسليمها إلى الرئيس فلاديمير بوتين في اجتماع مشترك.
وبعد ساعات فقط من سفر عقار، توجّه أيضاً عضو المجلس السيادي، شمس الدين كباشي في زيارة إلى دولتي النيجر ومالي، إذ تأتي هذه التحركات المتزامنة من أجل حشد موقف ضد قوات الدعم السريع، وخلق علاقات دبلوماسية وعسكرية مع دول غرب إفريقيا التي تشهد تقارباً كبيراً بين موسكو والقادة العسكريين في مالي والنيجر.
وفي مايو الماضي، زار المبعوث الروسي للشرق الأوسط وإفريقيا، بورتسودان، ميخائيل بوجدانوف، وأعلن حينها لأول مرة عن موقف موسكو من الصراع الدائر في البلاد، مشيراً إلى أن “مجلس السيادة السوداني هو السلطة الشرعية التي تمثل الشعب السوداني”.
وكانت هذه التصريحات في ختام مباحثاته مع مسؤولين سودانيين على رأسهم، رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان ونائبه في الجيش الفريق شمس الدين كباشي، وبداية تعبيد الطريق نحو علاقات استراتيجية مع موسكو.
فيما قالت مصادر عسكرية لـ”الشرق”، إن الحكومة السودانية، حسمت أمرها فيما يخص الاتفاقيات العسكرية مع موسكو بمنحها نقطة الدعم الفني واللوجستي على ساحل البحر الأحمر.
شراكة استراتيجية” مع موسكو
وأعرب نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان مالك عقار، الذي وصل روسيا في زيارة رسمية على رأس وفد وزاري، عن حرص الخرطوم على “تعزيز وترقية وتطوير العلاقات الثنائية مع روسيا في كافة المجالات، لا سيما الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية”، وفق بيان أورده “إعلام مجلس السيادة الانتقالي”.
وأطلع عقار وزير الخارجية الروسي سيرجيو لافروف خلال لقائهما على هامش منتدى سان بطرسبرج الاقتصادي الدولي، الجمعة، على مستجدات الأوضاع في السودان، والتطوّرات في مسارح العمليات العسكرية، ورؤية الحكومة بشأن استقرار الأوضاع، وإحلال السلام.
“إذا اختار النظام العسكري في السودان مواصلة تنفيذ اتفاق بورتسودان، فإن ذلك سيتعارض مع مصالح السودان على المدى الطويل، وتطلعات الشعب السوداني لإنهاء الحرب”.
وحذّر من أن المضي قدماً في مثل هذا الاتفاق البحري، أو أي شكل آخر من أشكال التعاون الأمني مع روسيا من شأنه أن “يزيد من عزلة النظام العسكري في السودان، ويُعمّق الصراع الحالي، ويخاطر بمزيد من زعزعة الاستقرار الإقليمي”.
وأردف: “تحتاج القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع إلى فهم مدى إلحاح الجلوس إلى طاولة المفاوضات، وأن هناك طريقاً للسلام، بدلاً من اللجوء إلى جهات خارجية، تسعى للاستفادة من حالة السودان الهشة وموارده”.
بنود الاتفاقية “الروسية- السودانية”
ووفقاً للمسودة التي حصلت عليها “الشرق”، تمتد الاتفاقية لمدة 25 عاماً، وتنتهي برغبة أحد الطرفين في إنهاء الاتفاق، وتنص على أن تدعم وتمنح روسيا، الجيش السوداني، عتاداً حربياً وفق بروتوكول منفصل، إضافة إلى مساعدة روسيا في تطوير القوات المسلحة السودانية.
كما تنص على ألا يتعدى عدد السفن الموجودة بنقطة الدعم الفني، 4 قطع في آن واحد، متضمنة السفن الحربية على ألا يتعدى التواجد الروسي 300 فرد فقط للفنيين العاملين بنقطة الدعم اللوجستي.
وتُلزم الاتفاقية روسيا بعدم الإضرار بالبنية التحتية والبيئية، إذ أن الاتفاقية تقول إنها غير موجهة ضد أي دولة، وتعمل على تحقيق السلام وتسري فور التوقيع عليها.
“اتفاقية مرفوضة”
لكن هذه الاتفاقية ليست بالأمر الجديد، وفقاً لعضو مجلس السيادة السابق محمد الفكي سليمان، الذي قال لـ”الشرق”، إنها عُرضت أثناء فترة الحكومة الانتقالية بغرض تنشيطها، لأنها صيغت بأكملها مع نظام الرئيس المعزول عمر البشير، وأُخضعت لنقاش مستفيض، وجرى رفضها كونها تؤثر على سياسة السودان الخارجية، وتعمل على تأزيم علاقات الخرطوم مع جيرانها.
