موقف لافت لروسيا وتحذير لمندوبتها من المساس بسيادة السودان..
ازدواجية في المعايير بمساواة الميليشيا المتمردة بالجيش الوطني..
دعوة إلى تنفيذ اتفاق جدة، دون إلزام الميليشيا بالخروج من المنازل والأعيان المدنية..
تقرير: إسماعيل جبريل تيسو
اعتمد مجلس الأمن الدولي قراراً يطالب قوات الدعم السريع فك حصارها على مدينة الفاشر حاضرة إقليم دارفور، ودعا القرار الذي صوّت له ١٤ دولة بامتناع روسيا إلى وقف فوري للقتال وخفض التصعيد في الفاشر ومحيطها وسحب جميع المقاتلين الذين قال القرار إنهم يهددون سلامة وأمن المدنيين.
مشروع قرار بريطاني:
وكانت بريطانيا قدمت مشروع القرار الذي يطالب بأن تكفل جميع أطراف النزاع حماية المدنيين بما في ذلك السماح للراغبين منهم في التنقل إلى مناطق أكثر أمنا داخل مدينة الفاشر وخارجها، ويشير القرار إلى ضرورة حماية جميع المدنيين وفقا للقانون الدولي، ويطلب من الأمين العام أن يتشاور مع السلطات السودانية والجهات الإقليمية صاحبة المصلحة لتقديم المزيد من التوصيات ما من شأنه حماية المدنيين في السودان.
تنفيذ إعلان جدة:
ودعا القرار الذي صوّت له مجلس الأمن الدولي إلى التنفيذ الكامل لإعلان جدة بشأن الالتزام بحماية المدنيين في السودان، وأن تسمح أطراف النزاع بتسهيل عمليات المرور السريع والآمن والمطرد وبدون عوائق للإغاثة الإنسانية الموجهة لمن يحتاجها من المدنيين، مع الإشارة إلى التدابير التي اتخذتها السلطات السودانية في هذا الصدد وحثها على مزيد من التعاون، مع دعوة جميع الأطراف لأن تعمل في شراكة وثيقة مع وكالات الأمم المتحدة والجهات الأخرى الفاعلة في مجال العمل الإنساني لضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى من يحتاجون إليها، بموافقة مسبقة وتنسيق من السلطات السودانية.
فتح معبر أدري:
قرار مجلس الأمن الدولي دعا السلطات السودانية إلى إعادة فتح معبر أدري الحدودي مع دولة تشاد من أجل إيصال المساعدات الإنسانية، ونادى الأطراف بسحب المقاتلين حسب الضرورة ليتسنى القيام بالأنشطة الزراعية طوال موسم الزرع لتجنب مضاعفة خطر المجاعة.
الموقف البريطاني:
أكدت بريطانيا أن القرار الذي تقدمت به إلى مجلس الأمن الدولي يبعث رسالة واضحة بضرورة أن توقف قوات الدعم السريع حصارها المفروض على الفاشر فوراً، وأن تتراجع جميع الأطراف عن حافة الهاوية، باعتبار أن الهجوم على المدينة سيكون كارثياً على 1.5 مليون شخص لجأوا إليها، وقال سفيرة المملكة المتحدة في مجلس الأمن باربرا وود وارد، إن بلادها قدمت هذا القرار للمساعدة في تأمين وقف إطلاق نار محلي حول مدينة الفاشر وتهيئة ظروف واسعة لدعم تهدئة التصعيد في جميع أنحاء السودان، وإنقاذ الأرواح في نهاية المطاف، مبينة أن القرار يطلب من الأمين العام تقديم توصيات بشأن دعم حماية المدنيين في السودان بناءً على جهود المساعي الحميدة القائمة والتفويض الحيوي لمبعوثه الشخصي إلى السودان السيد رمضان العمامرة.
إشارة قوية:
وأشارت سفيرة المملكة المتحدة في مجلس الأمن باربرا وود وارد إلى أن مجلس الأمن ومن خلال اعتماد هذا القرار أرسل إشارة قوية إلى أطراف هذا الصراع، بضرورة إنهاء هذا القتال الوحشي والغاشم، مبينة أن التصويت على هذا القرار يبرهن على أن مجلس الأمن الدولي لا يزال ملتزماً بدعم جهود إحلال السلام في السودان، ونحن نتطلع إلى مواصلة العمل عبر الأمم المتحدة في جميع أنحاء المنطقة ومع أعضاء المجلس لتحقيق هذا الهدف.
