الأخبار

إندبندنت البريطانية: لمن الحكم في السودان؟ توقعات بإعلان فترة أنتقالية جديدة

يرى مراقبون أن الأوضاع الراهنة تمثل سلطة الأمر الواقع وأن قرارات البرهان في أكتوبر 2021 تسببت في تعليق عضوية السودان في الاتحاد الأفريقي، إضافة إلى أن المحيط الخارجي حدد موقفه من تلك القرارات، إذ امتنع الاتحاد الأوروبي ودول أخرى نافذة عن الاعتراف بالأوضاع المنشأة بموجبها منذ ذلك الحين.

على خلفية الحرب والصراع السياسي في السودان طفا إلى السطح أخيراً جدل متصاعد حول شرعية السلطة الحالية الحاكمة التي تتخذ من بورتسودان عاصمة ولاية البحر الأحمر مقراً بديلاً لها، بخاصة بعد حديث عضو مجلس السيادة الانتقالي (المقال) الهادي إدريس القيادي في تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) حول ضرورة العمل على نزع شرعية السلطة القائمة، فكيف ينظر السياسيون والمتخصصون والمراقبون لطبيعة هذا الصراع الجديد ومآلاته المتوقعة، وهل هناك فرصة لنجاح الأصوات المطالبة بتجريد الحكومة الحالية عن الشرعية؟

الشرعية والأمر الواقع

في السياق يرى المتخصص في القانون الدولي مؤسس الحركة الجماهيرية السودانية أحمد المفتي أن الشرعية تكتسب عن طريقين لا ثالث لهما، أولهما هي الشرعية الدستورية التي تكتسب عن طريق الدستور والقانون والانتخابات، وتوصف تلك الحكومة بأنها قانونية، بجانب ذلك هنالك شرعية “الأمر الواقع” بانتزاع السلطة من الشرعية الدستورية بالقوة، سواء أكانت قوة السلاح (الانقلابات العسكرية)، أم قوة الجماهير (الثورات والانتفاضات)، أم بالتوافق الوطني، وتسمى الحكومة الناتجة من هذه الحالة حكومة الأمر الواقع، وهو ما ينطبق على الحكومة الحالية القائمة في السودان.

يشير المفتي إلى أن انتزاع السلطة بالقوة من حكومة الأمر الواقع لا يكسب الحكومة الجديدة شرعية دستورية، بل تصبح هي نفسها حكومة “أمر واقع”، إلى حين استيفاء متطلبات الشرعية الدستورية عبر الدستور والانتخابات، أما إذا ما حدث توافق عن طريق المفاوضات في الوقت الراهن، وشكلت حكومة توافق وطني إلى حين إجراء الانتخابات، فإن تلك الحكومة ستكون كذلك حكومة أمر واقع، ولا تعتبر شرعيتها دستورية.

الطعن في الشرعية

يعتبر المفتي مسألة الاعتراف الدولي إجراء سياسياً تمارسه الدول في إطار سيادتها، وتعترف بحكومة ذات شرعية دستورية، كما تعترف بحكومة أمر واقع كما تفعل حالياً مع حكومة السودان الحالية القائمة، لذلك فإن الاعتراف الدولي إجراء مختلف عن الشرعية.

وكان رئيس الجبهة الثورية القيادي في “تقدم” عضو مجلس السيادة الانتقالي (المقال) الهادي إدريس أشار في كلمته أمام المؤتمر التأسيسي للتنسيقية نهاية مايو (أيار) الماضي إلى خطوات تهدف إلى تجريد الحكومة القائمة في بورتسودان من أية شرعية لمنع تقسيم السودان، معتبراً أن “تقدم” هي من لديها شرعية الثورة السلمية التي تؤهلها للحديث باسم الشعب السوداني.

شدد إدريس على عدم شرعية الحكومة القائمة الآن في بورتسودان، بعد أن انهار الدستور والشرعية ومعهما الحكومة بعد اندلاع الحرب، وباتت الحركة الإسلامية هي التي تسيطر على الوضع بوضوح، وتصر على استمرار الحرب وعدم الذهاب للتفاوض في منبر جدة.

استهداف سياسي

لكن وزير العدل السابق أستاذ القانون الدستوري محمد أحمد سالم يعتبر أن ما يثار في شأن الطعن في شرعية السلطة الراهنة بأنه مجرد استهداف سياسي، منوهاً بأن مصادر الشرعية في كل العالم هي إما عبر صندوق الانتخابات أو بوجود سلطة أمر واقع، مثل ما يحدث عقب كل انقلاب عسكري يفرز سلطة تسيطر على الأوضاع كأمر واقع، وأحياناً تسمى شرعية ثورية.