وأضاف محمد الفكي: “السعودية على سبيل المثال، تبنت ميثاقاً لدول البحر الأحمر، وهي استراتيجية جديدة قائمة على استثمارات هائلة في المنطقة، وبالتالي لديها حساسية تجاه هذا الملف، ومن الناحية الأخرى مصر، المرتبطة بعدد من الملفات الأمنية في البحر الأحمر وقناة السويس”.
ولفت إلى أن هذه الاتفاقية “ستخلق تحالفاً إقليمياً معارضاً أكبر من الموقف الدولي، وستؤثر بطبيعة الحال في تموضع السودان الإقليمي الذي بذلت حكومة ثورة ديسمبر جهداً كبيراً في سبيل استعادة موقع السودان السابق”.
احتياج السودان للأسلحة
بدوره، قال الخبير الأمني والعسكري، أمين مجذوب لـ”الشرق”، إن الاتفاق على منح روسيا نقطة تزويد على البحر الأحمر أو حتى قاعدة بحرية، أمر تصر عليه موسكو في محاولة للوصول إلى موطئ قدم على ساحل البحر الأحمر، لتؤكد نفوذها على هذه المنطقة.
وأضاف: “الاتفاقية في مجملها، فيها عدد من البنود أهمها أن مدتها 25 عاماً، إلى جانب ذلك تمنح السودان ما يحتاج إليه من الأسلحة والوقوف معه في هذه المحنة، وبالتالي كانت زيارات مسؤولين سودانيين إلى موسكو، وزيارة نائب وزير الخارجية الروسي إلى السودان نقطة تحول كبيرة في هذا الأمر”.
وتابع مجذوب: “الآن بات واضحاً أن السودان يحاول الخروج من قبضة العالم الغربي، بعد أن تبين له أن هنالك تباطؤ في إدارة الأزمة والوقوف مع السودان وما دار في جلسة مجلس الأمن وموقف بريطانيا صاحبة القلم، وكذلك الضغوط الأميركية في العودة إلى منبر جدة، دون الضغط على الدعم السريع”.
وقال: “هنالك اتفاقية أمنية مع السعودية والدول المشاطئة على البحر الأحمر، بأن يتم المحافظة على عروبة البحر الأحمر، وعدم إعطاء أي قواعد لقوات أجنبية أو تواجد عسكري أجنبي، كل هذه الأمور ستشكل تحدياً للحكومة السودانية”.
سيناريوهات متوقعة
ووضع الخبير العسكري أمين مجذوب، ثلاث سيناريوهات، الأول انهيار وضع السودان في الاتفاقية الأمنية مع السعودية والدول الشاطئية في اتفاقية بحرية للحفاظ على عروبة البحر الأحمر، ومنع أي تواجد لقوات أجنبية أو منح قواعد لدول أجنبية.
أما السيناريو الثاني، ربما يُحدث تأثيراً في علاقات السودان مع الولايات المتحدة، باعتبار أن الوجود الروسي منافي لمصالح واشنطن في الأراضي السودانية وإفريقيا وشاطئ البحر الأحمر.
والسيناريو الثالث، يتمثل في أن تمتص دول الإقليم هذه الاتفاقية، وتسير بالتوازي مع إقناع السودان، بعدم إقامة هذه القاعدة، وربما تكون هنالك حوافز للحكومة السودانية بعدم إقامتها.
ماذا يستفيد السودان؟
في المقابل، قال المحلل السياسي عمر عبد الرحمن لـ”الشرق”، إن السودان “سيستفيد من الاتفاقية الروسية من خلال إمداد مباشر للأسلحة والذخائر لتلبية احتياجاته”.
وأضاف: “النقطة الأهم هو الدعم الذي تحتاجه الحكومة داخل مجلس الأمن الدولي، والذي توفره روسيا من خلال دعم سياسي على المستويين الإقليمي والدولي”.
ولفت إلى أن الجانب الاقتصادي يمثل حيزاً كبيراً من الاتفاقية، والتي ستتضمن اتفاقيات اقتصادية في مجالات القمح، والوقود، والغاز، معتبراً أن “كل هذه الفوائد تصب في إيقاف الحرب وخروج الجيش منتصراً”.
وفي ما يتعلق بالجانب الروسي، قال “عبد الرحمن” إن موسكو “ستثبت أقدامها في البحر الأحمر، وحققت ضربة للغرب ولواشنطن في النفوذ على ساحل البحر الأحمر
المصدر : الشرق