الموقف الأمريكي:
شددت الولايات المتحدة الأمريكية على ضرورة أن يبذل مجلس الأمن الدولي كل ما في وسعه من أجل إنهاء القتال في السودان وتسهيل زيادة فورية للمساعدات الإنسانية على نطاق واسع للأشخاص المحتاجين، وأكدت سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد أن تصويت بلادها لصالح القرار جاء لإنهاء القتال وتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية، وقالت اجتمعنا معا للمطالبة بحماية المدنيين والسماح للمساعدات الإنسانية بالتدفق بحرية إلى دارفور وأنحاء السودان وعبر الحدود وخطوط الصراع وفقا للقانون الدولي، وأضافت اجتمعنا معاً لدعوة جميع الدول الأعضاء للامتناع عن التدخل الخارجي في هذا الصراع، والذي إذا استمر، فلن يؤدي إلا إلى المزيد من عدم الاستقرار، مطالبة بالوقف الفوري للأعمال العدائية، مما يؤدي إلى حل مستدام لهذا الصراع.
تحذير شديد اللهجة:
وحذرت سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد من مغبة عدم احترام الأطراف المتحاربة القانون الدولي الإنساني، وتسهيل الوصول الإنساني، وقالت سيتعين على مجلس الأمن اتخاذ إجراءات لضمان تسليم وتوزيع المساعدات المنقذة للحياة من خلال النظر في جميع الأدوات المتاحة له، مبينة أن السودان أصبح أسوأ أزمة إنسانية في العالم، لكن المجتمع الدولي تجاهل هذه الأزمة لفترة طويلة، منوهة إلى أن الشعب السوداني لاحظ هذا الصمت والتقاعس الدولي وشعر بهما، مؤكدة أن بلادها ستراقب عن كثب وإذا لم يتغير الوضع على الأرض للأفضل، فيجب على مجلس الأمن الدولي اتخاذ المزيد من الإجراءات.
الموقف الروسي:
وامتنعت روسيا عن التصويت على مشروع القرار البريطاني، وقالت مندوب روسيا الدائم في الأمم المتحدة آنا يفستيغنييفا إن سبب امتناع بلادها عن التصويت يعود إلى أن القرار يتناقض مع الحقائق على الأرض ويتجاهل تعليقات السودانيين أنفسهم، مبينة أن الوضع في الفاشر هو مجرد ذريعة وإنه من الصعب تحديد الهدف من القرار، وقالت إن بلادها لا يمكن أن توافق على توجيه الدعوة لجميع الأطراف السودانية لضمان الوصول الإنساني بما في ذلك الوصول عبر الحدود.
سيادة وطنية:
لفتت المندوبة الروسية لدى الأمم المتحدة آنا يفستيغنييفا انتباه مجلس الأمن إلى أن السيطرة على الحدود الوطنية والعبور الحدودي لأي بضائع، هما مسألة سيادية للسلطات التي تتولى المسؤولية، مبينة أن أي محاولة لما وصفته بفرض إعفاءات مصطنعة من هذا المبدأ أو إحالة هذه الصلاحيات لأطراف من غير الدولة، تعتبر تعدياً واضحاً على سيادة السودان وسلامة أراضيه، داعية “بعض أعضاء المجلس” إلى التوقف عن التخفي وراء أهداف نبيلة تتمثل في دخول المساعدات الإنسانية إلى السودان، من أجل الترويج لأجنداتها غير البناءة، مشددة على ضرورة عدم المبالغة في وصف مشكلة انعدام الأمن الغذائي في السودان، وقالت إنه على الرغم من وجود مشاكل مرتبطة بالغذاء، ولكنها ليست ناجمة عن قلة الإمدادات الغذائية، ولكن عن صعوبة توزيعها في بعض المناطق بالإضافة إلى الوضع المالي للسكان، مؤكدة على أهمية التعاون مع الحكومة السودانية – بدلاً من استغلال مشكلة الجوع – لمعالجة مشكلة الغذاء ودعم الزراعة.
على كلٍّ فقد أصدر مجلس الأمن الدولي قراره الذي لم يخزل توقعات معظم السودانيين باستصدار قرار ظاهره نبيل، وباطنه يحمل مكراً وخبثاً ودهاءً يكرّس لتمكين ميليشيا الدعم السريع، من خلال طبع قبلة الحياة على جبينها وهي التي تلفظ أنفاسها الأخيرة على تخوم مدينة الفاشر التي شكلت محرقة تتلظى نارها لتأكل ميليشيا الجنجويد زرافات ووحدانا، كان آخرهم قائد عمليات حصار الفاشر اللواء متمرد علي جبريل يعقوب، أحد قيادات التمرد والذي يعتبر أهم قائد ميداني بعد عبد الرحيم دقلو، حيث قضى غير مأسوف عليه قبل أن يجف المداد الذي مُهر به قرار مجلس الأمن الدولي.