وفي ما يختص بوجود رئيس وزراء (مكلف) وليس بالأصالة، بجانب وزراء معظمهم مكلفون أيضاً، منذ انقلاب البرهان في الـ25 من أكتوبر (تشرين الأول) 2021، يوضح سالم أن لا علاقة لوجود أو غياب مجلس وزراء بمسألة الشرعية، لأن العسكريين يستطيعون في أية لحظة تعيين مجلس وزراء، كما أنه الآن يوجد مجلس مكلف بغض النظر عن كفاءته.

في شأن موقف الوثيقة الدستورية لعام 2019 التي أسست للشراكة بين العسكريين والمدنيين يرى أستاذ القانون الدستوري، أن السلطة الحالية لا تحكم بالوثيقة المجمدة فعلاً منذ انقلاب الـ25 من أكتوبر، فضلاً عن أن هناك خلافاً حول شرعية الوثيقة نفسها، كونها لم توضع بواسطة سلطة منتخبة، بل اعتمدت على الشرعية الثورية وبنادق العسكر، لذلك يجري العمل الآن لإعداد دستور انتقالي يحل محل تلك الوثيقة.

الاعتراف الدولي

يعتقد سالم أنه إذا كانت الشرعية الحقيقية هي تلك المستمدة من تأييد الشعب فهذا يكاد يكون متوفراً للسلطة الحالية بصورة منقطعة النظير على المستوى الداخلي، أما بالنسبة إلى العالم الخارجي فهو يتعامل مع الفريق البرهان كرأس للدولة، إذ تتم دعوته إلى المؤتمرات ويخاطبها بتلك الصفة، لذلك يمكن القول وفق سالم إن الحكومة الحالية تتمتع باعتراف دولي من الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية ولها سفراء في كثير من الدول، أما الوحيدون الذين لا يكادون يعترفون بالحكومة السودانية فهم رئيس إثيوبيا وكينيا لأسباب معروفة.

لكن الوزير الأسبق يرى أنه بالنسبة إلى الموقف الراهن سيحسمه الميدان العسكري، ومن ينتصر ويسيطر ستكون له شرعية الأمر الواقع.

غير أن القيادي بتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) ياسر عرمان يعتبر أن الشرعية والسيادة هي جوهر وأصل الصراع بين طرفي الحرب، في وقت شبعت فيه تآكلاً وسقطت منذ تحول عاصمة البلاد ورموز ومباني الدولة في الخرطوم إلى بيوت أشباح وتشريد أكثر من 11 مليون سوداني بين نازح ولاجئ يمثلون الشعب وسيادته واحترام إرادته، مردفاً “حينما تنعدم قيمة الإنسان تنعدم السيادة والشرعية، فالسودانيون اليوم مشردون يتعرضون للإهانات في المطارات والمنافذ الحدودية والأسوأ حتى في داخل بلادهم”.

يضيف عرمان في مقالة على صفحته في “فيسبوك” أن “الشرعية الراهنة المتآكلة هي شرعية الدولة وليس الحكومة، نتجت من أن المجتمع الدولي يريد الحفاظ على الدولة السودانية، ولكنه لا يقف مع الحكومة، لأنه إذا ما أعلن أن السودان تنعدم فيه الدولة والسيادة، فإن ذلك من شأنه أن يخلق مشكلات تبدأ من الأوراق الثبوتية والجنسية وتتطلب إجراءات ومسؤوليات لا يرغب المجتمع الدولي في تحملها، لذلك يتعامل مع حكومة بورتسودان كممثلة للدولة”، أما الحكومة الراهنة فحتى الاتحاد الأفريقي الأقرب للسودان قام بتجميد عضويتها وتبذل كل جهدها من أجل العودة له.

خروقات متعددة

على الصعيد ذاته يوضح رئيس مجلس أمناء هيئة محامي دارفور الصادق على حسن أنه بموجب أحكام الوثيقة الدستورية 2019 نفسها التي يرى حسن أنها سارية المفعول، فإن “نظام البرهان الحالي يعتبر فاقداً للشرعية الدستورية، إذ قام منفرداً بعزل وتعيين أعضاء بمجلس السيادة الانتقالي في خرق واضح لأحكام الوثيقة، فضلاً عن أنه وبحسب ما نما إلى علمنا يعتزم إلغاء الوثيقة الدستورية نفسها قريباً، وفرض الأحكام العرفية بعد أن صار حاكماً مطلقاً من دون كابح أو مشورة أو نصح قانوني يقدم له”.

وفق التعديلات التي تمت على الوثيقة الدستورية لاستيعاب اتفاق جوبا لسلام السودان أصبح مجلس السيادة الانتقالي يتكون من 14 عضواً، يسمي المجلس العسكري خمسة منهم، على أن تختار قوى إعلان الحرية والتغيير خمسة أعضاء مدنيين، بينما يسمي المكونان عضواً مدنياً آخر بالتوافق، وتختار أطراف اتفاق السلام ثلاثة أعضاء، ويجوز للجهات التي قامت بالاختيار استبدال ممثليهم.

يستطرد حسن “على رغم أن الوثيقة الدستورية سارية المفعول ويستمد منها رئيس مجلس السيادة والقائد العام للجيش الفريق عبدالفتاح البرهان، بجانب جميع أجهزة الدولة الصلاحيات والسلطات والمهمات التي يمارسونها، لكن البرهان ظل لا يحترم نصوصها ودأب على خرقها من دون حسيب أو رقيب، حتى من قبل أن تندلع هذه الحرب العبثية الدائرة حالياً”.

وتابع “قام الفريق البرهان مثلاً بتعيين قائد قوات ’الدعم السريع‘ الجنرال محمد حمدان دقلو (حميدتي) نائباً له تحت مسمى (النائب الأول)، وهو منصب ليس له أي وجود دستوري في الوثيقة، على رغم نص الوثيقة على صدور قرارات مجلس السيادة الانتقالي بإجماع أعضاء المجلس، لكن في الواقع ظل البرهان يصدر القرارات ويفعل ما يريد منفرداً”.

وضع اليد

في شأن الوضع الدستوري وشرعية الحكم القائم يرى حسن أن الأوضاع الراهنة تمثل سلطة الأمر الواقع أو بوضع اليد، مشيراً إلى أن قرارات البرهان (الانقلابية) في أكتوبر 2021 تسببت في تعليق عضوية السودان في الاتحاد الأفريقي، إضافة إلى أن المحيط الخارجي حدد موقفه من تلك القرارات، إذ امتنع الاتحاد الأوروبي ودول أخرى نافذة عن الاعتراف بالأوضاع المنشأة بموجبها منذ ذلك الحين، كما أن المحيط الداخلي لم يعد أيضاً يعترف بالأوضاع الناشئة عن تلك القرارات.

وكانت مسألة الشرعية وتمثيل الحكومة السودانية أثيرت خلال مؤتمر باريس حول القضايا الإنسانية بالسودان ودول الجوار الذي اختتم أعماله في الـ15 من أبريل (نيسان) الماضي، إثر احتجاج الحكومة السودانية على عدم التنسيق معها أو دعوتها إلى المشاركة في المؤتمر واعتبرته تدخلاً في شؤنها الداخلية، على رغم تأكيد السلطات الفرنسية المنظمة للمؤتمر عدم مشاركة طرفي الصراع.

فض الشراكة

ومنذ الـ25 من أكتوبر 2021 استفحلت الأزمة السياسية في السودان بسبب انقلاب الفريق البرهان وفض الشراكة مع المكون المدني في الحرية والتغيير، بتعليق أهم بنود الوثيقة الدستورية، وإعلان حالة الطوارئ وحل مجلسي السيادة والوزراء وحكومات الولايات.

وفشلت مساعي الجيش في إخماد حراك الشارع السوداني المقاوم للانقلاب على رغم العنف المفرط ضد المتظاهرين، لتبدأ تحت ضغط الشارع مفاوضات أسفرت عن توقيع الاتفاق الإطاري من المكون العسكري بشقيه (البرهان عن الجيش وحميدتي عن قوات “الدعم السريع”) كل على حدة من جانب، وأحزاب قوى إعلان الحرية والتغيير وأخرى داعمة للتحول المدني الديمقراطي من الجهة الأخرى.

الإطاري والحرب

اتفقت الأطراف على تطوير الاتفاق الإطاري إلى اتفاق سياسي نهائي لإدارة الفترة الانتقالية، لكن الخلافات حول بند إصلاح الأجهزة الأمنية والعسكرية، بخاصة مسألة دمج قوات “الدعم السريع” فجرت الأوضاع داخل المكون العسكري نفسه.

وإزاء الانقسام السياسي وبين المكون العسكري حول الاتفاق الإطاري تحول الصراع على السلطة في الخرطوم في الـ15 من أبريل العام الماضي إلى حرب دامية بين الجيش وقوات “الدعم السريع”، مهدداً بجر البلاد إلى أتون حرب أهلية طويلة وأزمة إنسانية طاحنة، ولا تزال المعارك مستمرة منذ أكثر من عام بلا أفق لتوقفها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى